محمد عواد
اكتنف المكان الظلام، وأخذ ازيز الحشرات يتعالى كصوت موسيقى مرتبكة غير منوّطة، نباح ونقيق الكلاب والضفادع طوق البيت المهجور، بشيء من الضجة لتكسر وحشة المكان.
كفه المرتجفة أخذت تمسح بقايا الدم والتراب الذي جف على سمرة وجهه المتعب، ما زال نزيف الدم لم ينقطع من قدمه المكسورة، يسيل ببطء غريب.
أسند ظهره الى بندقيته الخالية احشائها من الرصاص، لم يذق الماء والطعام منذ يومين، يبدو ان الزمن على عجل من الرحيل، هكذا قالها وهو يعيد ربط قدمه بقطعة قماش انتزعها من قميصه الخاكي.
اخذت عيناه تنزان الدمع وتنتظر القادم من الساعات الموحشة، لا يعرف لماذا مرت جنازة طفله الذي انتزعه من رحم الانتظار المر أمام أحلامه الضائعة، برغم صمت السنين الطويل، مازالت تحوم في ذاكرته وجوههم .. أصواتهم، احزانهم، افراحهم، يراهم يبكون عليه بغير دموع ، بكاء أشبه بالعويل.
آه من عمري انفرطت حباته كمسبحة والدي المقعد، ولم يمهله الزمن بنظمها ثانية، بدت الريح تحمل روائحهم العفنة المزدحمة بالقتل، أجبر جفنيه على الانطباق، غط بنوم عميق افتقده منذ أمد بعيد ..أحس بركلاتهم وهي تطبع على جسده المترب.
قبل أن يقتادوه، تأمل المكان بشيء من الرهبة، أخذ يتمتم بعبارة كانت آخر ما نطق لسانه.. (هل سيكون لي قبر)؟!.