لم يكن العراق في تاريخه المجيد بلداً هامشياً او رقماً بسيطاً في منظومة الامم وعلى الدوام كان حراك العراقيين حراكا مؤثرا اسهم الى حد كبير في صنع الحضارات ولربما كان الموقع الجغرافي للعراق الدور المؤثر في فرض حضوره والمساهمة في مجمل القرارات التي كانت ترسم معالم الشرق الاوسط وحتى وقت قريب كانت بغداد محورا مركزيا تجتمع عنده الدول الكبرى والدول الاقليمية في الاحداث المصيرية بمحيط هذه المنطقة الحيوية من العالم وهكذا اجتمع الغرب والشرق في حلف بغداد عام 1955 وجلست تركيا مع ايران واميركا وبريطانيا وباكستان للتداول في اتخاذ المواقف في قضايا استراتيجية تتعلق بمستقبل الصراع العربي – الاسرائيلي والحرب بين الهند وباكستان وبرغم ان هذه الحقبة كانت تسمى بحقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الاميركي والسوفيتي الا ان الدور السياسي والمبادرات التي تبناها رئيس الوزراء العراقي انذاك نوري السعيد مكنت العراق من اداء دور سياسي ريادي واعقب ذلك دور محوري آخر تمثل بسياسة التوازن الاستراتيجي التي اتبعها الزعيم عبد الكريم قاسم واصراره على ابعاد العراق من دائرة الاستقطاب بين الدول الكبرى والوقوف في منطقة الحياد الايجابي تجاه القضايا العربية والدولية التي تتطلب موقفا واضحا من دول المنطقة ومع مجيء نظام البعث ونزوعه نحو امتلاك القوة العسكرية ومحاولاته الظهوربالدولة كدولة مواجهة بقي العراق رقما صعبا ومهابا مدعوما بموارد اقتصادية هائلة وانفتاح اقليمي وتنافس دولي من اجل ربطه بالتحالفات الدولية وكان الدور العراقي موازيا للدور المصري في اخذ زمام المبادرة للتعامل مع الاحداث المصيرية التي تتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي الا ان انغماس نظام صدام في سياسة الاضطهاد والديكتاتورية تجاه الشعب العراقي وتهوره في اعلان الحرب على ايران واحتلال الكويت اطاح بمقدرات البلاد وافقدها قدرتها ومكانتها المعهودة عبر التاريخ واسهمت السياسات الرعناء في ابعاد العراق من محيطه العربي والاسلامي لتنتهي به الامور الى التراجع الكبير ومحاصرته اقتصاديا وسياسيا على مدى عقد من الزمن واسهم هذا الوضع المتردي في بروز دول اخرى للاستحواذ على القرارات المؤثرة وتبني دور الريادة لتحل محل العراق في هذا المضمار ..ومنذ سقوط النظام السابق جرت عدة محاولات لاستعادة مكانة العراق المعهودة بين الامم الا انها اصطدمت بجدران ومخططات دول شعرت بخطر التجربة العراقية الجديدة وارادت الابقاء على مصالحها امام رغبة العراقيين في استعادة دورهم وهكذا انشغل النظام السياسي الجديد بمواجهة هذه المخططات ومحاولة ترتيب البيت الداخلي وترميم الجسد العراقي المثخن بالجراح ..اليوم تتناقل وسائل الاعلام العربية والدولية ومضات من النجاح الذي حققه السيد حيدر العبادي وحكومته الذي خرج للتو من معركة الارهاب منتصرا بجيش العراق وقوّاته الامنية وحشده الشعبي ومن خلال ماتحقق في زيارته الى السعودية ودول عربية اخرى والانفتاح الكبير مع دول العالم واتباع سياسة متوازنه بين الاضداد المجاورة ..العبادي اليوم بشهادة الحاقد والمحب تمكن من اختراق المصدات واجتياز الموانع ونجح في اغلاق المنافذ امام مريدي الانفصال والتقسيم ..وهاهو العراق يفرض حضوره وهيبته من جديد ..عينه على المستقبل يستلهم من هذا التاريخ الطويل الصفحات المضيئة التي طرزت اسم هذه البلاد في موسوعة الحضارات بين الامم .
((الحكمة في هذه الحياة ليست في التعثر، إنما في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها.))
نيلسون مانديلا
د.علي شمخي