الشمس تغلق أبوابها

علي السباعي

الشمس تصبغ بغداد بضوئها الناري، نخيل الوزيرية ناحل طويل مغبر، وجسر الصرافية يمتد طويلا إلى الضفة الأخرى من دجله، أعمدة الكهرباء ناحلة كالحة كابية صدأه…وبيوت شارع المغرب بجدرانها الطابوقيه المغبرة الألوان …
****
كنا نحن طلاب كلية الفنون الجميلة في المرحلة الأخيرة من قسم المسرح نخرج من قاعاتها بعد أن أدينا آخر امتحان مقرر علينا…نطوى بجو بغداد الحار جدا… تلك الحرارة التي بدأت تزحف فوق الوزيرية بجسرها ونخيلهـا … لكم كنا نتجمهر على شكل مجاميع تؤدي طقوسا عل الشمـس تغلق أبوابها أمام خريف الوداع…وجدتني فجأة أحدث زملائي الطلاب من شدة الحر عن الحر، وأنا أتطلع بيــأس إلى فضاءات بغداد الشاســعة بشمس ساطعة:
زملائي كنت اسمع جدتي تردد دائما عن الحر:
(( تموز ينشف الماء من الكوز، أما آب فالعشــرة الأول من أيامــه تيبس المسمار بالباب وفي العشرة الثانية تقلل الأعناب ويكثر الأرطاب والعشرة الثالثة بالنهار لهاب وبالليل جلاب وتفتح من الشتاء باب. أما أيلول فتقول جدتي رحمها الله امشوا ولا تكَيلون ))
وأنا منهمك بحديثي وزملائي مصغين لما أقول بانتباه، فإذا بإحدى زميلاتنا تطل علينا من قسم التشكيل، فتح زملائي عيونهم عليها، وبدوري فتحت عيني الجنوبيتين … وأنا أحدق في حضورها البهي…وفي عينيها البغداديتين دهشة تأخذ بزمام الوجد إلى وديانها، فصار وجهها الأنيس إلى قلبي أكثر وسامة وجلالا، ومن ورائها تتكسر أشعة شمس الضحى على بياض وجهها الثلجي كما تتكسر على رؤوس موجات دجلة أشعة شمسنا القاسية، ارتخت ملامح وجهها وأصبحت أكثر احمرارا كأنها جلنار الشمال فاتسعت عيناها مثل صبية ترتجف من البرد، كانت زرقة عينيها تحمل عمق السؤال الذي يطرز بلون البحر الأزرق، توقفت دقات قلبي لحظة.
لحظة ليـس فيها زمن، لأني كــنت اعشقها بصدق ، قالت بصـــوت واثق وهي توزع نظراتها…كأنها تقـــلد حركات بطلة أغنيه كاظم الساهر ( زيديني عشقا )، عندما كانت تفرك يديها وتنفخ فيهما دفئها الجنوني من شدة البرد:-
أشاه.
بعد أن رمقها الجميع بنظرة مستغربة وابتسامه مجاملة متحيرة، قلت لها في دهشة وانا انظر اليها بتمعن :-
– ما بالك ترتجفين ونحن في شهر حزيران ؟ !!!
قالت لي بنبرة بريئة من وجهها البغدادي الجميل:-
– ألوان قميصك باردة..!؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة