ديفيد شينكر
في 23 تموز/يوليو، أطلق حارس أمن إسرائيلي النار على أردنيَيْن في مبنى السفارة الإسرائيلية في عمّان وأرداهما قتيليْن. وفي أعقاب هذه الحادثة، اشتدت حّدة التوترات بين إسرائيل والأردن، الأمر الذي قد يؤدي إلى تطوّر الأزمة الثنائية الأكثر خطورة منذ عام 1997، عندما حاولت إسرائيل اغتيال الزعيم السابق لـ حركة «حماس» خالد مشعل في المملكة الهاشمية.
ولا تزال تفاصيل عملية إطلاق النار غير واضحة المعالم، ولكن يبدو أن نقاشاً حول مبلغ ما، دفع بشاب أردني يبلغ من العمر 17 عاماً ويعمل في تركيب الأثاث إلى محاولة طعن الحارس الإسرائيلي بواسطة مفك براغي. وما كان من الحارس إلا أن ردّ بإطلاق النار مردياً المعتدي قتيلاً إلى جانب أحد المارة الأبرياء. وعلى الرغم من الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها حارس الأمن، رفض الأردن في بادئ الأمر السماح له بمغادرة المملكة إلى حين انتهاء التحقيق، لكنه رضخ في النهاية وغادر جميع موظفي السفارة البلاد. وبعد مرور يوم، استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس الحارس بالعناق علناً، في لقاء وصفه وزير الخارجية الأردني بأنه “عار”.
وفي وقت لاحق، اتصل العاهل الأردني الملك عبدالله بعائلتي الضحية البريء والمعتدي معزياً. وسرّب البلاط الملكي أيضاً الاسم الكامل للحارس إلى وسائل الإعلام المحلية، مما أرغمه على الفرار من منزله في إسرائيل لدواعٍ أمنية. وفي بيان صدر بعد أربعة أيام من حادث إطلاق النار قال الملك عبد الله أن تعامل إسرائيل مع قضية السفارة – والتحقيق الذي لم يتم حله بعد في مقتل أحد القضاة الأردنيين في معبر إسرائيلي في آذار/مارس 2014 – سيكون لهما تأثير مباشر على علاقاتنا”.
يُذكر أن توقيت الحادثة هو الأسوأ بالنسبة إلى العاهل الأردني. فأعمال العنف التي اندلعت مؤخراً بسبب تركيب إسرائيل أجهزة كشف المعادن عند مدخل جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف أدّت إلى قيام تظاهرات معادية لإسرائيل، حيث أغلبية السكان من أصل فلسطيني. والأسوأ من ذلك أنه قبل أسابيع قليلة فقط، حُكم على رقيب في الجيش الأردني [معارك أبو تايه] الذي ينحدر من إحدى أكبر القبائل في المملكة [الحويطات] بالسجن مدى الحياة لقتله ثلاثة جنود أمريكيين من القوات الخاصة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وقد تشبّث المسؤولون الأردنيون بشكل غير مبرر ببراءة الرقيب طوال خمسة أشهر بعد وقوع الحادث. ومنذ ذلك الحين، تحتج قبيلة الحويطات، زاعمةً أن الإدانة هي تنازل ذو دوافع سياسية من قبل البلاط الملكي إلى واشنطن.
وفي الأردن، حيث لا تحظى معاهدة السلام التي أبرمتها المملكة عام 1994 مع إسرائيل بتأييد شعبي حتى الآن، ينظر الكثيرون إلى الإفراج عن حارس السفارة ضمن السياق ذاته – باعتباره تنازلاً سياسياً مناسباً من قبل القصر الملكي.
وذكرت وسائل الإعلام الأردنية أنه لن يتمّ فتح أبواب السفارة الإسرائيلية في عمّان قبل مثول الحارس أمام القضاء. وكان المدعي العام الإسرائيلي قد كلّف الشرطة فتح تحقيق بحادثة إطلاق النار، في وقت ألمحت فيه الحكومة الإسرائيلية إلى أنها تدرس دفع تعويض إلى أسرة الشاب الأردني الذي قُتل عن طريق الخطأ. لكن في غياب أي محاكمة فعلية، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة كافية. وبالفعل، يطالب 80 عضواً في البرلمان الأردني الذي يضمّ 130 مقعداً بإبقاء السفارة الإسرائيلية مغلقة واستدعاء السفير الأردني في تل أبيب. ولن تكون هذه هي المرة الاولى التي تسحب فيها عمان مبعوثها في إسرائيل. ففي عام 2008، غادر السفير الأردني عندما بدأت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة؛ كما سحبت عمان ممثلها [من تل أبيب] خلال الانتفاضة الثانية من عام 2000 إلى عام 2005. وفي الآونة الأخيرة، في عام 2014، غادر كبير الدبلوماسيين الأردنيين [في تل أبيب] إسرائيل بسرعة عندما اندلعت اشتباكات على جبل الهيكل/الحرم القدسي الشريف.
ونظراً إلى الديناميكيات الحالية، فإن مغادرة السفير الأردني تل أبيب في النهاية شبه مؤكدة. ومع ذلك، سيكون فتح السفارة الإسرائيلية في عمّان من جديد أكثر صعوبة، حيث اشترط البلاط الملكي إعادة فتحها بمحاكمة حارس الأمن الإسرائيلي علناً – وبإدانته كما يُفترض.
تجدر الملاحظة أن الأردن حليف أساسي للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. وحتى الآن، كانت العلاقة الاستراتيجية والاقتصادية المتنامية بين إسرائيل والأردن إحد عدد قليل من الأخبار الجيدة في المنطقة. ويكتسي التعاون العسكري المتين وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدولتيْن أهميةً خاصة وكان قد ساعد على تعزيز الحكم الملكي الأردني الذي يواجه تحديات متزايدة على الصعيدين الاقتصادي والأمني. بالإضافة إلى ذلك، ترى إسرائيل علاقاتها المزدهرة حتى الآن مع الأردن (ومصر) شرطاً لا غنى عنه لتطبيع العلاقات مع بقية العالم العربي.
ويعي كل من الأردن وإسرائيل فوائد العلاقة بينهما ويقدرانها، وسيبذلان من دون شكّ الجهود اللازمة من أجل فصل التعاون الاستراتيجي عن التداعيات السياسية. ومع ذلك، كلما طال أمد الأزمة، كلما ازدادت صعوبة هذا التنسيق الهادئ.
ولدى واشنطن أيضاً مصلحة كبيرة في منع حدوث المزيد من التدهور فى العلاقات بين أفضل حليفين لها في المنطقة. ويعزز التعاون استقرار الأردن ويجعل إسرائيل أكثر أماناً ويسهل الحملة الأميركية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. ولكن من غير الواضح، استناداً إلى المواقف المتصلبة على ما يبدو في هذا الخلاف، ما إذا كانت الدبلوماسية الأميركية ستثبت فعاليتها. وبغض النظر عن ذلك، يتعين على إدارة ترامب بذل [كافة] جهود وإرسال دبلوماسي رفيع المستوى – ربما مبعوث الرئيس ترامب لعملية السلام، جيسون غرينبلات، الذي ذكرت بعض التقارير أنه أقام علاقة جيدة مع كلا الجانبين – لمحاولة رأب الصدع. غير أنه مع تدخل الولايات المتحدة أو من دونه، من الصعب رؤية أي حدّ للتصعيد على المدى القريب. وفي ظل تردد إسرائيل في محاكمة حارس السفارة وعدم استعداد الملك عبدالله وربما عدم قدرته سياسياً على التراجع، ستستمر الأزمة لبعض الوقت.
*مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.