“جهاز مكافحة الإرهاب”والحرب الطويلة ضدّ التمرّد المسلح

أفضل ما أنشأته أميركا في العراق
(3ـ 3)
مايكل نايتس
و الكسندر ميلو*

تتمثل الأولوية الثانية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحفاظ على حضور راسخ على مختلف مستويات “جهاز مكافحة الارهاب”. وقد سمح التنسيق الوثيق والتواصل اليومي للمستشارين الأمريكيين بغرس الأخلاقيات المهنية في “الجهاز” حتى عام 2010، وكان هناك ارتباط قوي بين انخفاض قدرة “الجهاز” على مكافحة الإرهاب وانسحاب المستشارين الأمريكيين. وتشمل المستويات الرئيسية التي ينبغي أن يُدرج فيها هذا الحضور ما يلي:
مستوى الوزارة. كون “الجهاز” منظمة جديدة على مستوى الوزارة، ينبغي عليه الآن أن يضطلع بجميع المهام التي كانت تقوم بها وزارة الدفاع بالنيابة عنه، مثل شؤون طاقم العاملين والدعم الطبي والبنية التحتية والنفقات العامة وصيانة المركبات وقطع الغيار. وسيكون لبناء القدرات الدولية على مستوى الوزارة آثار إيجابية متعاقبة عبر المستويات الدنيا لـ”جهاز مكافحة الإرهاب”، وهي أفضل طريقة للحدّ من خطر تسييس قيادة “الجهاز” وانتهاكات حقوق الإنسان من خلال إنشاء العلاقات وآليات الإنذار المبكر. ويمكن للمستشارين الدوليين أن يساعدوا “الجهاز” على تحديث الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب وتطوير عقيدة عراقية لمكافحة التمرد.
لقد تم رفع قدرات “جهاز مكافحة الإرهاب” إلى مستوى عالٍ مع عدد قليل لا يتخطى المائة من المستشارين الأمريكيين الموجودين في مواقع آمنة مثل أكاديمية “الجهاز” للتدريب في “المنطقة الرابعة” في بغداد. وقد احتفظ هؤلاء المستشارين بمستويات المعايير، من خلال حفاظهم على معدلات “فشل” عالية في عمليات الاختيار التابعة للجهاز. وفي المستقبل، سيدرّب “الجهاز” أعداداً كبيرة جداً من الاحتياطيين، مع بقاء عدد أقلّ من مخضرمي “الجهاز” العراقيين لتوجيه العملية، الأمر الذي يشكّل خطراً على المعايير التي يمكن أن تتدنى.
دمج المعلومات الاستخبارتية. سيحتاج “الجهاز” الآن إلى إعادة توجيه تركيز مقره لدمج المعلومات الاستخباراتية في بغداد بعيداً عن الاستخبارات على أرض المعركة ونحو مكافحة الإرهاب، وسيحتاج إلى إعادة بناء شبكته البسيطة لـ “مراكز التنسيق الإقليمية” وشبكات برمجياتها الاستخبارية الداعمة وأقسامها القضائية (لإصدار أوامر اعتقال). ويتعين على التحالف الحفاظ على اتصال مباشر مع مقر “الجهاز” على مختلف المستويات.
“عناصر التمكين” الرئيسية. ستشكل الاستخبارات والنقل الجوي أمراً ضرورياً لتحقيق نوعية الأمن “واسع النطاق” الذي سيضطلع به “جهاز مكافحة الإرهاب” عند ملاحقته تنظيم «الدولة الإسلامية» في المناطق النائية والمخابئ الحضرية السرية. وبسبب الدور الحاسم لهجمات المروحيات فى المرحلة المقبلة من الحرب، يتعين على التحالف إعادة تطوير العلاقات التي كانت وثيقة في السابق بين قسم الطيران التابع للجهاز والجيش الأمريكي.

هل يمكن لـ “جهاز مكافحة الإرهاب” إصلاح “الجيش العراقي”؟
ينبغي أن تكون الأولوية الأخيرة للداعمين الدوليين هي تعزيز العلاقات الوثيقة بين “جهاز مكافحة الإرهاب” والأجهزة الشقيقة لها في وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، وأوساط الاستخبارات العراقية. وبغض النظر عن المنافع المنطقية للتنسيق، ينبغي على التحالف أن ينظر إلى تواصل العناصر وطاقم العاملين وتبادلهم كوسيلة يستطيع من خلالها “جهاز مكافحة الإرهاب” أن يعزز “التفاعل والتبادل” مع مؤسسات عراقية أخرى. وفي الماضي، حرص “جهاز مكافحة الإرهاب” على الاحتفاظ بالعناصر وطاقم العاملين التابعين له ولم يميل إلى إعادتهم إلى وزارة الدفاع (حيث نشأوا في أغلب الأحيان). ونتيجةً لذلك، اعتبرت وكالات أخرى أن “الجهاز” يشكل تهديداً.
والآن يصبح العكس صحيحاً بسرعة، على الأقلّ على مستوى كبار القادة. وفي البحث عن أفضل المواهب لقلب الكوارث العسكرية للعراق، يعتمد رئيس الوزراء حيدر العبادي بشكل كبير على “جهاز مكافحة الإرهاب” لتولي الأوامر الرئيسية. وفي كانون الثاني/يناير 2015، تم تعيين نائب قائد عناصر “الجهاز” التنفيذية الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي لقيادة الحملة الشمالية لتحرير تكريت وبيجي ومن ثم الموصل. وفي أيار/مايو 2015، تم اختيار قائد اللواء في “جهاز مكافحة الإرهاب” اللواء كريم التميمي ليتولى رئاسة قسم الأمن المسؤول عن المركز الحكومي في “المنطقة الدولية” في بغداد. وفي تموز/يوليو 2016، عقب الانفجار المدمّر الذي استهدف منطقة الكرادة الراقية في بغداد، عيّن العبادي اللواء الركن جليل عبد الجبار الربيعي، الذي كان آنذاك مدير المخابرات في “جهاز مكافحة الإرهاب”، رئيساً لـ”قيادة عمليات بغداد” التي تسيطر على ما يقرب من 60 في المائة من إجمالي القوى العاملة من قوات الأمن العراقية. ومؤخراً، تم تعيين اللواء عرفان الحيالي، وهو رئيس”دائرة التدريب والتطوير” في “الجهاز” الذي يشغل منصبه منذ فترة طويلة، وزيراً للدفاع في كانون الثاني/يناير 2017.
وبدلاً من دعم توسيع نطاق “جهاز مكافحة الارهاب” الذي قد يجعل القوات الخاصة العراقية أقل “تميزاً”، يتعين على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مساعدة “الجهاز” ليكون حاضناً للمواهب العسكرية. وقد يعني ذلك تناوب موظفي “جهاز مكافحة الإرهاب” كي يعملوا في وزارات أخرى، وفي “الجيش العراقي” و”الشرطة الاتحادية”. ويمكن أن يساعد هذا التناوب “الجيش العراقي” في تعزيز كتائب المغاوير التابعة له ووحداته الخاصة، وفي اكتساب مهارات في مكافحة التمرد والإرهاب.
وقد يؤدي تبادل العناصر إلى الحدّ من سيطرة الميليشيات على وزارة الداخلية القوية التي تقودها حالياً «منظمة بدر» المدعومة من إيران و”فريق الاستجابة للطوارئ” التابع لها الذي ارتبط مؤخراً بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويمكن أن يستوعب “الجهاز” حتى قوى عاملة من «قوات الحشد الشعبي» وأن يناوب ضباطها من خلال «قوات الحشد الشعبي»، مما قد يقلّل من خطر التوترات في المستقبل بين هذه القوات. ويحتاج “جهاز مكافحة الإرهاب” إلى أن يكون أفضل – وليس أكبر – من الوكالات الشقيقة، وأن يكون نموذجاً للاحتراف والولاء للدستور العراقي.
وتُعتبر الجهود الأمريكية لتطوير قوات الأمن العراقية فشلاً فادحاً ومكلفاً على نطاق واسع، ولكن هناك عنصر واحد على الأقل حقّق نجاحاً مدوياً وهو: “جهاز مكافحة الإرهاب”. ومن بين جميع المؤسسات التي أنشأتها الولايات المتحدة في العراق، كان “جهاز مكافحة الإرهاب” أفضلها إعداداً وفعالية ويمكن أن يبقى كذلك. ويحتاج “الجهاز” إلى دعم أمريكي مستدام إذا ما رغبت الولايات المتحدة فى أن يبقى معلماً دائماً وحياً لآمالها ونواياها الحسنة للعراق.

* مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن. و قد عمل في كل محافظة عراقية وفي معظم المناطق التي يبلغ عددها المائة، بما في ذلك فترات قضاها ملحقاً بـ «قوات الأمن العراقية» و”البيشمركة”، وكان آخرها مع قوة المهام المشتركة – »عملية الحل المتأصل«. أليكس ميلو هو المحلل الأمني الرئيسي في “هورايزن كلاينت آكسس”، وهي مؤسسة للخدمات الاستشارية تعمل مع شركات الطاقة الرائدة في العالم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة