اريك تراجر
(2 ـ 2)
غير أن ما يُعرف بقادة “الحرس القديم” في جماعة «الإخوان» حاولوا كبح فصيل كمال “الثوري”. فقد اعتبروا أن تشكيل “لجان العمليات الخاصة” من دون موافقتهم يزيد من تدهور قيادتهم الضعيفة أساساً وسيطرتهم على «الجماعة»، وحذروا من أن أعمال العنف التي يمارسها «الإخوان» ستؤدي إلى إضفاء الشرعية على العنف الذي تستخدمه الدولة بحق المنظمة. ولكن هذه المساعي باءت بالفشل: فقد أعلن الجناح “الثوري” فوزه في الانتخابات الداخلية المبكرة لـ «الجماعة» التي جرت في أوائل عام 2014، واندلع الخلاف بين الفصيلين وبرز إلى العلن في منتصف عام 2015 حين انفصل شباب بارزون من «الإخوان» وعدد كبير من مكاتب المحافظات علناً عن “الحرس القديم”.
و في هذه الفترة تقريباً، كَلّف كمال، زعيم «الإخوان» الذي يدعم أعمال العنف، “لجنة الشريعة لجماعة «الإخوان المسلمين»” بصياغة دفاع قائم على الشريعة من أجل “النشاط الثوري”. وكما أشار مختار عوض من “جامعة جورج واشنطن” في تقريره المفصل حول تحوّل «الجماعة» نحو العنف، أقرّ المنتج النهائي لـ “لجنة الشريعة” بعنوان “فقه المقاومة الشعبية للانقلاب” في النهاية مجموعة واسعة من أعمال العنف، شملت قتل ضباط شرطة وجنود وأولئك الذين يعتبرون “متعاونين” مع الحكومة المصرية. كما ادعت “لجنة الشريعة” أن المسيحيين “يحاصرون المساجد، ويقتلون المصلين، ويعتقلون النساء [الإسلاميات]”، وشجعت العنف ضدهم.
وعمدت قوات الأمن المصرية إلى قتل كمال في غارة نفذتها في تشرين الأول/أكتوبر 2016. ومنذ ذلك الحين، استعاد “الحرس القديم” السيطرة على وسائل الاتصالات الرسمية لـ «الجماعة»، من بينها موقعها الإلكتروني، ikhwanonline.com. غير أن المنحى “الثوري” الأكثر عدوانيةً لـ «الإخوان» استمر من خلال مختلف الفروع والمبادرات.
فعلى سبيل المثال، نشر مؤخراً “المجلس الثوري المصري” – الذي مقره في اسطنبول وأسسه كبار المسؤولين في «الجماعة» مع معارضين منفيين آخرين في عام 2014 – سلسلة من أشرطة الفيديو عبر الإنترنت أوعز فيها إلى أتباعه بالوقوف في وجه الجيش المصري خلال الثورة المقبلة، متى اندلعت. وفي إحدى التعليمات، أوعز المجلس إلى أنصاره بتحديد جميع مواقع وحدات الجيش ووقف تقدّمها من خلال صب الزيت على الطرقات. وفي أخرى، دعا أتباعه إلى “تطويق الجيش كي لا يقاوم الثورة” و”محاصرة موارد الغذاء الخاصة بالجيش” وشلّ مطارات الجيش عند اندلاع الانتفاضة المقبلة، والتي سيكون هدفها إعادة مرسي إلى السلطة.
كما انضمّ «الإخوان المسلمون» “الثوريون” على الأرجح إلى جماعات مسلحة مختلفة ظهرت بعد الإطاحة بمرسي، على غرار “لواء الثورة” و”حسم”، التي شنت هجمات مميتة على عناصر من قوات الأمن وعلى المنشآت منذ منتصف عام 2016. وعلى الرغم من أن علاقة هذه الجماعات مع «الإخوان» ظرفية فقط (على الأقل في الوقت الحاضر)، إلّا أنّ أفعالها وحججها تشبه إلى حدّ كبير فصيل محمد كمال، كما أن صفحات التواصل الاجتماعي التي تنشر هجماتها، غالباً ما تروّج لشعارات «الإخوان» والشخصيات التاريخية.
وفي غضون ذلك، صعّد الجناح “الثوري” لـ «الإخوان» مواجهته مع “الحرس القديم”. وفي سلسلة نشرات حملت عنوان “الرؤية 28”، صدرت في وقت سابق من هذا العام، انتقد الجناح “الثوري” قادة حقبة مرسي لإخفاقاتهم المتعددة، من بينها ميلهم إلى مزج السياسة والوعظ؛ وعدم قدرتهم على بناء أرضية مشتركة مع القوى السياسية الأخرى؛ وعدم استعدادهم الكامل للحكم ما أن يستلموا السلطة؛ وقبولهم لدور الجيش في إدارة الانتقال السياسي الذي أعقب انتفاضة عام 2011. ويقيناً، إنها حجة تخدم المصالح الذاتية: فالجناح “الثوري” لـ «الإخوان» ينتقد بشكل فعال “الحرس القديم” لأنه غير ثوري بشكل كاف. لكن المستند ختم بالدعوة إلى إعداد “وسائل وأجهزة” جديدة لمواجهة الحكومة المصرية، مما يعني تشكيل منظمة جديدة لـ «الإخوان» أو اتّباع نهج جديد يكرّس لاستعادة السلطة في القاهرة.
وبالفعل، إن «الإخوان» “الثوريين” على استعداد للمضي قدماً من دون “الحرس القديم” الذي أصبحوا يعتبرونه على نحو متزايد بأنه حمل ثقيل. وفي منشور على موقع “فيسبوك” صدر في وقت سابق من هذا الشهر، ذكّر القائد “الثوري” مجدي شلش، وهو أحد معاوني محمد كمال، زملاءه بأن الهدف الرئيسي لـ «الإخوان» يتمثل بإقامة الخلافة مجدداً وحذّر من أن ذلك لا يمكن تحقيقه طالما استمر الانقسام. ولذلك دعا إلى إجراء انتخابات داخلية جديدة، مشيراً بصراحة إلى أن “ولاية القيادة السابقة قد انتهت بالتأكيد”.
وبطبيعة الحال، لا ترى قيادة “الحرس القديم” – التي ترفض سلطة الجناح “الثوري” رفضاً قاطعاً – الأمور بهذه الطريقة. لهذا السبب، من المرجح أن يستمر الانشقاق داخل «الجماعة» الذي اتسع بعد مجزرة رابعة في ظل وجود شريحة من «الإخوان» تواصل الدعوة إلى شن هجمات عنيفة داخل مصر، وربما تنظيمها أيضاً. ومن شأن كل هذه الخطوات أن تضمن استمرار ضعف «الإخوان» من الناحية السياسية. فلا سبيل للمضي قدماً لمنظمة تخوض حرباً مع نفسها ومع حكومتها.
إريك تراجر هو زميل “استير ك. واغنر” في معهد واشنطن.