الحلقة 1
الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته والموسوم “الأمير عبدالاله، صورة قلمية” سبقته مجموعة من الكتب عن الموضوع ذاته منها : –
١. الامير عبدالاله: ١٩٣٩/ ١٩٥٨ لمؤلفه د.عبد الهادي الخماسي، وهو بالأصل اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، عمان ٢٠٠١
٢. الأمير عبد الاله شهيدا في العراق لمؤلفه صفوت فاهم كامل، عمان ٢٠١٦
٣. الامير عبدالاله لمؤلفه د. غزوان غناوي، عمان ٢٠١٧ (وهو الكتاب الذي قدم له د. شوقي ناجي جواد في حفل توقيع جرى في قاعة الاورفلي في شهر اذار ٢٠١٧
والكتب الثلاثة اعلاه اعتمدت صيغة البحث استنادا الى المراجع المتاحة ومذكرات الساسة العراقيين والمقابلات الشخصية. بخلاف الكتاب الذي نحن بصدده الذي اعتمد على تجربة المؤلف كما خبرها هو شخصيا عند عمله في البلاط الملكي سكرتيرا خاصا للملك والامير خلال المدة ١٩٥٧/١٩٥٨. وتتجلى في طيات الكتاب صورة قلمية للأمير عبدالاله كما رآها المؤلف خلال عمله بمعيتهم ومن خلال التماس المباشر بالعائلة الهاشمية المالكة وبالتالي فهو يقدم تحليلاً دقيقاً لشخصية الامير عارضا الجوانب الانسانية في سلوكه التي قد تخفى عن الكثيرين، كما يرصد ردود افعاله العفوية تجاه الاشخاص والاحداث اليومية .
1. تعامل الوصي على العرش مع احداث مايس ١٩٤١
تعد حركة مايس والمعروفة بحركة رشيد عالي الكيلاني مفصلية في تاريخ الامير سواء من حيث تعامله معها او من حيث النتائج التي افضت اليها، ونعرض هنا بنحو مختصر حركة الكيلاني وكيفية تعامل الوصي ازاءها:
احداث مايس ١٩٤١ ,و المعروفة بحركة رشيد عالي الكيلاني، هي الحركة التي اطلق شرارتها رهط من الضباط المغامرين، العقداء الاربعة والمشار اليهم كذلك بـ “المربع الذهبي” وهم صلاح الدين الصباغ، فهمي سعيد، محمد سلمان وكامل شبيب، من اسقاط الحكومة الشرعية التي كان يرأسها الفريق طه الهاشمي واجبار اعضاءها واركان النظام على الهرب الى البصرة (الامير عبدالاله، نوري السعيد، جميل المدفعي …الخ) واعلان ما يعرف بـ “حكومة الانقاذ الوطني” برئاسة الكيلاني . كانت من اولى الخطوات التي اتخذتها دعوة مجلس الامة (البرلمان) للانعقاد، حيث صوت المجلس بالإجماع على اقالة الوصي على العرش وتنصيب الشريف شرف (والد رئيس الوزراء الاردني لاحقا الشريف عبدالحميد شرف المتوفي عام ١٩٨٠) وصيا على العرش مكانه.
لاقت الحركة الوطنية قبولا شعبيا عارما بوصفها حركة مناوئة للإنكليز من دون ادراك لتداعياتها الخطيرة.
كانت اتون الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩ ـ ١٩٤٥) ما تزال اوارها مشتعلة على جميع جبهات القتال. انحاز زعماء الحركة لألمانيا الهتلرية ـ دول المحور ـ في ظنهم ان المانيا النازية التي دغدغت مشاعر العرب بإعلانها الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني في مطالبه المشروعة بوطن بعد استقبالها بحفاوة بالغة لمفتي القدس الشيخ امين الحسيني ـ وهو لاعب فاعل في حركة الكيلاني ـ هي في طريقها لتحقيق النصر المؤزر على “الحلفاء” بعد ان غزت المانيا روسيا في حزيران ١٩٤١.
الا ان حسابات “الحقل” لم تتطابق مع حسابات “البيدر” بانتصار الحلفاء الكاسح في نهاية المطاف.
تحفظت الحركة الوطنية بشدة على احد بنود المعاهدة العراقية ـ البريطانية لعام ١٩٣٠ والتي تسمح بمرور القطعات العسكرية البريطانية عبر اراضيها في طريقها الى الهند. استشاط الانكليز غضبا لذلك وقاموا باحتلال البلاد من جديد ـ معركة سن الذبان ـ ودك الطيران الحربي الملكي البريطاني RAF العاصمة بغداد بعد ان كان العراق قد تمكن بجهود رجاله من الرعيل الاول ـ الملك فيصل الاول ـ من نيل استقلاله بعد انتهاء فترة الانتداب البريطاني وقبوله عضوا في عصبة الامم عام ١٩٣٣.
انهارت حركة مايس بعد شهر من اندلاعها وهرب زعماءها الى ايران.
عاد الوصي، الامير عبدالاله الى البلاد بعد انهيار الحركة. القي القبض لاحقا على زعماء الحركة من الضباط وسيقوا الى المحاكم العسكرية التي قضت بإعدامهم.
اعلنت الاحكام العرفية في البلاد لحين وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها وتشكيل حكومة توفيق السويدي عام ١٩٤٦ التي اخذت على عاتقها صيانة الحريات العامة والاحتكام الى المواد الدستورية (القانون الاساسي)
جاء اعدام “العقداء الاربعة” نذير شؤم ليدق اول اسفين في نعش النظام اذ تسببت في خلق نقمة كبيرة بين صفوف ضباط الجيش (الضباط الاحرار لاحقا) ليبلغ الاستياء اوجه صبيحة ١٤ تموز ١٩٥٨, حين اطيح بالعائلة المالكة في مجزرة قصر الرحاب إيذانا بولادة النظام الجمهوري.
هناك من يحمل الامير عبدالاله المسؤولية لما آلت اليه الامور، لا سيما في قسوة تعامله مع ضباط الحركة، خلافا للنهج الذي سار عليه العاهل الاردني الملك الراحل حسين بن طلال في تعامله مع المتآمرين (حركة ابو نوار الفاشلة) اذ بعد ان حكم عليهم بالإعدام خففت احكامهم ليتم اطلاق سراحهم لاحقا ولينقلبوا الى اشد المدافعين عن النظام الملكي الهاشمي.
ان اتهام الامير عبدالاله بـ “اللؤم” كما ينعته خصومه هو تعميم فضفاض. يروي لنا الاستاذ عطا عبد الوهاب، السكرتير الخاص للمغور له الملك فيصل الثاني والامير عبدالاله عن لقاء جمعه بالامير عبدالاله في واشنطن عام ١٩٥٢ ـ اثناء الزيارة الرسمية للملك والامير الى الولايات المتحدة ـ اذ سأله الامير ـ كان عطا عبدالوهاب يعمل في حينه في المندوبية الدائمة للعراق في الامم المتحدة ـ كيف تنظرون لي انتم الشباب؟ فأجابه “نحن الشباب نعدك لئيما! فاعتدل الامير في مجلسه مجيبا: انا لئيم؟ كيف هذا وانا اعدت للخدمة العديد من رجال رشيد عالي الكيلاني ـ موسى الشابندر(وزير خارجية الكيلاني الذي عين سفيرا في امريكا) علي محمود الشيخ علي , ومحمد علي محمود ومحمد حسن سلمان. حرام عليكم يا معشر الشباب!
( ص 27-28 )
٢. صورة الملك والوصي في ذهن المؤلف
كان المؤلف يحمل صورة سلبية جدا عن الملك والامير (ص٢٥) فالملك صبي مغلوب على امره وقد لا يرى اليوم الذي يتوج فيه، والصورة التي حملها عن الامير انكى بكثير فقد كنا نقول عنه في مجموعتنا، مجموعة الغلاة في بغداد انه تآمر على العرش (الاشارة هنا الى مقتل الملك غازي عام ١٩٣٩ بعد اصطدام سيارته بعمود كهرباء) وانه لا يعرف من شؤون الدنيا الا ملذاته، حلالها وحرامها، ،وانه العوبة بيد الغير.
الا ان الصورة سرعان ما تبددت بالنسبة الملك “فقد كشفته شابا دمثا سريع البديهة وممتلئا بآمال الخدمة العامة”.
اما صورة خاله الامير “ وهو لا يدخل القلب راساً فقد خبرته عند العمل بمعيته انه رجل دولة من الطراز الاول همه الاول هو تربية الملك الطفل حتى اوصله ملكا عام ١٩٥٣ كما وجدته ملما بشؤون البلاد والعباد ومطلعا على نواحي الاعمار بجميع تفاصيلها وهو يتمتع بذكاء البداوة الفطري.”
٣. العمل في البلاط الملكي
كان يحدوني الامل عند الالتحاق بالعمل في البلاط الملكي سكرتيرا خاصا للملك والامير تطبيق فلسفة قوامها تطبيق الدستور بجميع بنوده تطبيقا سليما بحيث ان الملك يملك ولا يحكم والاحزاب مجازة والصحافة حرة والحريات مصانة والوزارة تتألف من حزب الاغلبية الذي تفوز بانتخابات حرة نزيهة كأنني استمرئ احلام اليقظة وهو يجري وراء سراب.
قضية كامل الجادرجي: الا ان ما كان يؤرقني هو وجود زعيم المعارضة كامل الجادرجي، زعيم الحزب الوطني الديمقراطي، خلف القضبان. وكنت كلما سنحت الفرصة اكلم الوصي بضرورة اجراء تسوية بين الحكومة والمعارضة يتنازل فيه الجانبان عن سقف مطالبهم العالية. كان الامير يصغي بامعان، بيد انه كان يضيف “لو ان الشعب العراقي يدرك المصاعب والتحديات التي نواجهها كان قد اعذرنا.”
وبالعودة الى الجادرجي، كان الاخير قد ابرق من القاهرة برقية إبان العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ مفادها ان الحكومة العراقية ضالعه في مساندة اسرائيل من خلال ضخ النفط عبر ميناء حيفا وعندما اتضح بطلان ذلك احيل الجادرجي الى المحكمة التي حكمت عليه بالسجن لمدة ٣ سنوات. كنت اثير هذا الموضوع باستمرار مع الامير وقد شعرت بارتياح كبير عندما أطلقت حكومة احمد مختار بابان سراحه في اواخر حزيران عام ١٩٥٨ اي قبل ثورة تموز بحوالي اسبوعين. وقد ساورني شعورا بأن خطتي في اجراء التسوية المنشودة قد تكون قابلة للتنفيذ وقد تأتي أوكلها. ( ص 46 – 53 )