هشام الذهبي: نعمل على نسخة مصغرة من برنامج صنّاع الأمل عنوانه «الحلم الذهبي»

ما زلت محافظاً على الأمل بأن أجد بين المسؤولين مخلصاً يسعى لفعل الخير لهذا البلد
في حديث خصّ به «الصباح الجديد»
بغداد – أحلام يوسف:

هشام الذهبي أحد صناع الأمل، أصبح اليوم اشهر من نار على علم، ليس فقط محليا بل عالميا، لما قدمه ويقدمه من اعمال إنسانية بحتة، أسهم من خلالها بإعادة خلق للأيتام، وأطفال الشوارع الذين لا مأوى لهم، ولا عائل، اليوم يقيم الذهبي ورشة بحث لنسخة مصغرة من برنامج صناع الأمل بعنوان «الحلم الذهبي» وسيكون أيضا بمشاركة الشباب دون سن الـ 25 ليعلنوا عن احلامهم وما يسعون لتحقيقه وعمله بالمستقبل.
وذكر الذهبي في تصريح خص به الصباح الجديد: نعقد هذه الأيام اجتماعات لاختيار اللجنة التي ستكون مشرفة على اختيار الأفضل والأولى منهم بالمساعدة في تحقيق حلمه وستكون هناك احتفالية على خشبة المسرح الوطني لتقديم الدروع المناسبة للفائزين، واليوم نبحث عن إمكانية الإعلان عن مسابقة أولية لتصميم الدرع لأننا لا نريده ان يكون تقليديا، وستكون هناك جائزة أيضا للدرع الفائز والذي سيقع عليه الاختيار ليكون هو عنوان الحلم الذهبي.
هشام الذهبي اخذ على عاتقه مسؤولية التغيير لمستقبل هؤلاء الايتام، وتوفير كل سبل العيش الكريم من اجلهم ليبث بروحهم الأمل بحياة أفضل، واليقين بان الخير داخل البشر ما زال موجودا وبقوة، هو صاحب مشروع البيت العراقي للإبداع.
وقد تحدث الذهبي في لقاء سابق عن البيت العراقي للإبداع الذي اوجده لرعاية الايتام: الفكرة كانت لها مسببات كثيرة لكن السبب الرئيس هو حبي للعراق وغيرتي عليه، كنت اراقب المنظمات التي كانت تعنى بالأطفال المشردين، كنت اراقبهم وهم يتعاملون معهم بإنسانية عالية وبطرق متحضرة، جعلتني اشعر بالحرج لان تلك هي مهمة العراقيين بالدرجة الأولى، فقررت ان ابدأ بمشروع لم يقدم عليه أحد من قبل، كي ابعث رسالة للكثيرين بأن يفكروا ويسعوا للقيام بمشاريع مماثلة لانتشال هؤلاء الاطفال وانتشال الوطن معهم.
عن صعوبة بناء الثقة بينه وبين الأطفال الايتام والمشردين ذكر الذهبي: انا اعلم واعذرهم، فهم لا يستطيعون ان يثقوا بأحد وسط كم من الخذلان الذي احاط بهم، واوصلهم الى الشارع، لذا فقد عمدت على العيش معهم في الشارع، وان اكون حاضراً دائماً معهم، اجمعهم على مائدة فطور منذ الصباح الباكر في أكثر من منطقة، ومنها البتاوين التي أصبح اهلها يعرفون حتى موعد قدومي، لذلك فعندما اكتمل المشروع ودعوتهم ليكونوا جزءا منه لم يترددوا لحظة.
وأوضح الذهبي في اثناء اللقاء صعوبة التعامل مع بعض المشردين والتكيف معهم وعلاج بعضهم من امراض الإدمان وغيرها التي تتسبب بها طبيعة حياتهم: كنا نتعامل مع الاطفال المشردين قبل عام 2007، اذ حصرنا تعاملنا مع الايتام، وهذا لا يمنع ان نتعامل مع الاطفال المشردين لكن بحالات خاصة، فبعض المدمنين يحتاجون الى مصحات، اما من نتعامل معهم فهم حالات ابسط كالمدمنين على السيجار، او الكحول، بنحو نستطيع معهم ايجاد حل للتخلص من الإدمان، آخر خمسة اطفال جلبتهم الى البيت كانوا يعانون من الادمان والجرب، وهو مرض منتشر بين جميع اطفال الشوارع تقريباً، فخصصنا غرفة عزل يتوفر فيها جميع الوسائل الترفيهية، ويتم اعطاؤهم العلاج الطبي المناسب، اضافة الى تعريضهم الى اشعة الشمس .
وتابع الذهبي حديثه عن طبيعة التعامل مع الايتام في البيت العراقي: خلال الاسبوع الأول هناك باحث اجتماعي يلتقيهم، كي تتم تهيئتهم للاندماج بمجتمعهم الجديد، وبعد نحو اسبوع اي بعد اسبوعين على تواجدهم هنا ستكون لهم مشاركة غنائية بعد التدريبات التي حصلوا عليها، بمهرجان بازار الانامل الذهبية، وهو معرض وبازار على قاعة نقابة الاطباء، فهناك مجموعة من اللوحات وهي اعمال فنية بالطين الاصطناعي، واخرى اشبه بإعادة تدوير للنفايات بنحو فني جميل، وقد حصلت بعض اللوحات على جوائز من اميركا، ولبنان، وقمنا ببيع تلك اللوحات فيما بعد، والتبرع بمبلغها للأطفال النازحين.
وبحكم تخصصه بعلم النفس فقد ابتكر الذهبي برنامج العلاج النفسي للأطفال، من خلال التركيز على مواهبهم، وطرحها امام المتخصصين في أميركا والمانيا، وحصل على شهادة من اميركا بمجال التعليم الخاص، وشهادة خبرة من الجامعة التطبيقية الاجتماعية هناك، وقام بتطبيقها على الاطفال هنا، واستطاع ان يغير حالتهم من اطفال مهمشين يعدّون عالة على المجتمع، الى اطفال مبدعين لهم دور فعال ومثمر.
وتابع الذهبي حديثه في زاوية الابداع: هناك ممثلون مسرحيون، وعازفون يتمرنون في مقر الفرقة السيمفونية العراقية بقيادة المايسترو كريم وصفي، وانا اليوم قد وصلت الى قناعة بان كل الاطفال في الشارع هم مبدعون، وانا على استعداد لان اضمن الحصول على جوائز عالمية بهم، لكن عندما تتوفر البيئة المناسبة التي تساعد على تنمية الابداع والمواهب لديهم، لانهم ساعتها سينظرون الى انفسهم نظرة صحيحة، وليست نظرة دونية مثل نظرة المجتمع الذي دائماً يحاسب ويعاقب الضحية، وليس الجناة، وهذا الموضوع جعلته عنواناً لكتابي الثاني «اطفال الشوارع ضحايا ام جناة» بعد كتابي الاول المعنون «هؤلاء جعلوني انسانا « والذي يدرس حالياً بإحدى الجامعات الاميركية، اما كتابي الثاني فسيتوفر في السوق لكن باللغة الانجليزية.
وعن سؤالنا عن اهالي الايتام او المشردين وعن إمكانية التواصل معهم ذكر الذهبي: في السنين الماضية كانت هناك روابط اسرية قوية، لكن اليوم وبسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة اصبح اي فرد بأية عائلة، لا يستطيع تحمل نفقات احد آخر، حتى وان كان ابن اخيه او اخته، فكيف ان علمنا ان اغلب هؤلاء الاطفال كانوا يعيشون مع اهاليهم في العشوائيات، المشكلة ان الطفل هناك لا يأخذ حقه من ذويه، لأن الاب يتعامل باستخفاف مع أبنائه، فهو يقيم في بيته بغض النظر عن طبيعة البيت، ويطلب من اولاده الخروج الى الشارع ليقوموا هم بتوفير لقمة العيش للعائلة، مع ان الاب يمكن ان يكون شاباً، او رجلاً كبيرا لكن بصحة جيدة، وهناك اكثر من حالة اختاروا ان يكون الشارع ملجأهم بسبب التفكك الاسري، اذ كانت حياتهم اشبه بسجون تعذيب، فهناك حروق وآثار لآلات حادة، وهناك من اصيب بكسر بيديه، واحدهم قد قطعت احدى اذنيه، وانا اتعامل مع هؤلاء معاملة خاصة اكثر من اليتيم، وللأسف مع كل تلك المشكلات، ليس هناك حلول في الأفق، لان مشكلتنا كمجتمع يحاول ان يخفي بعض المظاهر المسيئة، او المشكلات، بحجة اننا مجتمع عشائري محافظ، لكن ذلك لا يعني ان المشكلة انتهت، بل العكس فهناك الكثير من المشكلات تفاقمت بسبب عدم الاعتراف بها، فكيف يمكن ان نبحث عن حل لمشكلة نحن نرفض الاعتراف بها.
وهناك مشكلة اخرى تدفع بالطفل للجوء الى الشارع تطرق اليها الذهبي: هناك بعض المشكلات الاسرية، وقد تكون المشكلة بالعقوبة التي يمكن ان تلحق به بسبب بعضها، وقد استطعت ان احل بعض تلك المشكلات، وان اعيد الطفل الى بيته وعائلته.
وعن الداعمين للمشروع والمساعدات التي يتلقاها البيت العراقي للإبداع أوضح الذهبي: هناك تاجر في جميلة والشورجة يقدم للبيت الارزاق الجافة، ونحن بنحو عام نفضل الدعم او التبرع بالمواد العينية، اما ما يخص الدعم المادي فنحن لدينا عدد من الاصدقاء المقربين الذين يعرفون حاجة البيت، من دون ان نطلب منهم، اضافة الى عدد من الاهالي الذين أصبحوا جزءا من البيت.
ومن ضمن النشاطات التي تقدم في البيت العراقي للإبداع والمساعدات التي تقدم للأطفال معنويا وصحيا، هناك قاعة للموسيقى، والخياطة، وصالون حلاقة، وعيادة استشارية مع باحث اجتماعي، وقاعة للرسم، وصالة للحاسبات، والمطبخ، وكل تلك الصالات مسؤولون عنها أطفال: الطباخ هنا هو شاب بعمر 17 عاما، وان تيسرت اموره وحصل على عمل خارج البيت، فسيكون ملزما عندئذ ان يقوم بتعليم اثنين من الأطفال الاخرين ليقوموا بدوره، وقد زوجت اثنين من اخوته قبل فترة طويلة، وهناك واحد آخر من اخوته ينتظر ان يدرس بإحدى جامعات بغداد.
كلنا متفقون على اننا مجتمع تسيره العديد من التقاليد والأعراف التي عفى على الكثير منها الزمن، لكن الكثير ما زال متمسكا بها ومصرا على ممارستها، وفي ظل مجتمع كهذا فمن الصعب جدا ان يقتنع اهل البنت بزواجها من شاب تربى بدار مخصص للأيتام فكيف للذهبي اقناع هؤلاء الأهالي بالقبول والموافقة بتزويج بناتهم من الشباب الذين اواهم في بيته العراقي للإبداع، يقول: لقد استطعت ان اغير نظرة المجتمع الى اطفال الشوارع، فنظرتهم اليوم ليست كما كانت عليه قبل عشر سنين، هناك رسائل على الفيس بوك يسألوني عن الطريقة الصحيحة بالتعامل مع هؤلاء الأطفال، ويسألوني النصيحة، وهذا شيء عظيم، ان المجتمع بدأ يعي المشكلة، ويسعى للتخلص منها، واليوم هناك البعض منهم طرق باب «البيت» ليطلب تزويج ابنته من احد الشباب، بما فيهم اختي، واحيانا يطلبون تزويج بناتهم من احد معين، بسبب ما لمسوه من اخلاق عالية وادب جم .
طرق هشام الذهبي أبواب المسؤولين كي يمنحوه مبنى الأسواق المركزية المهجور، ليحيله الى مبنى متكامل لرعاية هؤلاء الايتام، وليوفر لهم مكانا أوسع واكبر لرعاية عدد اكبر منهم، إضافة الى انه كان يخطط لجعله دارا للإيواء، يضم دارا للسينما، وساحات العاب، وأيضا أسواق يتم فيها عرض نتاجات الأطفال من الاشغال اليدوية، لكن كل المسؤولين الذي توسم بهم شيئا من الخير، كان جوابهم موحدا وقد تكون تلك الأمور هي الوحيدة التي يتفق عليها المسؤولون جميعهم من دون استثناء، هو خيبة الأمل.. اتصلنا بالذهبي وكنا نتأمل بعد هذه المدة ان يكون الحال قد تغير نحو الاحسن، لكنه ذكر ان الحال كما هو، لم يطرأ عليه أي تغيير: ما زال الموضوع كما هو لم يتغير شيء خلال تلك السنين، وما زلت لم ايأس من أجد اذانا صاغية، وروحا عراقية حقيقية تسعى لفعل الخير من اجل أبناء العراق، لأكمل مشروعي وحلمي الذي هو حلم كل الأطفال اليتامى.
انت وصي لأربعة اطفال، اود ان اسال عن امكانية تبني بعض الاطفال من البيت وهل حدث ذلك بالفعل لبعض منهم؟
– التبني انا رفضته تماما بعد ما حصل مع الكثير من الاطفال الذين عانوا من قبل المتبنين ، والسبب هو طبيعة مجتمعنا وشرحت ذلك بنحو مفصل من خلال الكتاب، هناك ستة اطفال رجعوا للدار بعد ان قامت بعض العائلات بتبنيهم، ومن ثم اساءة معاملتهم، لكني اؤيد فكرة وطرحتها على الوزير، بإعلان حاجة طفل بمواصفات معينة للتبني ، من قبل عائلة ايضاً بمواصفات معينة، مقابل اجر حكومي، وتتقدم العائلات وبتم اختيار افضل الموجودين من حيث البيئة والمكان، وتقطع الاعانة في حالة اشتكى الطفل من المعاملة السيئة، فهذا اولا سيحث العائلات ان تتعامل بنحو جيد مع هؤلاء الاطفال، وسيشجع عائلات اكثر على المشروع، وقد يتم الاستغناء عن دور الايتام التابعة للدولة بعد عدة سنين، وسيتلخص دور المعنيين باستحداث لجان للمتابعة والمراقبة للطفل المتبنى ، فحينها سيعيش الاطفال في كنف عائلات مما يعزز ثقتهم بنفسهم ويجعلهم ابناء صالحين في بيئة صحيحة، فانا ضد فكرة دور الايتام لان اليتيم مثله مثل اي شخص آخر، لماذا هذا التمييز السلبي، وهذا ما دعاني لان اسمي الدار «البيت العراقي للإبداع»، وعلي ان اذكر هنا ان هناك بعض الاطفال والشباب من البيت يقومون بمساعدة الاطفال النازحين والفقراء، لذلك فحتى المثل القائل «فاقد الشيء لا يعطيه» مثل اثبت عدم صحته بهؤلاء الاطفال.
كيف تتعاملون مع الاطفال الأميين والذين وصلوا الى مراحل عمرية متقدمة نسبيا؟
– هناك بعض الأطفال بعمر العشر سنوات او اكثر او اقل بقليل، هؤلاء ندخلهم بمدارس اليافعين وتكون الدراسة بها بنظام التقليص أي ان كل سنة دراسية تنتهي بعد سنة واحدة، الاول والثاني يعد سنة واحدة، والثالث والرابع يعد سنة واحدة ايضا، وهكذا الى ان تنتهي مرحلة الابتدائية ويكون عمره مناسبة للبدء بالدراسة المتوسطة، وقد حصلت على استثناء من وزارة التربية لهؤلاء الاطفال لانهم لا يملكون اوراقاً ثبوتية كهوية الاحوال وغيرها، فكانت دراستهم بضمانة شخصية مني، المشكلة ان احد هؤلاء الشباب وصل الى المعهد ولا يمتلك تلك المستندات مع اني قدمت دعوى اطالب بها بتبنيهم كي امنحهم اسمي ويستطيعون الحصول على هوية وشهادة جنسية وغيرها من الاوراق على أمل ان احصل على الموافقة لأنها بنحو عام تفيد فرداً من ابناء هذا الوطن.
هشام الذهبي انموذجا راقيا، نفخر به، لأنه مسحة النور التي تزيح الظلام، ولأنه الخير الذي يعلن من خلاله ان العراق ما زال بلد الطيبة والكرم، وان كل الأفكار المتطرفة لم تطل أصحاب العقول المتنورة والمتحضرة، فلم يسأل الذهبي عن هوية اليتيم القومية، او العرقية، او الدينية، او المذهبية، بل تعامل مع موضوع المساعدة تعاملا إنسانيا، وامنيتنا ان نترفع جميعنا مثله ونبقي على انسانيتنا التي كادت ان تضيع وسط المسميات المتخلفة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين افراد شعبنا.
يذكر ان هشام الذهبي فاز بجائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «صنّاع الأمل» مع خمسة مشاركين آخرين. وقدّم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي، مكافأة مالية بقيمة مليون درهم لكل واحد منهم، لتبلغ قيمة جائزة “صنّاع الأمل ” 5 ملايين درهم، وهي بذلك تكون جائزة العطاء الأكبر من نوعها في العالم، وذكر الذهبي انه ان لم يحصل على الدعم لجائزة الحلم الذهبي المستقبلية فهو مستعد لان يتحمل نفقات الجوائز بنفسه تشجيعا منه للشباب الموهوب والحالم والواعد.
جاء ذلك خلال الحفل الذي أقيم في «مدينة دبي للاستديوهات» لتكريم صنّاع الأمل وتتويج الفائز الأول على مستوى الوطن العربي من بين أكثر من 65 ألف “صانع أمل” تقدموا للمشاركة في مبادرة “صنّاع الأمل”، المبادرة الأكبر من نوعها عربيًا لتكريم أصحاب العطاء في الوطن العربي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة