نحو عراق جديد سبعون عاماً من البناء والإعمار

هشام المدفعي
اعتادت الصباح الجديد ، انطلاقاً من مبادئ أخلاقيات المهنة أن تولي اهتماماً كبيرًا لرموز العراق ورواده في مجالات المعرفة والفكر والإبداع ، وممن أسهم في إغناء مسيرة العراق من خلال المنجز الوطني الذي ترك بصماته عبر سفر التاريخ ، لتكون شاهداً على حجم العطاء الثري والانتمائية العراقية .
واستعرضنا في أعداد سابقة العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة والتخصص وفي مجالات متنوعة ، بهدف أن نسهم في إيصال ما تحمله من أفكار ورؤى ، نعتقد أن فيها الكثير مما يمكن أن يحقق إضافات في إغناء المسيرة الإنمائية للتجربة العراقية الجديدة .
وبناءً على ذلك تبدأ الصباح الجديد بنشر فصول من كتاب المهندس المعماري الرائد هشام المدفعي ، تقديرًا واعتزازًا بهذا الجهد التوثيقي والعلمي في مجال الفن المعماري ، والذي شكل إضافة مهمة في مجال الهندسة العمرانية والبنائية وما يحيط بهما في تأريخ العراق .
الكتاب يقع في (670) صفحة من القطع الكبير، صدر حديثاً عن مطابع دار الأديب في عمان-الأردن، وموثق بعشرات الصور التأريخية.
الحلقة 17
مشروع تصميم المخطط الأساس لمدينة الموصل
بعد منافسةٍ معمارية في سنة 1973 ، قدمنا فيها عرضنا الى وزارة التخطيط مع مؤسسة (SCET) الاستشارية الفرنسية ، احيل الينا مشروع تخطيط التصميم الاساس لمدينة الموصل . كانت مسؤوليات ادارة المشروع من مهمات شقيقي قحطان الذي وضع مع مدير المشروع ( Paul Freddy ) من الجانب الفرنسي خطة تنفيذ المشروع وفق الخطوات التالية:
ــ يكون العمل موزعا بين المؤسسة الفرنسية ودار العمارة بنسبة 50% لكل طرف ــ مدة تنفيذ الاعمال تسعة اشهر .
ــ يُهيئ دار العمارة مكتبا خاصا للخبراء الفرنسيين والعراقيين في بغداد .
ــ يُهيئ الطرفان مكتباً خاصاً للدراسات والاعمال في الموصل .
ــ تتضمن الاعمال جمع احصاءات ومعلومات لتكوين قاعدة البيانات حول المشروع ودراسات ميدانية ووضع بدائل للأفكار التصميمية وجوانبها الايجابية والسلبية والتوجيه بالبديل المفضل .
– تطوير البديل المفضل ووضع التفاصيل الكاملة لمخطط التصميم الاساس لمدينة الموصل مع شروحاته وتقاصيله.
ــ يتم طبع جميع الخرائط والمخططات في فرنسا .
وبموجب هذه الالتزامات ، فقد هيأ دار العمارة مكتبا متخصصا لتخطيط مدينة الموصل ، في موقع مقابل لمقر دار العمارة في شارع المغرب . ونسب قحطان عددا من المهندسين والرسامين والاداريين العاملين في دار العمارة ، والتحق ايضا عدد من مخططي المدن كالدكتور حكمة الحديثي ونمير زينل و ووليد عباس حلمي . كما التحق بالعمل معنا عدد من الاقتصاديين والاحصائيين المساعدين بموجب متطلبات تنفيذ العقد .
كان مدير المشروع الفرنسي يتدارس التخطيط مع زملائه في فرنسا ويحضر الى بغداد بين فترة وفترة اخرى لتدارس تطور الاعمال مع قحطان والتحضير للمراحل اللاحقة ، لان معظم الاعمال في الموقع كانت توجه وتنفذ من قبل قحطان المدفعي . فهو الذي قام بتوجيه بعض المعماريين في الموصل وفتح مكتب دار العمارة في المدينة ، والحق به عددا من المعماريين والمهندسين والرسامين للقيام بالأعمال الموقعية المطلوبة .
قدمت التقارير والمخططات المقترحة لتخطيط مدينة الموصل ، ودرست من قبل المجلس البلدي ، فأقرها مع بعض الملاحظات .
كما اعلنت المخططات لتخطيط مدينة الموصل على الجمهور لدراستها وتقديم ملاحظاتهم واعتراضاتهم عليها خلال الفترة القانونية المعتمدة بموجب قانون البلديات اخذت الملاحظات المناسبة بنظر الاعتبار وعدلت المخططات والخرائط وصدق المشروع والتخطيط واصبح قانونا . فتم طبع المخططات والمقترحات في فرنسا بشكلها النهائي والقانوني ، ولم تزل معمولا بها الى يومنا .
لقد اثبتت هذه التجربة الفريدة امكانية تعاون المعماريين والمهندسين والمختصين العراقيين مع الخبراء العالميين من انجاز الاعمال الكبيرة ومواكبة عمل الاستشاريين العالميين .
مخطط الإسكان العام للعراق لغاية سنة 2000
كانت المؤسسة العامة للإسكان قد دعت مكاتب الاستشاريين لتقديم عروضها ، اخترنا , قحطان وأنا , مؤسسة «بول سرفيس البولونية « للاشتراك والعمل معها في تقديم العرض ، لكون الاستشاريين في الدول الاشتراكية يعملون بالطرق والاساليب المعمول بها في دوائر الحكومة العراقية اختارت المؤسسة العامة للإسكان في سنة 1974 مؤسسة بول سيرفس البولونية بالتعاون مع دار العمارة لوضع الدراسات الاستشارية لهذا المشروع المهم. وتم توقيع العقد باحتفال بسيط مع رئيس المؤسسة العامة للإسكان وممثل بول سيرفس ودار العمارة عن الاستشاريين . وكانت نسبة مساهمة دار العمارة نحو 40% من حجم اعمال المشروع .
تضمن المشروع اعمالاً رئيسية من توفير قاعدة بيانات ودراسات متطورة لإحصاء عدد الوحدات السكنية في الريف والمناطق الحضرية ، وتقديم المقترحات حول حاجة البلد للوحدات السكنية لغاية سنة 2000 ، اي بعد خمس وعشرين سنة من الدراسة . وتضمن عقد تنفيذ المشروع توفير 1800 رجل / شهر لتنفيذ جميع مراحل المشروع . اي يتطلب حضور عدد كبير من الخبراء ، لإجراء الدراسات المحددة مسبقا في بغداد ، ووضع التقارير من احصاءات ومقترحات لبحثها من قبل المؤسسة العامة للاسكان ، واعطاء التوجيهات اللازمة عن تلك الدراسات واقرارها ، بغية الانتقال الى المراحل الاخرى من العمل .
كانت المسؤولة الرئيسة للمشروع في المؤسسة العامة للاسكان المهندسة سهير عبد الله السنوي ، ويساعدها كادر متفرغ لتوجيه اعمال المشروع ودراساته ومنهم زهير البنا والبيرقدار و د.باسم . ومن الجانب الاستشاري ، كان مدير المشروع من شركة بول سرفيس المهندس بلشا ، ومن دار العمارة كان الدكتور قحطان المدفعي مساعدا لمدير المشروع ويساعده هشام المدفعي ( وكانت مهمتي في هذا المشروع هي جميع ما يتعلق بالمواصفات والعقود والمواد الانشائية وكلف التنفيذ) . ويساعدهم عدد كبير من الخبراء والمساعدين الاحصائيين والاختصاصيين في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والهندسية والانشائية . وكان القسم الاكبر يعمل من مكتب بغداد الذي تم تكوينه و الخاص بالمشروع ، مع مساعدين متخصصين في بولونيا و دار العمارة في بغداد .
تفرغ اخي قحطان تقريباً لهذا المشروع الذي تطلب القيام بجمع المعلومات واجراء المسوح السكانية والسكنية عن (240) مدينة وقرية لتوفير قاعدة بيانات مناسبة كما كان قحطان مسؤولاً عن بحث ورسم جميع سياسات تنفيذ الدراسات ومفاهيمها واهدافها والمتطلبات التصميمية ومراحلها تنفيذ الخطة التي تطلبت الدخول الى قرى ومدن مختارة كعينات للدراسة في مناطق العراق المختلفة مناخياً واجتماعياً وتسجيل الواقع السكني وانماط تصاميم الدور الحالية والسكن فيها والمواد الانشائية المستعملة والواقع الاجتماعي الاقتصادي للعائلة , كما تطلبت المسوح تسجيل الابنية العامة من مدارس ومستوصفات وابنية ادارية . تطلبت المسوح دراسة واقع المجتمع العراقي ووضع مفاهيم عن شرائحه ودخولهم ومستويات معيشتهم بصورة عامه . وفرت مؤسسة بول سيرفيس جميع الخبراء المطلوبين من جانبها واشتركنا في دراسة الواقع العراقي من ناحية المتغيرات الطبوغرافية والمناخية والاجتماعية والمواد الانشائية المطلوبة والاقتصادية والحاجة الى السكن .
قسمنا العراق الى 5 مناطق سكنية وهي المنطقة الجبلية , منطقة السهول , منطقة الوسطى , المنطقة الجنوبية والمنطقة الصحراوية . وكان المطلوب هو وضع نماذج تصاميم تفصيلية لمتطلبات السكن للعائلات العراقية وحسب مستوى دخل العائلة لكل المنطقة من المناطق ونوع المواد الانشائية المقترحة للاستعمال .
كنت اعمل خبيرا استشاريا ومسؤولا ممثلا لدار العمارة في جميع اختصاصات التصاميم الانشائية ودراساتها وتطويرها ، وجميع الدراسات الخاصة بالمقاولات والمواد الانشائية والاعمال المستقبلية لتنفيذ مخطط الاسكان العام . وكان على دار العمارة الحضور الى الاجتماعات في ( كراكوف ) في بولونيا لوضع التقارير بشكلها الاخير قبل تقديمها الى المؤسسة العامة للاسكان ، لذا تطلب من الدكتور قحطان ومني ان نحضر هذه الاجتماعات بشكل دوري في بولونيا . وكنا نصطحب معنا عادة ددا من مهندسينا لمساعدتنا في مهمتنا .
لقد افادت كثيرا خبراتنا العملية كاستشاريين ، ومعرفتنا الواسعة بالمتطلبات السكنية للريف والمدينة في العراق . كما ساعدتنا كثيرا معلوماتنا الدقيقة بالمتغيرات المناخية والطبوغرافية وطبيعة المجتمع العراقي الذي نحن منه . ومعرفتنا الشخصية بعدد من المسؤولين في مختلف دوائر الدولة ، وخاصة في وزارة الاسكان التي عملت فيها من قبل ، وعمل بصحبتي سابقا الكثير ممن يعمل في المؤسسة العامة للاسكان .
وفي الوقت الذي كنا نعمل ونبحث على وضع الضوابط والمتطلبات التصميمية للسكن العمودي ، كان المسؤولون يصرحون ويعطون الوعود بحل مشكلة السكن في العراق عن طريق السكن العمودي . وقد وجه الينا طه ياسين رمضان وزير الاسكان والتعمير(وكالة) مرة سؤالا وطلب توضيحاً عن الارتفاع الصحيح للسكن العمودي في المشاريع السكنية المقبلة . وضعنا مطالعتنا وارسلنا هذا السؤال الى مقر الشركة ( بول سرفيس ) في بولونيا لدراسة الجواب مع الخبراء البولونيين . ووردنا الجواب من البروفسور ( كورنسكي ) وهو عالم كبير في تخطيط المدن والمستوطنات البشرية ، ومثل بلاده في الامم المتحدة لسنين عديدة ، ويعمل في بلاده مسؤولا عن لجنة مرتبطة بمجلس الوزراء لتخطيط المدن البولونية . وكانت اجابته كما يلي :
ــ الارتفاع الصحيح هو اربعة طوابق او خمسة طوابق كحدٍ اعلى .
ــ هذا الارتفاع يعطي الاستخدام الامثل لشبكات البنى التحتية للمدن .
ــ هذا الارتفاع يمكن ان يصعده الانسان بواسطة السلالم بسهولة .
ــ اثبتت الدراسات النفسية والاجتماعية ان زيادة عدد الطوابق للعمارات السكنية بأكثر من اربعة طوابق قد يؤثر على نفسيات الاولاد والزوجات ، مما يجعل الاولاد يتخذون من الممرات والسلالم والمصاعد اماكن لعبهم ، عوضا عن الباركات والساحات المخصصة للألعاب والرياضة . اضافة الى العوامل النفسية والاجتماعية السلبية في السكن في هذه الارتفاعات . لذا بدأت بعض الحكومات المحلية في العالم الغربي بإزالة العمارات المشيدة بارتفاعات كبيره وتشييدها بمواصفات سكنية جديدة.
انجزت الدراسات بعد عمل متواصل وعلى مدى ثلاث سنوات ومن قبل اكثر من 1800 رجل/شخص .. وتم تنفيذ الدراسات بمجلدات خمسة وكما يلي :
• تشخيص الحالة الراهنة وتثبيت قاعدة بيانات .
• تشخيص ستراتيجيات العمل .
• المقترحات والنماذج التصميمية.
• التقرير النهائي .
• الجوانب القانونية .
وساهم كل من المختصين ادناه في وضع الدراسات وانجاز المشروع :
د. قحطان المدفعي – معماري – معاون مدير مشروع ويمثل دار العمارة
وهشام المدفعي – انشائي – مستشار و د. عبد منذر الاعظمي – معماري و روكسي بينو – معماري و د. ناطق السكوتي – اقتصادي والامير المشاط – مهندس و جعفر محمد علي – مهندس و يشار درويش – مهندس و صباح المدلل – معماري و رياض الوزير – معماري و د. عادل محمد صالح – معماري و د . سهل السنوي – جيولوجي و د. عدنان نقاشة – جيولوجي .
بعد اكمالنا الدراسات والتقارير عن متطلبات العمل كافة ، قدمت الى المؤسسة العامة للأسكان للمصادقة عليها وطبعها بشكل نهائي واستمرت مؤسسة بول سيرفيس في اكمال المتطلبات وانجز المشروع , إلا ان نشوب الحرب العراقية الايرانية قد أخر اقرار المشروع وتوصياته لكونه تطلب قيام الحكومة العراقية باعادة تشكيل وزارة الاسكان والتعمير لتأخذ ًشكلاَ جديداً لتكوين مجلس اعلى للاسكان وتكوينات وتشكيلات جديدة مع اقرار انظمة جديدة وشركات لتخطيط وتنفيذ السياسة السكنية . بقيت مستندات المشروع ومفاهيمه وتصاميمه كمرجع لدى وزارة الاسكان والاعمار .
صدر امر السلطات العليا في 19 تشرين الثاني 1979 بغلق مكتب دار العمارة ومنعه من ممارسة اعماله لمدة سنتين وحجز مؤسسيه قحطان المدفعي وهشام المدفعي لستة اشهر (سنبحث هذا الموضوع واسبابه لاحقا) . وعندما اقتادوني الى الامن العامة كان اخي قحطان يلقي محاضرات في لندن عن العمارة العراقية وجذورها التاريخية ، فلم يعد الى العراق وبقي في انكلترا لإكمال دراسة الدكتوراه . اما انا فقد قضيت ستة اشهر محجوزاً في الامن العامة واطلق سراحي بانتهاء المدة المقررة.
سكة حديد بغداد ــ البصرة
خط سكة حديد بغداد – كوت – عمارة – بصرة مزدوج
وخط سكة حديد بغداد – كوت – ناصرية – بصرة مزدوج
في 1973 من سبعينات القرن الماضي ، وبسبب الاستقرار النسبي الذي مر به العراق يومئذ ، دب فيه نشاط ملحوظ للعمل . ونشطت الوزارات المختلفة في تنفيذ مشاريعها الرئيسية . فطرحت وزارة النقل و المواصلات مشاريع استبدال خطوط السكك الحديد بين المدن العراقية ، واضافة خطوط جديدة ، بمواصفات حديثة لتكون سرعة القطارات نحو 200 كم بالساعة . قدمنا عرضا بالاتفاق مع شركة ( Henderson Hughes & Busby ) البريطانية عن الاعمال الاستشارية .
يتكون المشروع من انشاء سكة حديد بين بغداد ــ الكوت ــ العمارة ــ البصرة ، وخط الكوت ــ الناصرية ــ البصرة.
تكون الخطوط مزدوجة اي للذهاب والاياب مع كامل المحطات والاعمال الترابية ، ومد السكك وكهربتها ، لكون القطار يسير بالطاقة الكهربائية . اضافة الى وضع مواصفات القاطرات والعربات .
تم قبول العرض ، وتم التعاقد مع المؤسسة العامة للسكك الحديد عليه . كانت اعمالنا الاستشارية تنحصر في وضع التصاميم لمحطات القطار على طول الخطوط وتصميم محطة رئيسية في البصرة ، ووضع التصاميم الخاصة بجميع الجسور التي تعبرها الخطوط فوق نهري دجلة والفرات والطرق السريعة ، مع وضع تصاميم جميع القناطر على طول مسارات خط السكك . وكانت نسبة اعمالنا تصل الى 40% من كامل الاعمال الاستشارية .
بعد توقيع العقد وبنية التعرف على مسارات خطوط السكك ، قمنا في عدد من المرات ومع كل عدد من خبراء شركائنا البريطانيين بالكشف على مسارات السكك المطلوبة والتعرف على مواقع الجسور الكبيرة على دجلة ونهر الفرات وكان علينا ان نمسح بصريا ونستكشف مسارات الخط على الطريق الصحراوي بين الناصرية والبصرة . لم يكن الطريق بين الناصرية والبصرة معبدا وعلى طول اكثر من 200 كم السير على هذه المسافة وعلى صحراء خالية من اي محطات خدمة او صيانة ، كانت ان تغرس عجلات سيارتنا في الرمال موجودة لذا كان علينا ان نحمل معنا بسيارتي جميع ما يتطلب من متاع لملاقاة حرارة شهري اب وايلول على الصحراء بموازاة اهوار الناصرية . قمنا بتسجيل جميع المعلومات المطلوبة عن محور سكة الحديد والجسور . كما قُمنا بوضع التصاميم الاولية لجميع المحطات الجديدة التي يتوقف فيها قطار بغداد ــ البصرة حاليا . اما خط بغداد ــ الكوت ــ العمارة ــ البصرة ، فيتوقف في المدن الرئيسية التي يربطها . واضافت دوائرُ السكك خط البصرة ــ الفاو . وربما مُد هذا الخط الى دولة الكويت مستقبلا . ولما لم تكن لدينا خبرة في تصاميم جسور القطارات ،
وكان عددها سبعة جسور على نهري دجلة والفرات ، زهاء (80 ) جسرا على تقاطع السكة مع الطرق والانهار الصغيرة والعبارات ، فقد طلبت من شركائنا ان ينسبوا مهندسا متخصصا بتصميم مثل هذه الجسور ليعمل معي وفي مكتبنا للقيام بالمهمة بإشرافي .
علمنا من الخبير الاقتصادي أنه عند دراسة الجوانب الاقتصادية للمشروع وتطور اساليب النقل وشحن المواد وزيادة نفوس العراق لسنة الهدف وهي سنة 2000 ، فإن حجم التبادلات التجارية ، وتوقعات زيادة الشحن بالقطار من اوربا الى الخليج العربي ، وحجم النقل بين بغداد والبصرة ، سيتطلب السير على هذا الخط بمعدل قطار كل عشر دقائق ، وسيكون بإمكان المسافرين على القطارات الوصول من بغداد الى البصرة وبالعكس في فترة اربع ساعات .
قمتُ مع زملائي الاستشاريين : كرستوفر هاي وروبرت بزبي وهيوز وبمختلف الظروف المناخية المتطرفة وفي الوقت الذي لم تكن العديد من الطرق معبدة ومنها الناصرية – البصرة ، بالسفر لمرات عديدة على الخط اثناء وضع دراسات الجدوى للمشروع .
وتعرفنا على المحور المفضل لمد سكة الحديد من نواحي صلاحية التربة ونوع الاسس المطلوبة للخط والمنشآت المختلفة ومواقع المحطات وتحديد المساحات المطلوبة للمحطات في كل مدينة ، والموقع الجديد المقترح لمحطة البصرة . واستغرقت اعمال المسح الاولي نحو ثمانية اسابيع بالطرق الحديثة لمحور خط سكة الحديد من قبل فرقه مسح بريطانية متخصصه حضرت لمسح محاور الخط .
اعددنا المقترح الاول مع بدائل سير الخط من بغداد الى الكوت وتفرعه الى الناصرية بموازاة نهر الغراف ، والفرع النازل الى العمارة ليكون خط سيره شرق نهر دجلة ، وتلتقي الخطوط في القرنة وتستمر الى البصرة .
في الاجتماع الكبير المخصص لدراسة محور سير القطار ، حضره ممثلو جميع الوزارات وتمت مناقشة مسار الخط مع ممثلي كل وزارة حسب متطلبات وزارته . ولم تؤثر تلك المتطلبات كثيرا على المقترحات المقدمة ، عدا ما طلبه ممثل وزارة الدفاع من ان يكون مسار خط الكوت ـ العمارة غرب نهر دجلة وليس في شرقه ( ويبدو انه فكر بالجانب العسكري وقربه من الحدود الايرانية ) . وهذه الملاحظة تعني مد سكة الحديد مسافة مايقرب من 200 كيلو متر في مناطق الاهوار ومناطق ذي تربة غير قوية . وعلى كل حال اخذت جميع المتطلبات بنظر الاعتبار . واستمرت اعمالنا في اكمال تصاميم المرحلة التالية .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة