تعظيم الموارد الوطنية !

يطول الحديث عن امكانات العراق الاقتصادية وثرواته الوطنية التي عرفت بها بلاد مابين النهرين ويكفي ان نذكر ان ميزانية الدولة العراقية الحديثة ابان الثلاثينيات والأربعينيات كانت تعتمد اعتمادا كليا على المنتج الزراعي والحرف اليدوية وقد يستغرب كثيرون ان ميزانية الدولة حتى مطلع عقد الخمسينيات تعتمد تماما على الزراعة والتجارة والضريبة وبعض الصناعات ولم يتم توظيف الواردات النفطية في ميزانية الدولة العراقية.
إلا في عقد الخمسينيات هذا واذا تتبعنا المسار الاقتصادي للعراق منذ تخلصه من الاحتلال العثماني وحتى استقلاله واشغاله عضويته في الامم المتحدة كدولة مستقلة فاننا سنجد ان هذا البلد وهذه الدولة استطاعت بجهود منظومة من الادارة الحكومية ان تعزز نجاحها في الاربعينيات والخمسينيات وتمكنت من انتشال العراقيين من الفقر والاهمال والسير فيه نحو مصاف الدول المتطورة ومن المهم جدا الاشارة الى سعي الحكومات العراقية المتعاقبة الى عدم اهمال الواردات المحلية المتمثلة بالانتاج الزراعي ودعم الزراعة في العراق وعدم التفريط بالانتاج الصناعي المتواضع الذي كان يسد حاجات كثيرة من السكان مما اتاح توظيف الموارد النفطية المتنامية في موازنات الدولة العراقية ولربما كان مجلس الاعمار الذي شرعع قانونه المجلس النيابي بمقترح من الوزارة التي كان يرأسها توفيق السويدي وتمت المباشرة بأعماله في سنة 1952-1953- 1950 .
وكانت ثمراته أنجاز عشرات المشاريع الكبرى حتى صار مجلس الإعمار المذكور مضرب الأمثال في الجد والتنظيم وانجازاته التي كانت أكبر قفزة عمرانية تتحقق في بلدان الشرق الأوسط في حينها ونص قانون المجلس على تخصيص إيرادات النفط كلها لمشاريع الإعمار باعتبار ان عائدات الدولة من الزراعة والتجارة والضرائب وغيرها كانت تكفي لتغطية الميزانية العامة للدولة .
وخلال دورتين من عمره حقق المجلس مشاريع غاية في الاهمية شملت مشاريع الري والسدود والجسور والمستشفيات والمصانع ومشاريع الاسكان وغيرها . وقد خطط المجلس لمشاريع كثيرة لم يتمكن من تنفيذها لقصر عمره , لكنها نفذت بعد الغائه بعشرات السنين وبقيت هذه الانجازات ماثلة للعيان يطالع شخوصها كل عراقي وهو يتجول في العاصمة بغداد او في بعض المحافظات العراقية ومنذ هذه القفزة العمرانية والاقتصادية التي انتهت الى يتبوأ العراق مراكز متقدمة بين الامم في الستينيات والسبعينيات في مجالات العمران والصحة والتربية اطاحت الحروب فيما تلا من تاريخ الدولة العراقية بهذه الانجازات وتراجعت مقاييس التطور والانماء وبات على الحكومات العراقية التي تولت مقاليد الامور منذ 2003 العودة بهذه البلاد الى مسارات النجاح وسكة الاعمار بما يمكن العراقيين من استعادة دورهم والاطمئنان لمستقبلهم وقد آن الآوان لتوديع حقب الخراب والحروب والصراعات والتأسيس لادارة تنمية اقتصادية تعتمد تعظيم الموارد الداخلية والثروات والطاقات البشرية في سبيل انتشال العراق من التراجع الكبير في مفاصل الانتاج بشتى عناوينه وعدم الركون الى النفط بوصفه المخلص الوحيد لازمات الاقتصاد المتتالية التي اصابت العراق بالشلل وقيدت من حركة النشاط الزراعي والصناعي في الداخل .
د.علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة