( 2 ـ 2 )
ديفيد ماكوفسكي
السيناريو 3. لا تقدم ولا انهيار [في المفاوضات]. اقترح الوزير السابق في «السلطة الفلسطينية» غسان الخطيب الحفاظ على ما يشبه المنطقة الرمادية بين «فتح» و«حماس». فبرأيه، «لن تمنح «حماس» حركة «فتح» دوراً في حكم غزة من دون أن يُسمح لها أولاً بالانضمام إلى القيادة السياسية لـ»منظمة التحرير الفلسطينية»، [و] لن تسمح «فتح» لحركة «حماس» بالانضمام إلى المنظمة ما لم تقبل ببرنامجها السياسي إلى جانب التزاماتها السياسية والأمنية».
غير أن هذا السيناريو الثالث يقر بتدخل قوى خارجية، وبأن قرار المصالحة في غزة لا يعود لعباس أو لحركة «حماس» فقط. وبالتالي، حتى إذا لم يرغب الطرفان بحدّ ذاتهما في تحقيق انفراجة، قد تعتبر الأطراف الفاعلة الخارجية أن انهياراً آخر يحمّل مصالحها الخاصة تكاليف باهظة من الناحية السياسية. ومن بين تلك الأطراف الفاعلة نذكر مصر، القوة المحركة وراء المحادثات الحالية التي يساهم دورها في جعل هذه الجولة من المفاوضات مختلفة عن سابقاتها. وتبدو مصالح القاهرة الذاتية واضحة – فهي تريد رسم حدود سياسية بين «حماس» في غزة وإرهابيي تنظيم «الدولة الإسلامية» في صحراء سيناء المحاذية حيث تكبّد الجيش المصري خسائر جسيمة في الأرواح.
وبالطبع، فإن لإسرائيل حصتها الخاصة أيضاً في المحادثات. فقد أعلن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً رفضه لأي حكومة تجمع عباس وحركة «حماس»، وهو أمر كرره رئيس الوزراء عدة مرات في الماضي. غير أنه في الوقت نفسه، تريد مؤسسة الدفاع الإسرائيلية تجنب أي حرب أخرى مع غزة (علماً بأن ثلاث حروب اندلعت منذ كانون الأول/ديسمبر 2008 وحده). واستناداً إلى هذه الحجة، أشار بعض مسؤولي الدفاع إلى الرابط بين المعاناة الإنسانية في غزة ووضعها السياسي/الأمني.
على سبيل المثال، شمل العدد الأخير لمجلة «بمحانيه» التابعة لـ»جيش الدفاع الإسرائيلي» مقالاً كتبه منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، اللواء يوآف مردخاي، ومستشاره للشؤون الفلسطينية العقيد ميخائيل ميلشتاين. وقد جاء فيه أن الحرب الأخيرة في غزة «عزّزت فهم إسرائيل و«حماس» للعقدة المستعصية القائمة بين الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المدنيون في غزة والواقع الأمني». وقد أوضحا أن على الجميع أن يضعوا في اعتبارهم الاحتياجات الاقتصادية للقطاع، مع تجنب التدابير التي تقوّي «حماس» عسكرياً. ووفقاً للأمم المتحدة، أدت البطالة المنتشرة ونقص المياه النظيفة والوقود والخدمات العامة إلى ظروف معيشية مزرية في غزة.
ولا يستبعد خبراء إسرائيليون بعض التدابير التي قد تتمخض عن المصالحة الفلسطينية، مثل التفاهمات بشأن تطبيق «السلطة الفلسطينية» للشرطة المدنية في غزة، ووقف تخفيضات ميزانية «السلطة الفلسطينية»، وسيطرة «السلطة الفلسطينية» على المعابر الحدودية. وإذا أُخذت هذه التدابير مجتمعة، فإنها ستبدو تدريجية، لكنها قد تساهم في تحسين الظروف الراهنة. وعلى أية حال، قد يكون لأي بيان أمريكي مرة أخرى صلة هامشية مع هذا السيناريو، لأنه لن يكون هناك تغيير في حكومة «السلطة الفلسطينية» القائمة.
الخاتمة: واشنطن تنتظر
من المرجح أن تنتظر الولايات المتحدة لترى أياً من السيناريوهات المذكورة أعلاه سيتبلور. وسيكون تكرار «مبادئ اللجنة الرباعية» مفيداً إذا ما اتجه الطرفان في الواقع نحو مصالحة تامة، حيث يشكّل طريقة فعالة لتحذيرهما بشأن أي من المبادرات يمكن أن تدعمها واشنطن. لكن في إطار كل من السيناريوهات الأكثر محدودية (وربما الواقعية) المذكورة أعلاه، لن يكون أي بيان أمريكي حاسماً أو حتى ذا صلة.
وبناء على ذلك، قد تختلف مقاييس الولايات المتحدة لتحديد مدى نجاح المحادثات. فقد وضع الطرفان جدولاً زمنياً طموحاً نوعاً ما لتطبيق اتفاق المصالحة بوساطة مصرية خلال الأشهر القليلة القادمة. فهل سيتقيدان بهذا الجدول الزمني؟ وهل ستغيّر «حماس» وضعها العسكري خلال هذه الفترة؟ ولا شك أن واشنطن ستتشاور مع مصر وإسرائيل بشأن هذه المسألة الأخيرة. فالمسؤولون الإسرائيليون يقرون أن «حماس» لم تطلق طلقة واحدة تجاه بلدهم منذ حرب عام 2014، لكن الحركة قامت بحفر المزيد من الأنفاق، وحافظت على مصانع القنابل، وبقيت مصرة على رفض حق إسرائيل في الوجود.
وعلى نطاق أوسع، تشير هذه الاعتبارات إلى أن الولايات المتحدة لن تقدّم أي خطط للسلام أو تنخرط في وساطة دبلوماسية عالية المخاطر في الشرق الأوسط إلى حين اتضاح الوضع في غزة. فزيارات المبعوث الأمريكي إلى القدس ورام الله هذا العام لم تُظهر أي تقدم ملموس علناً. وقبل محادثات القاهرة، بدا أن الرئيس ترامب يحذر عباس في الأمم المتحدة خلال أيلول/سبتمبر من أن إدارته لا تملك رؤية مطلقة للدبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، لم يتطرق ترامب إلى القضية الإسرائيلية-الفلسطينية خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبغض النظر عن أهمية هذه اللفتات بالنسبة إلى إحلال السلام على المدى الطويل، أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن محادثات القاهرة سوف تُبقي أي مساعي تبذلها الولايات المتحدة على نار هادئة في الوقت الحالي.
* ديفيد ماكوفسكي هو زميل «زيغلر» المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.