جرجيس كوليزادة
السلام غاية انسانية نبيلة، وما من أزمة او مشكلة أو حرب بين طرفين الا ونهايتها تحسم بالتفاوض والحوار المتقابل لارساء السلام وتحقيق العيش الأمين للانسان اينما كان على وجه المعمورة، وكلما استندت العملية الى مقومات عملية وقواعد متينة واسس صائبة كلما انته المسار بالخير والمنفعة والمصلحة المتبادلة لصالح الاطراف والشعوب والدول المختلفة والمتأزمة مع بعضها، والعراق الاتحادي واقليم كردستان من ضمن هذه الاطراف التي تجمع بينهما خلافات ومشكلات وأزمات عالقة، وهي لا تسمح بارساء أرضية متينة لبناء علاقات استراتيجية قصيرة الأمد وبعيدة المدى تخدم المصالح العليا للطرفين وتكون في خدمة الشعبين، والاستفتاء احدى المشكلات الجديدة التي برزت لتزيد المسافة بين العاصمتين بغداد العتيقة واربيل الجديدة.
والمؤلم ان بوادر كثيرة للممارسات والخطوات السياسية المتسمة بالسلبية بدأت ترافق دعوة الاستفتاء في اقليم كردستان والتي اطلقت باجتماع وقرار حزبي بعيد عن الشرعية البرلمانية المخولة من قبل شعب الاقليم، وما يطلق من ادعاء بان قرار الاستفتاء عائد للشعب باطل تماما لانه أصلا غير صادر من المجلس الوطني المنتخب والمعطل أساسا بأمر حزبي، والقرار غير مشرع من قبل الممثلين المنتخبين من شعب كردستان العراق، وغياب هذه القاعدة القانونية الشرعية عن قرار الاستفتاء يعتبر من أهم المعوقات التي تواجهه، ولهذا فان ما يجري من اجراءات تنفيذية برعاية المجلس الاعلى للاستفتاء باطلة وغير شرعية بسبب عدم مرجعيتها البرلمانية، وهي تتخذ على عجالة من دون الاستناد الى أرضية صلبة، واضافة الى ذلك فان العملية تجابه باستمرار بالرفض التام من قبل الحكومة الاتحادية والامم المتحدة والولايات المتحدة، وهذه الاطراف الثلاث ضرورية وحتمية لتبني ودعم استفتاء الاقليم في حال الاتفاق عليه بالتنسيق والتعاون بين سلطة الاقليم والحكومة الاتحادية في بغداد.
والغريب ان راعي الاستفتاء يعترف ان الاستفتاء مجازفة، والاحداث تؤكد ان هذه المغامرة قد تكون غير مضمونة النتائج، وقد تجلب عواقب لا يحمد عقباها، وذلك لان العملية تسودها عقبات كثيرة كما أسلفنا سياسية وقانونية وتنفيذية ودستورية وادارية وخاصة في المناطق المتنازع عليها، والقرارات الصادرة بشأنها كما هو معلوم لم تستند الى مرجعية دستورية، وما بني على باطل يبقى باطلا، وهذه التراكمات اللاشرعية من السهولة الطعن بها من قبل السلطات الاتحادية في بغداد والاقرار برفضها لعدم قانونيتها، ولهذا على شعبنا الكريم في الاقليم التأني والتحلي بالصبر لقراءة ما بين سطور الاستفتاء، والتأني أيضا بخصوص اتخاذ قرار الانفصال عن العراق، والتفكير العميق في هذا الاتجاه واجب للنظر بجدية ودقة الى ما يحيط بكرد الاقليم وما يقدم عليه، والتأكيد على اعتراف الدستور العراقي الدائم بكيان اقليم كردستان بسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية وبما عليه يعتبر من أكبر واهم الانجازات التاريخية للامة الكردية في تاريخها القديم والحديث، ولهذا وجب عدم الافراط بهذا المكسب الاستراتيجي والمكانة الدستورية، وبذل الجهود للعمل على تحسينها وتطويرها ضرورة لازمة لحين الوصول الى توافق سياسي بين بغداد واربيل في المستقبل، وذلك لضمان حق تقرير المصير لشعب الاقليم لنيل الاستقلال الكامل والانفصال عن العراق بالسلام والأمان.
وما يدفع بنا الى طلب التأني من شعبنا الأصيل بخصوص الاستفتاء أسباب عديدة وعوامل كثيرة، ومن باب الانتماء والقراءة العقلانية نقول لقومنا الكريم العزيز أياكم أياكم يا شعب اقليم كردستان الانفصال عن العراق، لان الاخير يختلف تمام الاختلاف عن ما قبل الفين وثلاثة بالرغم من الاخطاء والخروقات القاتلة لحكوماته الاتحادية، وذلك بحق الحقوق الدستورية للاقليم وخاصة قوت المواطنين والبيشمركة الابطال وحقوق سكان المناطق المتنازع عليها وغيرها، ولكن لا يخفى ان الأسباب الحقيقية للمشكلات المتراكمة العالقة تعود للطرفين وليس لطرف واحد.
وبقدر تعلق الامر بالقرار المتخذ بشأن الاستفتاء وكما هو مكشوف لا يستند الى مقومات مضمونة لتحقيق النجاح، وذلك لأنه بعيد عن التفاهمات التوافقية السياسية مع الحكومة العراقية الاتحادية ومع الاحزاب الكردية، وبعيدة عن اشراف ورعاية الأمم المتحدة، وغائبة عن دعم الولايات المتحدة الامريكية الذي يعد اللاعب الرئيسي المتحكم بالشؤون العراقية، وهذه العوامل التي تنقص العملية هي بحد ذاتها فقدان لمرتكزات أساسية توجب ان تستند عليها خطة الاستفتاء، ولهذا ومن باب الحكمة والمنطق تقتضي اعادة التفكير بجدية بالدعوة لما تحمل من مخاطر وعواقب قد يتعرض لها الاقليم مستقبلا، ولهذا فان بذل الجهود للمطالبة باخراج كرد العراق من هذه اللعبة والمجازفة السياسية اليائسة بسلام وأمان تعتبر مهمة وطنية وانسانية عاجلة لابد من القيام بها، والدعوة الى تأجيلها لمدة سنة من قبل الاحزاب والجماعات المدنية والمجموعات المهنية والاجتماعية والثقافية باتت ضرورة حتمية من باب الحكمة، خاصة وان العملية بدأت تدور في حلقة مفرغة، وغير مهيأ لها تماما كل الاستعدادات، وبعيدة عن التوافقات السياسية الدولية والاممية، وتجابه يوما بعد يوم بمواقف عراقية واقليمية متشددة، وثم ان اللعبة السياسية التي يتلاعب بها طرف حاكم بدأت تنكشف أوراقها المنخورة كاشفة النوايا الحقيقية البعيدة عن المشروع الوطني لتأسيس دولة مستقلة وفق تفاهم واتفاق للسلام ومبني على أسس متينة وسليمة بعيدة عن روح المغامرة، ولهذا حان الوقت للعقل الكردي ان يقول كلمته بوجه النظام المتلاعب بمصير الشعب دون وجه حق، وحان الوقت للانسان الكردستاني ان يصحى وينتبه من مخالب الخدع القاتلة والطعنات المسمومة التي يراد تمريرها من قبل اطراف محلية واقليمية بغية تحقيق نهب كامل وشامل لكل ثروات وموارد وممتلكات الاقليم وخاصة النفط ومصادر الطاقة، واللبيب تكفيه الاشارة، والله من وراء القصد.
(*) كاتب وصحفي