أخفت اوجاع السنين المرتسمة على ملامح وجهها خلف نقاب حمل من غبار السنين ما يكفي لجعلها تتخذ من الصمت رفيقاً في رحلتها اليومية في عالم التسول.
حنين ذات العشرين ربيعاً تزوجت في سن الثالثة عشرة وكانت فرحة بفستان الزفاف وبأنها سوف تضع مستحضرات التجميل لأول مرة في حياتها، ولم تكن تتوقع انها الأخيرة.
تزوجت شاباً يكبرها بخمس سنوات كان يعمل حمالاً في علوة جميلة. كان الاثنان سعيدين برغم بساطة حياتهما والفقر والعوز الا ان إصابة زوجها في اثناء العمل بتفريغ الحمولات وسقوط أحد الأجهزة الكهربائية عليه تسبب في اصابته بالشلل بأطرافه السفلى وترتب عليه عجزه التام عن العمل وابقائه مقعداً في البيت.
لم يكن لديهما من الاهل والاقارب الذين يتمكنون من مساعدتهما في العيش، ازداد الوضع صعوبة عليهما باعا كل ما يملكان لتوفير ثمن العلاج ومتطلبات الحياة، سيما وان لديهما طفلين.
ازداد همهما ومعاناتهما، اذ لم يستطيعا توفير ما يسد رمقهما فلا حليب ولا طعام ولا علاج للأطفال، مما دفع حنين الى ان تفكر بالعمل طرقت جميع الأبواب الا انها لم توفق بإيجاد عمل كونها لا تمتلك المؤهلات او الخبرة او حتى موهبة في أي مجال.
اغلقت كل الأبواب ومنافذ النجاة من الفقر وقفت حائرة بين ان تظل صامتة واحبابها يهلكون من حولها او ان تتسول وكان الأخير هو خيارها مضت ثلاث سنوات وحنين تلعب دور المعيل ووضع زوجها يزداد سوءاً مما يتطلب جهداً مضاعفاً منها.
تخرج قبل بزوغ الشمس حتى لا يراها جيرانها وتعود بعد غروبها وهي منهكة لتقوم بمهماتها الأخرى وهي تمريض زوجها ومراعاة اطفالها.
لا يمكن ان تمر من تقاطع او شارع من دون ان تلاحظ نساءً يتخذن من التسول مهنة بعد ان ضاقت بهن السبل وتقطعت أسباب العيش الكريم.
نساء كان الشارع هو ملاذهن الوحيد في ظل الفقر والعوز الذي طغى على حياتهن من دون سابق انذار بعد غياب المعيل او حتى في حال وجوده لكون العديد من النسوة هن واطفالهن وازواجهن وجدن التسول مصدر للعيش.
زينب الحسني
سنوات حنين
التعليقات مغلقة