هيرمنيوطيقا القرآن..

المرأة الحاضرة والذكورية الغائبة في سورة المجادلة
عبد الغفار العطوي

1 – من أجمل و أروع ما حمله القرآن كلام الله سبحانه حول المحاورة التي وقعت بين رسول الله و امرأة (خولة بنت ثعلبة) و هي تجادل في زوجها و تشتكي الى الله تعالى في سورة (المجادلة) و يقع ترتيبها 58 و هي مدنية آياتها (22)آية، مما جاء في اسباب النزول: عن تميم بن سلمة عن عروة قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، و يخفي علي بعضه و هي تشتكي زوجها الى رسول الله (ص) و هي تقول : يا رسول الله : أبلى شبابي ، و نثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني ، و انقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم اني أشكو إليك قالت : فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات (1) و تكشف هذه المحاورة آفاقاً متنوعة في علاقة نزول القرآن بواقعات و حوادث آنية بنت لحظتها ، مما يعني هل تتعارض قدمية نزوله الإلهي مع أفق الواقعة المستحدثة ؟ أي ما مدى الارتباط بين نزول القرآن و التاريخ الإنساني في حياة الرسول و قابلية الوحي على الاستجابة للحوادث التي تقع لحظتئذ ، و تشكل ركنا مهما من التصور الإلهي للقوانين التي يرسمها الله تعالى للكون و للإنسان؟ ونقف هنا عن التحدث فيه لأنه لا يصب في دراستنا! لكن الاشكاية التي اوصلتها المرأة عن زوجها بما يسمى(الظهار) هي الاساس في البحث حيث إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة، فشكت ذلك الى النبي (ص) فقالت : ظاهر مني (2) وتحدثت خويلة بنت ثعلبة عن الواقعة(3) و ترتب على هذه الحادثة حكم الهي ذكر في كتب الحديث، واصل الحكاية ينقلها الزمخشري في كتابه بما يتعلق بسبب ممانعة المرأة (خولة بنت ثعلبة)عن مطاوعة زوجها(أوس بن الصامت)، إذ رآها وهي تصلي و كانت حسنة الجسم فلما سلمت راودها فأبت فغضب وكان به خفة ولم فظاهر منها فأتت رسول الله (ص) (4) و العرب اعتادوا فعل ( الظهار) في مساواتهم بين الزوجة و الام في رؤية حرمة ( الجسد الانثوي ) على شاكلة ( الجسد المحرم) و الحكم الإلهي بين الفرق بينهما ( إن أمهاتهم إلا اللاتي ولدنهم ) اي كما ذكر الزركشي في شرحه( الظهار مشتق من الظهر، و خص الظهر دون غيره لأنه موضع الركوب و المرأة مركوبة إذا جومعت، فأنت علي كظهر امي اي ركوبك للنكاح حرام علي ، كركوب امي للنكاح (5)
2 – يمثل الجسد الانثوي في هذه الواقعة من سورة المجادلة بؤرة اهتمام القرآن الذي يحرص في التمييز بين الجسدين المباح الشهوي والمحرم الصامت بعدد من العقوبات الضبطية في موضع المقارنة الادائية في وظيفة جذب الشهوة ، والتماثل الصامت، أي ان يتحول الجسد الشهوي ( للزوجة ) الى جسد صامت ( الام) غير باعث للشهوة المحرمة، مما يعني الابدال المؤقت لوظيفة الجسد الانثوي بجسد مجرم، و إنكار القرآن لهذا التلبس بمزيج من العقوبات الضابطة الجسدية و الايمانية لردع العرب المسلمين من التمادي فيه نظرا لأن العرب الذين اعتادوا على خرق الحواجز بين الحرمة و الاباحة، مازالوا يفعلون في مواقعة نسائهم بالعمل الادائي الفعلي بينما هم يرمون بالفعل الادائي اللفظي عليهن، و هذا التشابك بين الفعل الواقعي والرمزي لا يجوز في يقينيات الايمان والاعتقاد، لكن الموروث الذكوري الذي عرضه فرويد في هيمنة الابوية القبلية هو الذي يقود الرجل المسلم الى مسألة التلبس بطريقة من طرق التلذذ في المجرم، في ان يتحول الجسد الانثوي اثناء التماس الجنسي الى جسد هامشي او شرير او بغيض يفرض حالة من الهوس الممنوع بغطاء المباح المشروع بغياب الرادع الضبطي الالهي، فمشهد الجسد المتذبذب بين الحرمة و الاباحة قطعه القرآن بترجيحه الاخلاقي، أما ما لم يفصح عنه، لا في إطار الرؤية الاوضح لكامل مشهد الجسد الخاص بالمرأة ، و هو في حيز الرمز و التمثيل، وما يطرح للنقاش بالقدر الذي يذهب بتا الى ما وراء الفراغ المعتم في بتية المشهد نفسه، و لا حتى في سياق مكونات هذا الجسد و ما ينبغي ان يكون له قاسم فقد ترك للعرف، لأن الجسد الانثوي يظل يحمل الشهوة بالنسبة للجسد المغاير و إن خرج من نطاق انثويته الى حيز الهامشية او الشرية او البغضية، من هنا كان تنوع العقوبات و تراتبها من ناحية القوة و الضعف متعلق في فعل التماس ، و هو ما يكشف عن اجراء إلهي دقيق بالتمييز بين وظيفة الجسد و فعله و فاعليته.

إحالات
1 – أسباب نزول القرآن للإمام أبي الحسن الواحدي ت468 تحقيق و دراسة كمال بسيوني زغلول ص 427 ــ 429
2 – المصدر نفسه ص 428
3 – المصدر نفسه ص 429
4 – الكشاف لابي القاسم الزمخشري ج4 شرح و ضبط و مراجعة يوسف الحمداوي ص 414
5 – شرح الزركشي شمس الدين الزركشي ت772 قدم له و وضع حواشيه عبد المنعم خليل ابراهيم المجلد الثاني دار الكتاب العربي بيروت كتاب الظهار ص503
6 – الجسد البغيض للمرأة إبراهيم محمود الطبعة الاولى 2013 دار الحوار اللاذقية ص 21ـ22

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة