هل فُتح الباب أمام المتطرفين في جنوب شرق آسيا؟

جاي سولومون

برزت حملة القمع العسكرية التي تشنّها حكومة ميانمار ضد أقلية الروهينغا المسلمة بمعظمها، كمعضلة سياسية كبيرة أمام إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في ظل سعيها لتهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط وإشراك المجتمعات الإسلامية المنتشرة في العالم. ومنذ مطلع هذا العام، أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية مساعدات ناهزت قيمتها 100 مليون دولار إلى الروهينغا في محاولة لوضع حدّ لما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه تطهير عرقي تنفّذه قوات ميانمار. لكن إدارة ترامب توازن بين كلماتها القاسية وآمالها في دعم القادة المدنيين في ميانمار وعلى رأسهم أونغ سان سو تشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام.
وكان من الصعب تحقيق التوازن الدبلوماسي. ففي هذا الإطار، صرحت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي أمام مجلس الأمن الدولي في 28 أيلول/سبتمبر قائلةً «لا يمكننا أن نخشى وصف أفعال السلطات البورمية التي يبدو أنها حملة وحشية مستدامة لتطهير البلاد من أقلية عرقية».
الإسلاميون يتبنون قضية الروهينغا
في 30 أيلول/سبتمبر، أعلنت جماعة مسلحة مصرية مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» مسؤوليتها عن تفجير صغير استهدف سفارة ميانمار في القاهرة، في إشارة إلى الكيفية التي يجذب بموجبها الصراع الآسيوي المسلحين في الشرق الأوسط. فقد سعى زعماء المنظمات الإرهابية العالمية، بما فيها تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية»، إلى حشد مؤيديهم لدعم حملة أوسع بكثير ضد حكومة ميانمار وجيشها، اللذين تتهمهما الولايات المتحدة والأمم المتحدة بارتكاب تطهير عرقي ضد الروهينغا. ومن جهتهم، وصف قادة تركيا وإيران وقطر الأزمة في ميانمار على أنها اعتداء على الإسلام.
وقد اعتبرت هذه الجماعات الإرهابية ميانمار، التي كانت تُعرف سابقاً باسم بورما، ساحة المعركة الكبرى التالية للإسلاميين في جميع أنحاء العالم، في أعقاب الحروب في سوريا والعراق. فجيش ميانمار المؤلف بمعظمه من أتباع الديانة البوذية، مُتهم باضطهاد الروهينغا في محاولة لخفض عدد السكان المسلمين في البلاد. ويعيش معظم الروهينغا في ولاية راخين التي تقع على حدود ميانمار مع بنغلاديش ذات الأغلبية المسلمة. وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 500 ألف شخص من الروهينغا قد فروا إلى بنغلاديش خلال الشهر الماضي هرباً من أعمال العنف.
وفي بيان لها خلال أيلول/سبتمبر، قالت القيادة العليا لتنظيم «القاعدة»: «ندعو كافة المجاهدين الإخوان في بنغلاديش والهند وباكستان والفلبين إلى التوجه إلى بورما لمساعدة إخواننا المسلمين، والقيام بالاستعدادات الضرورية – من تدريب وما شابه ذلك – لمقاومة القمع والاضطهاد». وفي بيان منفصل، ذكر مجلس شورى تنظيم «القاعدة» أن «البوذيين احتلوا [راخين] التي انتشر منها الإسلام إلى بورما قبل أكثر من مائتي عام، وغيّروا اسمها إلى ميانمار، ثم أساؤوا إلى شعبها المسلم وعذبوه».

معضلة السياسة الأميركية
ظهرت قضية ميانمار كمعضلة سياسية خطيرة بالنسبة لإدارة ترامب، التي واجهت دوامة من الأزمات على صعيد السياسة الخارجية منذ توليها السلطة في كانون الثاني/يناير ها العام. وفي الأسبوع الماضي دعت السفيرة هيلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى جيش ميانمار وألمحت إلى أنه بإمكان الولايات المتحدة وأوروبا فرض عقوبات اقتصادية جديدة على البلاد. كما دعا العديد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا سيما السعودية وتركيا، إلى وقف جميع المساعدات المالية إلى حكومة ميانمار. وبالفعل، شكلت تعليقات هيلي انعطافاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه ميانمار عن إدارة أوباما. فقد خفض الرئيس باراك أوباما العقوبات على ميانمار في محاولة لتطبيع العلاقات ودعم الانتقال إلى حكم مدني في ظل عهد سو تشي الحائزة على جائزة نوبل.
وكان مسؤولون في إدارة ترامب قد قالوا إنهم يسعون إلى دعم الديمقراطية في ميانمار وبناء البلاد لتصبح ثقلاً موازناً محتملاً لقوة الصين المتنامية في جنوب شرق آسيا. لكنهم أشاروا إلى أنه على ميانمار اتخاذ خطوات سريعة لتخفيف حدة الصراع في راخين، حيث يخشون أنه قد ينتقل إلى بنغلاديش. كما ذكر المسؤولون الأمريكيون أنهم يدركون بأنه من المحتمل أن يجذب الصراع جهاديين من الشرق الأوسط والشيشان وجنوب شرق آسيا، مما قد يزيد من زعزعة الاستقرار في ميانمار وبنغلاديش.
وقد نشبت الأزمة الحالية عندما قام جيش ميانمار في أواخر آب/أغسطس بتصعيد عملياته في راخين بعدما أقدمت منظمة إرهابية تُدعى «جيش إنقاذ روهينغا أراكان» على مهاجمة عدة مراكز للشرطة في الولاية. وقد وصفت حكومة ميانمار حملتها بأنها ليست سوى عملية لمكافحة الإرهاب، وهو ادعاء لم تقبله إدارة ترامب. كما دعت هيلي بدورها إلى وقف العمليات العسكرية في راخين وفتح الولاية أمام فرق المساعدة الدولية.
أردوغان.. روحاني في افتعال الشجار
استغل زعماء الشرق الأوسط، ولا سيما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أزمة ميانمار باعتبارها دليلاً على عجز الغرب والأمم المتحدة عن الدفاع عن المسلمين في جميع أنحاء العالم. وقد أرسل الرئيس التركي زوجته، أمينة، ووزير خارجيته مولود تشاويش أوغلو، إلى بنغلاديش في أيلول/سبتمبر المنصرم لزيارة لاجئي الروهينغا وتوزيع المساعدات الإنسانية عليهم. وقد حشد أردوغان أيضاً الدول الأعضاء في «منظمة التعاون الإسلامي» للحصول على دعمها للروهينغا.
كما حشد الرئيس الإيراني حسن روحاني الدعم للروهينغا بعد ضغوط من جماعات إسلامية وطلابية متشددة لاتخاذ موقف أكثر صرامة في هذه القضية. وكانت إحدى الكتل السياسية النافذة في طهران، «الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية» – التي تحدت روحاني خلال الانتخابات الرئاسية هذا العام – قد قالت إنه يجب تجريد سو تشي، الزعيمة المدنية لميانمار، من جائزة نوبل للسلام بسبب عجزها عن وقف أعمال العنف في راخين. وأشارت «الجبهة» في رسالة مفتوحة في أيلول/سبتمبر إلى أن «النقطة الأساسية حول القتل الوحشي للمسلمين في ميانمار تتمثل بأن هذه الجرائم تحصل في بلد يخضع نظامه السياسي لرئاسة شخص حائز على جائزة نوبل للسلام».

التوقعات
تستعد حكومة ميانمار لمواجهة المزيد من أعمال العنف المحتملة ضد سفاراتها في الشرق الأوسط والدول ذات الأغلبية المسلمة. وفي أيلول/سبتمبر، أُلقيت زجاجة حارقة [قنبلة مولوتوف] على سفارة البلاد في جاكارتا، إندونيسيا. وقد عززت الشرطة في باكستان التدابير الأمنية بشكل كبير حول البعثات الدبلوماسية الميانمارية في إسلام أباد بعد احتجاجات هدد فيها المتظاهرون بمهاجمة مجمعات سكنية.
ومن جهتهم، أعلن مسؤولون بنغلاديشيون أنهم لم يروا بعد حشد المقاتلين الأجانب لدعم الروهينغا، لكنهم يقرون بوجود التهديد. وفي العقود الأخيرة، استغل تنظيما «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» الحروب الأهلية في أفغانستان والبلقان وسوريا لتعزيز أجندتيهما السياسيتين وزيادة عناصرهما. وفي هذا السياق، ذكر أحد كبار المسؤولين البنغلادشيين أن «الجماعات المتطرفة دائماً ما تستغل عدم الاستقرار لتعزيز مخططاتها»، واصفاً ميانمار بأنها «كارثة من صنع الإنسان».
وتُعتبر الجماعات المتطرفة في جنوب وجنوب شرق آسيا الأكثر ترجيحاً لمحاولة الانخراط في الصراع الدائر في ميانمار. ويكثر عدد العمال المهاجرين البنغلادشيين في ماليزيا والهند. وفي ها الصدد، قال خبراء في مجال الإرهاب في المنطقة إن فروع تنظيم «القاعدة» في المنطقة قامت في السنوات الأخيرة بتدريب مقاتلين من الروهينغا على الجهاد في الصراعات في أفغانستان وسوريا. وفي وقت سابق من هذا العام، كتب مؤلفو تقرير لصالح «معهد التحليل السياسي للصراع» في جاكارتا: «يسعى الإندونيسيون والماليزيون وغيرهم إلى مساعدة الروهينغا في ميانمار من خلال التواصل مع جماعات الروهينغا في بنغلاديش».

*جاي سولومون، زميل زائر مميز في «زمالة سيغال» في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة