العرب والأكراد والشراكة المستحيلة !

اسماعيل زاير

أدخلت عملية الاستفتاء في إقليم كردستان العراق والتي جرت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي الحياة السياسية والاجتماعية للعراقيين بوجه عام والأكراد بوجه أخص في نفق مظلم لم تخرج منه حتى الآن. الرطانة السياسية التي سبقت ورافقت وتبعت تلك العملية تشبه عملية هذيان سياسي سوريالي أعرج، أكثر منه خطاباً واقعياً يمضي ويتقدم أو يتأخر على قدمين سليمتين. فهذا الخطاب لم يتصاحب مع تعبيرات اجتماعية متنامية التأثير بقدر ما كان خياراً انقسامياً فصيحاً ومن دون استفزاز أو تعسّف من المركز الاتحادي في بغداد العاصمة الفيدرالية للبلاد. وإذ يفتقد ذلك الخطاب مقومات التبرير العقلاني أمام الشركاء السياسيين في العاصمة، إلا أنه أثار بنحوٍ مماثل ردود فعل عنيف لدى العراقيين وزوبعة غضب وحيرة أفضت في نهاية المطاف الى نتائج خطيرة على الواقع الذي تعيشه حكومة إقليم كردستان.
ولا عجب أن أربيل، ولا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني، لم يفهم ما الذي جرى وأدى الى تغيير دراماتيكي في الخطاب السياسي لدى من كان يعتبرهم الحلفاء الموثوقين والثمينين للأكراد في العراق. ولم تشذ مواقف الإدارة الأميركية أو دول الاتحاد الأوروبي ولا الدول القريبة والحليفة المنتظرة للسيد مسعود بارزاني كتركيا والمملكة العربية السعودية عنها. فالعواصم الدولية لم تجمع على رفض شيء أو تحول سياسي كما أجمعت على رفض القرار الكردي سواء بإجراء الاستفتاء أم رفض النتائج المحتملة لما بعده.
أما فيما يتعلق بموقف الحزب الديمقراطي الكردستاني من إعلانات الحكومة المركزية في بغداد فلم يتجاوز الاستخفاف والاستهانة وكأنها مواقف لا وزن لها او تأثير على المسرح السياسي المحلي أو الدولي أو الإقليمي. فمع الزمن تراكمت التحذيرات التي أطلقها الدكتور حيدر العبادي عن الضرر الممكن حدوثه على العلاقات بين أربيل وبغداد ولكن مسعود بارزاني استمر في ممارسة خطاب الاستهانة الى درجة مهينة ببغداد. فعندما ضغط الرئيس معصوم على الجانبين قبل الاستفتاء على ضرورة اللقاء واستقبال وفد من الإقليم لبحث المشكلات العالقة أرسل له البارزاني وفداً يمثّل لجنة الاستفتاء المرفوض. كما واستمر في تجاهل العواقب التي تجسدت سلباً بمجملها ضد سياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني والتي عبّرت عن مواصلة الرفض الدولي والإقليمي لسياسة الاستفتاء بحيث بقي بارزاني لوحده مع دولة إسرائيل في وجه العالم كله.
اليوم ونحن على بعد أسابيع من تلك العاصفة نرى أن القناعة لدى بارزاني أوضح من السابق على خطل القناعة السابقة بحيث خرج بنفسه من معادلة القرار الحاسم في الإقليم الذي تعرض للانتقاد الشديد على انتزاعه رئاسة الإقليم من دون غطاء شرعي وفي ظل برلمان أعرج طرد منه معارضوه ونفاهم الى السليمانية وعاقب رئيس البرلمان على معارضته السياسية له وهو الرئيس المنتخب الذي يفترض أن يتولى منصب الرئيس بعد خلوه.
وبعد، فقد ورثت القيادات الكردية هدية مسمومة تتمثل في الاستفتاء وحكومة منقسمة تنهمر على أذيالها وحضنها تهم الفساد الرهيب وليس لديها إلا خيارات محدودة وقاسية وعسيرة في افضل الأوصاف. وحيث أن الحياة لا تتوقف عند أي عقبة أو رغبة هذا الحاكم أو ذاك فإن المعضلة التي يعيشها شعب كردستان لا تقل في عمقها وتعقيدها من المعضلة التي تواجهها النخب السياسية. وأصبح من الواضح ان مسعود سلّم متفجرة الاستفتاء لمن بعده من دون حل شاف لمصيرها.
وقصة الاستفتاء تأتي من مشورة لعقل غير كردي هو الأميركي بيتر غالبريث. فهو المنظر الاستراتيجي لسياسات بارزاني منذ عام 2003. وهو الذي اقترح أساساً فكرة الاستفتاء كما دوّنها في كتابه الخطير «نهاية العراق». وكان قد ارتبط غالبريث مع السيد مسرور بارزاني وتفاعلا في التفكير والممارسة بحيث تحولت أفكار غالبريث الى مشاريع تتبناها حكومة الحزب الديمقراطي الكرستاني. ولهذا فقد أقنع غالبريث السيد نيجير بارزاني بعملية الاستفتاء قبل ست سنوات أو حوّلها لتكون بروفة أولى لهذه العملية الخطيرة التي بناها على أساس ان العراق الموحد لن تقوم له قائمة وسينتهي الى التقسيم الى ثلاثة أقاليم شيعيةـ سنيةـ كردية. ولم تأخذ الأطراف السياسية تلك البروفة على محمل الجد، على عكس البروفة الأخيرة التي عصفت نتائجها بالصف الكردي قبل غيره.
إن الاختلافات في وجهات النظر والسياسات العربية العراقية عن نظيرتها الكردية ليست بنت اليوم ولكن المتنورين في البلاد رأوا أن نهوض برنامج سياسي لعراق ديمقراطي يتشارك فيه العرب والأكراد ممكن ومتاح بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. ولكن الذي حدث هو أن الأكراد كانوا هم من تخلوا عن زورق المشروع الديمقراطي واستندوا الى استنفاذ المكاسب العابرة الناجمة عن التحولات الاقتصادية والسياسية المفجعة في العراق. ومن هنا نجد أنه من الجيد أن يستعيد القارئ العراقي والعربي والكردي تفصيلات التحولات التي شهدتها المحاولات التأريخية لحل الإشكال مع بغداد. بما في ذلك التعريج على الاتفاقات التي عقدت بين الطرفين والمنطق الذي ساد فيها والسياسات التي تبناها الطرفان.
ولا بد من الإشارة الى أن النصوص المرفقة تتصل بأفكار ذلك الزمان ورجالاته وهم أغلبهم عسكريون انقلابيون أو فاشيون ماكرون كما في حال مفاوضي البعث . كما أن المناخ السياسي في تلك المراحل كان مناخاً مساعداً على الروح المغامرة كي تستأثر بحكم المنطقة واستعباد شعوبها من شتى القوميات والطوائف. هذا حتى لا ننسى دور إسرائيل في تعميق الخلافات وفي استغلالها من أجل إضعاف دول المنطقة، إذ كانت الحركة الكردية متورطه حتى النخاع، كما هي اليوم في العلاقة مع تل أبيب.
هنا لا بد من القول أن حلم الشراكة بين الشعبين العربي والكردي في العراق تعرّض لضربات مميته نتيجة طغيان المصالح الشخصية للأحزاب أو الشخصيات وانقيادها لروح مغامرة مميتة لم تبرز جروحها العميقة بعد.. ولكن من الممكن للشعب الكردي أن يكون ربما المتضرر الأكبر مما يحصل اليوم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. avatar
    reving tirhal
    ديسمبر 7, 2017 في 8:31 ص

    في الحقيقة تتحمل الحكومة المركزية القسط الاكبر في انجرار اقليم كوردستان نحو الاستفتاء الذي تلاعب نور المالكي بقوت ابنائه وقد استثمرت الاحزاب الكوردستانية ذلك خير استثمار لتجسيد التفرقة والظلم الذي يمارس بحقه وهكذا فقد تعاطف مع قرار الاستفتاء غالبية الشعب الكوردي الذي حوصر وحورب في عقر داره، قطع الاعناق ولا قطع الارزاق نعم نعم الاستفتاء كان جواباً على تلك المرحلة ولكن ما ال اليه الوضع كان نتيجة حتمية توقعتها القيادة الكوردية ..ولكن الحمد لله لم تمض القيادة الكوردية في الحرب والا لكانت الكارثة بعينها على الشعبين الكوردي والعربي.. الان نقول ما الحل لنقف عند ابجديات الحلول وليس التصعيد لان الحرب هي نهاية لكل ما هو جيد ومفيد..مع تحياتي لاسرة التحرير ..