كلماتٌ تولد مشحونةً بما حولها من أتون الأفكار والعواطف والأخيلة… كلمات تحمل نقيضها، ولادتها وموتها، قوتها وضعفها، خلودها وتلاشيها… مع هذه الكلمات والجمل تولد كلمات أخرى تلاحقها، وتكون ملاصقة لها دائماً. الكلمات الأولى هي الأدب والثانية هي النقد الأدبي، نعيش في هذه الحياة عبر عقولنا وعواطفنا، ضمن عملية تستمر بالتكامل في كل يوم، ولا تنتهي حاجتنا إلى التجارب أبداً. إننا محكومون بالاختلاف والنقص، هذا ما يؤيده الدين والتجربة الواقعية: {وَاخْتِلَافُ َلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (الروم: 22). إذن، يجعلنا هذا في حاجة مزدوجة مستمرة إلى النقد: نقد نقدّمه نحن، ونقد نتلقاه… نحن نحتاج إلى بعضنا في هذه الحياة، عبر ممراتها المجهولة، وغاباتها الشاسعة…هنا سأحاول ذكر بعض الإضاءات المحددة، الخاصة برؤية مفهوم (النقد الأدبي) فرعاً من العملية النقدية كلها، وما يتصل به:
1 – النقد الأدبي: هو شرح معنى النص الإبداعي، مهما كان جنسه ومستواه ومستوى مبدعه، وتحليله إلى مكوناته الضرورية، وبيان الرأي المعياريّ والموضوعي والواضح فيه مع التعليل، مصحوباً بتقديم النصح والإرشاد.
2 – النقد الأدبي ضرورة حياتية؛ لأن الإبداع الأدبي نفسه ضرورة. إنه ليس ترفاً عقلياً أو فرضاً ثقافياً أو أكاديمياً مهنياً جافاً! إنه مسؤولية اجتماعية وعلمية.
3 – ينطلق النقد الأدبي من مستوى تطبيق مكونات الجنس الإبداعي، التي تؤسسه وتمنحه خصوصيته، مع الاهتمام بأي حدود ممكنة أخرى، عندما يكون له تأثير واضح ومعلل، مثلاً: حياة المؤلف الشخصية. أي: لكي تنقد النص المسرحي، فعليك أن تعرف كيفية أصول إنشاء النص المسرحي بكل أبعاده، حتى التمثيل.
4 – يجب أن يقترن الرأي النقدي بالتعليل العلمي، المستند إلى طبيعة مكونات النص والحكم بها، فلا قيمة لرأي نقدي بلا تعليل.
5 – يجب أن يكون النقد الأدبي موضوعياً وحيادياً إلى أقصى حد ممكن. الموضوعية: الالتزام بموضوع النص الإبداعي وحدوده الممكنة. الحيادية: إبعاد التأثيرات الذاتية عن التدخل في إجراء الحكم النقدي. ومن الممكن أن نقول: تعزيز الانطباع الذاتي عن النص، عبر إحكامه بأصول النقد العلمية، التي تقرّبه من الموضوعية والحياد الرصين.
6 – لغة النقد الأدبي ومقاصده كلها يجب أن تكون واضحة، مهما ارتقى مستوى المعنى الفكري والخيال الذي يعبر عنه. إذا كان النص الإبداعي معقداً وعالي المستوى، فكيف سيشرحه النص النقدي ويوضحه بلغة ومقصد معقدين أو غامضين؟
7 – لا يحق للناقد أن يسخر من النص الإبداعي أو من منشئه، وكل نص إبداعي يستحق النقد الأدبي مهما كان مستواه…
8 – يجب أن تؤسس شخصيةُ الناقد الأدبي على ثقافة عامة واسعة، وتحصيل لغوي وأدبي ونقدي تخصصيّ، ومزايا حيادية ومتزنة.
من المؤكد أن كثيراً من هذه النقاط مبثوث هنا وهناك، في كتب النقد الأدبي النظرية والتطبيقية، لكنها محاولة لجمع أهم تلك المحاور والأسس، وتقديمها -عبر معالجتها برؤية مركزة-في مقال محدد ومختصر؛ كي تكون منهاجاً لعملية النظر في فكرة النقد الأدبي وإجراءاته.
هادي رزاق الخزرجي
فردوس النقد الأدبي
التعليقات مغلقة