يمكن أنْ نعد فوز عبد الخالق الركابي بجائزة سلطان العويس في حقل القصة والرواية والمسرحية في دورتها الخامسة عشرة تتويجٌا لتاريخ هذا المبدع المميز، ولجهده في تأصيل سرديات تاريخ ذاكرة الأمة العراقية، مثلما هو تقدير لتاريخ الثقافة العراقية، وتعبير عن أهمية الانتباه النقدي والمؤسساتي لسيرتها ولمنجزها الابداعي، إذ بات حضور اسماء الأدباء العراقيين مميزاً ولامعاً في عالم الجوائز العربية، وبقدر ما يحمله عالم الجوائز من قيم رمزية للتنافس وقيم مادية للاحتفاء بهذا المبدع أو ذاك، فإنها ليست بعيدة عن ما يُثار حولها من الجدل، لاسيما وأنّ اغلب تلك الجوائز تمولها جهات معينة ومؤسسات لها مصالحها وحساباتها، فضلا عن كون بعضها يحمل اسماء لشيوخ وشخصيات وجدوا في الفضاء الثقافي مجالا انسانياً وابداعياً يستحق الدعم والرعاية والاهتمام، وهو ماينبغي اعادة قراءته، مقابل عجز دول ومؤسسات رسمية من أنْ تعطي للجانب الثقافي اهتماماً وانتباهاً، وتقدير فاعلية الثقافة ومنجزها الابداعي والانساني.
فوز الركابي بهذه الجائزة يضعنا أمام الأسئلة التي تتعلق بخصوصية الجوائز العربية، ومدى تأثيرها على الحراك الثقافي العربي، فبقدر أهمية التوصيف الثقافي والاحتفالي لمثل هكذا جائزة أو لغيرها، فإنها من جانب آخر تُثير جدلا حول آليات اختيار الفائزين، وماهي الشروط والمعايير، فضلا عن علاقة الترشيح والفوز بمرجعيات اللجان النقدية المسؤولة عن اختيار الفائزين بها..
إنّ انتظام العمل المؤسسي للجوائز الثقافي، وفي دول معينة، لاسيما في الخليج العربي بشكلٍ خاص، يعكس طبيعة اهتمامها بما هو رمزي للثقافة، واهمية الدعم المادي لمن يفوز، حدّ انّ هذه الجوائز تحولت الى مؤسسات، لها قانونها وسياقات عملها الخاص، وهذا الموضوع مهم في النظر التنظيمي للعمل الثقافي، ولأبعاد مأسسته، وانعكاس ذلك على طبيعة المشاركة فيها والترشيح لها، فالفائز بالجائزة سيحظى بما يمكن تسميته ب(السعادات الثقافية) والتي تعني بأنه سيحوز على كثير من الاهتمام والمتابعة، والدعوات الخاصة بالمهرجانات والمؤتمرات، والتي ستجعل منه نجماً ثقافياً تحتاج الثقافة العربية الى تأصيل ظاهرته، عبر صناعة طقوسه وتقاليده، على مستوى الترويج للصورة الثقافية، أو على مستوى الكتاب الثقافي والفضاء الثقافي..
إن ما ورد في تقييم لجنة اختيار الجائزة لأعمال الركابي الروائية والقصصية الذي فاز فيها مناصفة مع الروائية اللبنانية هدى بركات هو تشخيص نقدي دقيق، لما تحفل به ( نصوصهما الإبداعية، من براعةٍ في تقنيات السرد، وقدرة على بناء عوالم، تستوعب تحولات الواقع، وترددات الذات الإنسانية) فضلا عن كونها تواصلا مع مسيرة(جوائزية) لأدباء عراقيين فازوا بها، أو بجوائز نظيرة، أو وصلوا الى مستويات مهمة فيها، فأول فوز عراقي بجائزة العويس كان للروائي الرائد فؤاد التكرلي، مثلما هو فوز الروائي احمد سعداوي بجائزة البوكر، وفوز الكاتب عبد الله ابراهيم والناقد سعيد الغانمي بجائزة الشيخ زايد، وفوز الشاعر شاكر لعيبي بجائزة إبن بطوطة، وفوز الروائي سعد محمد رحيم بجائزة كتارا للروايات غير المطبوعة، واخيراً ترشيح الناقد فاضل ثامر ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، فضلا عن فوز عدد من الشعراء والروائيين بجوائز عالمية، لكنها محدودة الأثر، وبعيدة عن التوصيف الاعلامي.
الاهتمام بعالم الجوائز الثقافية عربياً يعكس في جدّته توجّها ينبغي العمل على تأصيله، والاهتمام به، على مستوى حمايته قانونياً، والعمل على مأسسته، وعلى مستوى التعريف به وتعزيز قيمته الرمزية، والمادية، وحتى الإشهارية، ليس على ما طريقة ما هو معروف في العالم، بقدر ما أنّ الحاجة للجوائز والمسابقات وتوسيع دائرة التنافس بين المثقفين العرب يحتاج الى اهتمامات أكبر، لاسيما ما يتعلق بالقيم الانسانية والجمالية والمعرفية للثقافة للتواصل والتعريف الثقافيين، فضلا عن تعميق فاعليتها بوصفها مصدرا مهما من مصادر التنمية البشرية، وعنصراً فاعلا في سياق التحولات الاجتماعية والتعليمية والتربوية، لمواجهة كلِّ مظاهر القبح والجهل والتخلّف والعنف والارهاب والكراهية، فضلا عن أنّ سسيولوجيا الجائزة تعزز ما هو تفاعلي وتواصلي مع فاعلية الاجتماع العربي، ومع ضروراته في أن يكون الثقافي هو الوجّه الأكثر تعبيراً عن اسئلته التي باتت الحاجة اليها لازمة وحقيقية..
علي حسن الفواز
عبد الخالق الركابي يفتح أفقا عراقيا للجوائز العربية
التعليقات مغلقة