بون ـ جاسم محمد
جائت نتائج الانتخابات البرلمانية في المانيا يوم امس، 24 سبتمبر 2017 بفوزالمستشارة الألمانية ميركل، زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي “ CDU “ بفترة رابعة ، لكن دخول اليمين المتطرف إلى البرلمان سيعقد المشهد السياسي في المانيا ويجعل مهمة ميركل بتشكيل حكومة جديدة ، مهمة صعبة، خاصة في اعقاب قرار الحزب الاشتراكي SPD ، بالتحول الى مقاعد المعارضة في “البندستاغ” .وهذا ماجعل المراقبون يصفون فوز ميركل، ناقصا وفيه طعم الخسارة.
صعود حزب البديل AFD
الى البرلمان يعقد المشهد السياسي
كان متوقعا في استطلاعات الرأي ان حزب البديل من اجل المانيا، سيحصل المرتبة الثالثة بعد حزب الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي، وهذا ماحدث بالفعل. حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة حصل على أكثر من 13 بالمائة من الأصوات حسبما أظهرت النتائج الاولية، وهي نتيجة ستؤدي إلى دخول حزب يميني شعبوي البرلمان الألماني لأول مرة.
وبمجرد حصوله على النسبة التي تؤهله إلى دخول قبة البرلمان الألماني بدأ حزب البديل من أجل ألمانيا “ AFD “ يهدد بمناهضة المهاجرين و بتغيير ألمانيا. وقال ألكسندر غولاند، الذي شارك في تزعم قائمة الحزب: “سنغير هذا البلد، سنطارد السيدة ميركل. سنستعيد بلادنا”، كذلك اشار حزب البديل من أجل المانيا إلى عزمه بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الانتهاكات القانونية للمستشارة أنغيلا ميركل فيما يتعلق بأزمة اللاجئين التي شهدتها ألمانيا في 2015 و2016 .
وستكون كتلة حزب البديل من أجل ألمانيا أقوى، حيث يتوقع حصولها على أكثر من 80 ممثلاً برلمانياً. ان دخول حزب البديل من أجل ألمانيا كثالث أقوى حزب البرلمان يُعتبر خطوةً تاريخية إلى الوراء بالنسبة إلى المجتمع الألماني.
ونشرت صحيفة “فرانكفورتر روندشاو” تقريرا في اعقاب نتائج الانتخابات علقت فيه، بان البرلمان الألماني في خطر، لأنه سيتحول إلى أرضية رنانة لأجندة شعبوية ونظريات المؤامرة الشيزوفرينية، وتقوي بهذا الشكل التمكن بسهولة من السيطرة على المجال العام. وهذا من أجل التسلل بشكل منهجي لتفريغ البديهية الليبرالية لمجتمع منفتح.
أصبح حزب البديل من أجل ألمانيا حاضنة لليمين المتطرف ولمناهضي سياسة الهجرة واللجوء وبدأ الحزب يستقطب مستويات عالية من الدعم الشعبي.
بات معروفا ان فوبيا الجماعات تصنعها عوامل متشابكة، أولها المناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي، يضاف إليه أسباب تاريخية ودينية، واستعدادات فطرية ثم تعطيها مشروعيتها الوقائع والأحداث الراهنة التي ينفخ فيها إعلاميا وتستثمر سياسيا
كيف سيكون شكل الائئتلاف الحاكم
ومع رفض الاشتراكي الدخول في ائتلاف حكومي واسع مع ميركل، بات عليها أن تسعى لكسب تأييد الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي الذي حصل على 10,6 بالمائة من أصوات الناخبين وحزب الخضر الذي حصل على نحو 8,9 بالمائة من الأصوات، وتشكيل ائتلاف حكومي ثلاثي معهم. ولكن ذلك لن يكون سهلا، نظرا للتباين بين برامج هذه الأحزاب وخاصة الخضر الذي لن يكون شريكا حكوميا سهلا. وسيضم المجلس المقبل عددا قياسيا من النواب يبلغ 709، بالمقارنة مع 630 في المجلس الحالي، وهي زيادة مردها نظام الانتخابات النسبي المعقد في ألمانيا والذي يقود بانتظام إلى إعادة توزيع مقاعد إضافية على جميع الأحزاب الممثلة. اما حزبا الاتحاد المسيحي، قد يميلان أكثر إلى اليمين؛ لكي لا يتقوى حزب البديل من أجل ألمانيا أكثر. والحزب الليبرالي الديمقراطي سبق وأن فعل ذلك.
وتوزع المقاعد في البرلمان في ضوء نتائج الانتخابات ليوم 24 سبتمبر 2017 كما يلي:
حزب الاتحاد المسيحي 217 ، ـ الحزب الاشتراكي 134 ، ـ حزب البديل 88 ، ـ الحزب الليبرالي 70 ، ـ حزب الخضر 62 ، ـ جزب اليسار 62
مبدأ معاداة الأجانب والمهاجرين
تقوم ايدلوجية حزب البديل من اجل المانيا، اليميني الشعبوي، على معاداة الاسلام ومناهضة المهاجرين واللاجئين ، وتعليق حق اللجوء وغلق الحدود الداخلية بين دول الاتحاد الاوروبي
والتراجع عن الاتحاد الاوروبي. حزب البديل من اجل المانيا نجح، بان يخطو خطوات ذكية باتجاه البرلمان، وابعد نفسه نسبيا عن اليمين المتطرف وعن اطلاق التصريحات والشعارات اليمينة والنازية، رغم انها تعد اساس في عمل هذا الحزب.
ورغم الخلافات التي عصفت باليمين المتطرف وخروج زعيمة الحزب فراوكه بيتري السابقة من الترشيح للانتخابات، مع احتمالات عدم وجودها في الكتلة البرلمانية للحزب، بسبب توجيه الاتهامات لها بتقديم شهادات غير صحيحة امام البرلمان الالماني، حول قضايا سابقة. لقد نجح حزب البديل بتجاوز مخاطر الحظر من المحكمة الدستورية، رغم جهود الكتل البرلمانية.
ان فوز حزب البديل من اجل المانيا يعني ان النازيون الجدد والتيارات اليمينية في المانيا خاصة واوروبا سوف تحصل على دفعة قوية للصعود في البرلمانات الاوروبية والسلطة. وهذا يعني ان المانية داخلة على مرحلة جديدة، اكثر خطورة.
ان صعود حزب البديل من اجل المانيا، سيدفع حزب الاتحاد المسيحيي تحديدا وحزب التؤم البافاري، بزعامة هورست، الى اتخاذ سياسات مؤيدة الى اليمين المتطرف، من اجل تصعيد شعبيته.
بات متوقعا ان الائئتلاف الجديد مهما كانت تشكيلته سوف يتجه الى اليمين اكثر، وهذا يعني ان المانيا سوف تشهد اصدار قوانين جديدة تحد من اعداد المهاجرين واللاجئين، وستضرب بتداعياتها على الجاليات المسلمة والمسلمين، ربما تتمثل بتقييد ممارسة حرياتهم وطقوسهم وحتى تقليل فرص الدراسة والعمل. المانيا اليوم تشهد تراجعا في سياسات التكامل الاجتماعي والاندماج التي باتت مجرد شعارات، عكس مايمثله نسبة كبيرة من الشعب الالماني الذي بات يعيش تحت ضغوطات النازية واليمين المتطرف.
الاخطر ان النازية وحزب لبديل من اجل المانيا، بدأ يتغلغل اكثر داخل المحتمع الالماني، ليتحول الى ثقافة والى شعارات يرددها المواطن الالماني، وان كان الشعب الالماني يتحفظ على الادلاء بارائه امام وسائل الاعلام، بتأييده اليمين المتطرف، فانه حسم امره في صنادسق الاقتراع السرية، لتشهد المانيا مرحلة جديدة، العودة الى الدولة القومية.
هذه الانتخابات تحمل رسالة واضحة بان اليمين المتطررف في المانيا في صعود لا محال، وسوف تشهد المانيا الى جانب دول اوروبية اخرى الى تراجع ثقافة الديمقراطية وسياسات التعايش السلمي والتكامل الاجتماعي.
* باحث في قضايا الارهاب والإستخبارات.