مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 28
جاسم محمد

الاخوان تتبنى الفكر “الجهادي ” من اوروبا
وفي مقال نشرته “نيويورك “ريفيو اوف بوكس” عام 2011 ذهب الصحفي الكندي “ايان جونسون” الى وصف العلاقة بين الاخوان واميركا بانها اكثر من حميمية، وكشف صاحب كتاب ”مسجد في ميونيخ 2010″، الذي يعرض نشاط الاخوان في اوروبا ودورهم فى تجنيد عناصر تبنت فيما بعد الفكر الجهادى، ان ما بين الاخوان والمخابرات الغربية والاميركية تراضياً حقيقياً، يرجع الى الخمسينيات من القرن الماضي، وهو تراض صامت، تم بمقتضاه الاتفاق على معاداة الشيوعية، وتهدئة اي توترات للمسلمين في اوروبا. اكد جونسون في مقاله اطلاعه على احد الكتب للرئيس الاميركي الاسبق “ايزنهاور” يروي فيه تفاصل اجتماع حضره سعيد رمضان مندوب الاخوان المسلمين، وصهر مؤسس ومرشد الجماعة حسن البنا وهو والد طارق رمضان الذي يحمل الجنسية السويسرية، مشيرا الى ان الـ”سي اي ايه” دعمت سعيد رمضان بنحو علني، وكانت تعدّه عميلا للولايات المتحدة، وساعدته بالتالي في الخمسينيات والستينيات في الاستيلاء على ارض مسجد ميونيخ.

الاخوان في بريطانيا
يمارس عدد من القيادات الاخوانية الهاربة انشطتها في بريطانيا من خلال عدد من الواجهات التجارية تحت مسميات مؤسسات خيرية ومالية تستثمر اموالها في قطاعات مختلفة. وقرر رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون في ابريل 2014 بإجراء تحقيق حول انشطة جماعة الاخوان المسلمين المصرية، وسط مخاوف من انها تخطط للقيام بأنشطة متطرفة بالمملكة المتحدة. وذكر تقرير لصحيفة الغارديان في تقرير لكبير مراسليها السياسيين “نيكولاس وات” ان جهاز الامن الداخلي البريطاني “ام اي 5″سيعكف هو الاخر على وضع لائحة بأسماء قادة الاخوان المسلمين، الذين انتقلوا للإقامة في بريطانيا عقب ثورة 30 يونيو 2013.
ونشرت صحيفة “الديلي ميل البريطانية” في اعقاب ذلك تقريرا، قالت فيه ان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، يواجه موقفاً حرجاً بسبب العلاقة الوثيقة التي تربط بين احد مستشاري الحكومة للشئون الدينية وجماعة الاخوان المسلمين الموضوعة حالياً قيد التحقيق وتضيف الصحيفة ”المستشار المعني بالأمر هو طارق رمضان حفيد مؤسس الجماعة حسن البنا وابن احد القيادات الهامة للجماعة سعيد رمضان. ويحمل رمضان البالغ من العمر 51 عاماً الجنسية السويسرية، وكان ممنوعا عليه لسنوات طويلة السفر للولايات المتحدة بتهمة مساندة جماعة ارهابية ولم يرفع الحظر على دخوله الا بعد جلسات قضائية. وكان رمضان قد فقد عمله في جامعتين هولنديتين بعد ان قدم برنامجا على قناة تلفزيونية تمولها ايران، وبعد ان رفض الاعلان صراحة عن معارضته لعقوبة الرجم.

الجماعة تنشط في الخارج
كان الاخوان يراهنون منذ البداية على الدعم الخارجي اي الدعم السياسي والاعلامي والمادي ،هذا يعود الى جسور الاخوان في الولايات المتحدة واوروبا والعالم. التدخل الاميركي والاتحاد الاوروبي بنحو مباشر كشف الكثير من هذه العلاقات التي تعود الى الفترة ما قبل تسلمهم السلطة. وكان اصرار الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على انقاذ قيادات التنظيم يرجع الى محاولتهم بعدم كشف الحقائق التي كشفت عنها التحقيقات القضائية.
ان الملاحقات الى قيادة الاخوان في مصر، بدون شك دفعت الى الاعتماد على التنظيم الدولي في الخارج، اضافة الى العمل السري، الذي تحول الى نشاط خلايا مسلحة تقوم بأعمال قتل وتفجير بين المدنيين. وتعدّ لندن مركز الجماعة الاعلامي اضافة الى مركز نشاط للتنظيم . الحركات الاسلاموية دائماً تضع تنظيم ظل لإدارة التنظيم عند الازمات. فاحتفظت على سبيل المثال ب منير ابراهيم في لندن، المتحدث باسم الجماعة في لندن وجمعة امين وكذلك زهير سالم، مركز الشرق للدراسات في لندن، وفي المانيا احتفظت ب ابراهيم الزيات، مسؤول اللجنة المالية للتنظيم وكذلك مصطفى الطحان والعراقي سعد الراوي وغيرهم من القيادات في الخارج.
ان لندن، هي موطن للإخوان خارج مصر، وكان بها المكتب الرئيسي لموقع الاخوان باللغة الانجليزية الذى انطلق عام 2005 كوجه التنظيم الصديق للغرب وكان اول تواجد للجماعة الاسلامية في لندن يعود الى الخمسينيات واعقبتها موجة في التسعينيات عندما فتحت مركز المعلومات العالمي التي سعت من خلاله الى نقل “رسالة” الجماعة الى وسائل الاعلام العالمية.
يعدّ تنظيم الاخوان تنظيماً هرمياً، وهذا يعني ان قيادات التنظيم مطلعة على خارطة التنظيم بالأسماء والعناوين والاتصالات، وبما ان التنظيم مر سابقاً بعدد من الانتكاسات والمواجهات المسلحة خلال اكثر من ثمان عقود، فيعني ان الجماعة باستطاعتها اعادة الاتصال بأنصارها واخوانها في الخارج والداخل.
وما يشجع ذلك هو وجود الامانة العامة في الخارج والمسؤول المالي ايضا. فهو تنظيم وشبكة دولية وليس تنظيما محليا. وخلال حكم المعزول كشفت وثيقة رسمية عن ارتفاع نفقات السفر للجماعة للخارج لتصل الى 431.2 مليون دولار وبلغت قيمتها 3 مليارات جنيه خلال العام وتأكلت اصول البنك المركزي من فائض 28 مليون دولار لتصل الى سالب 9.8 مليون دولار.
الحقائق كشفت الكثير من تورط الاخوان في عمليات عنف وارهاب داخل وخارج مصر، وهذا يعزز من خطوات الحكومة التي اتخذتها بعزل وحظر الجماعة وفق قرار قضائي. وكذلك تعزز الخطوة البريطانية والكندية بالتحقق بأنشطة الجماعة وممكن ان تلتحق بها دول اخرى. الجماعة تنشط بالتنسيق مع الجماعات “السلفية الجهادية” في المانيا، لنشر الفكر المتطرف، تحت اسماء منظمات ومساجد وجمع الاموال.

“جهاد” العائلات من كازاخستان الى سوريا !
آسيا الوسطى وهجرة “الجهاد” عند “الدولة الاسلامية”
اعلنت لجنة الامن القومي في كازاخستان يوم 20 نوفمبر 2014 عن وجود اكثر من 300 شخص من مواطنيها يقاتلون الى جانب تنظيم “داعش” في العراق وسوريا،.وقالت اللجنة في بيان صحفي ان: اكثر من 300 كازاخستانيا يقاتلون الى جانب تنظيم داعش في العراق وسوريا، وان نصف عدد المقاتلين الكازاخستانيين الذين يحاربون الى جانب داعش الإرهابي هم من النساء. ان استقطاب تنظيم “الدولة الاسلامية” الى مقاتلين من اسيا الوسطى ابرزها الشيشان ـ القوقاز وكازاخستان، يأتي ضمن تواصل هذه الجماعات فيما بينها أي تواصل “التنظيمات الجهادية” بشتى انواعها ودرجاتها، لكنها بالأخر تلتقي تحت مظلة السلفية” الجهادية” واتحاد “الجهاد” العالمي التي تقوم على تحويل الفكر” السلفي” الى الية تنظيمية لمقاتلة من يخالفها. لذا شهدت سوريا اكثر من غيرها ولو بنحو متأخر عن مشاركة بعض الجماعات “الجهادية” ولو بنحو رمزي داخل سوريا والان في العراق ضمن تنظيم “الدولة الاسلامية” والنصرة والقاعدة. واظهرت التقارير عن مشاركات رمزية على مستوى كتائب على سبيل المثال من طالبان و جماعة خراسان وغيرها. اما مشاركة القوقازين ـ الشيشان، فيأتي ضمن مناصرة هذه الجماعات بعضها لبعض، فجماعة القوقاز تتطلع الى حصولها على دعم التنظيمات “الجهادية” في منطقة الشرق الاوسط ابرزها الان تنظيم “الدولة الاسلامية” من اجل دعم مواجهتها ضد خصومها ـ روسيا وكسر عزلتها. عرفت اسيا الوسطى ومنها القوقاز بمجموعة النساء الارامل التي اشتهرن بتنفيذ عمليات انتحارية في روسيا، وربما هذا ينعكس ايضا على نساء كازاخستان.
ومتابعة الى اسباب تركيز التنظيم على النساء، تبين بسبب تأثيرهن الاعلامي في كسب المقاتلين والمقاتلات، بعد ان كشفت الاستخبارات عن وجود شبكة نساء سلفيات على الشبكة العنكبوتية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنيت. التحقيقات كشفت بان التحاق النساء تحديدا بالتنظيم في سوريا وربما العراق، لأسباب لا تتعلق بالدين، بقدر ما يتعلق ارتباط البعض منهن بشباب من مقاتلي التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الانترنيت. ان استقطاب التنظيم لعائلات وافراد من اطراف العالم الى سوريا، بات يمثل هدفاً للتنظيم، ولم يكن نتيجة عرضية، وهذا تغيير نوعي في اهداف ووسائل الجماعات “الجهادية” فهي تعمل على احداث تغيير بعيد جغرافياً وديموغرافياً وخرق للنسيج الاجتماعي واصوله أي تهجين المنطقة، وتصنيفها على اساس الدين والمذهب، لتكون على غرار بعض دول المنطقة.

كازاخستان
وفقاً الى معلومات موسوعية، تقع دولة كازاخستان معظمها في اسيا الوسطى بينما يقع قسم منها غرب نهر الاورال في اوروبا الشرقية من ناحية المساحة، كازاخستان هي تاسع اكبر بلد مساحة في العالم واكبر بلد لا يجاور المحيطات كما انه اكبر بلد اسلامي مساحة. تبلغ مساحة اراضيه 2،727،300 كيلومتر مربع مما يجعله اكبر من مساحة اوروبا الغربية مجتمعة. يحده روسيا والصين وقيرغيزستان واوزبكستان وتركمانستان له شواطئ طويله على بحر قزوين تتكون طبيعته من تضاريس متنوعة وعدد سكانه 17 مليون شخص بتقدير عام 2013. وفقاً لتعداد 2009، فان 70٪ من السكان هم من المسلمين، و26٪ من المسيحيين، و0.1٪ منبوذين، والبقية 0.5 ٪ متفرقة. ووفقاً للدستور فان كازاخستان دولة علمانية.
روجت مواقع التواصل “الجهادية” عام 2013 فيديو دعائي “للدولة الاسلامية” بعنوان ملحمي “رسائل من ارض الملاحم” في ضيافة عائلة مهاجرة” يظهر فيها جهاد العائلات، الفيديو في حينها كشف نوع جديد من الهجرة “الجهادية” وهو “العائلات” التي تضم في الغالب ثلاث اجيال مختلفة.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة