قدرنا ان نختلف في كل شيء من باب ان الاختلاف رحمة ! وكأننا نختلف من اجل الاختلاف نفسه لننعم برحمته ! بصرف النظر عن الاسباب فيما اذا كان اختلافنا رحمة ام نقمة ! .. وهكذا كان الاختلاف سيد الساحة منذ اللحظات الاولى التي تلت صدور فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي ومن ثم تشكيل الحشد الشعبي الذي ادى دوراً عظيماً في اعادة التوازن إلى المشهد العراقي بعد الانهيار المريع والتداعي الخطير لدرجة تهديد وجود العراق بعد احتلال الدواعش لمدينة الموصل وإعلان ماسمي بدولة (الخرافة) .. ففي غضون ساعات احتشد المتطوعون، متوجهين من فورهم إلى ساحات القتال حيثما وجد الخطر الداعشي ، وحينها كان الدواعش يهددون آمن العاصمة بغداد .. وفي بداية الامر كان دور الحشد دفاعياً عن العاصمة وبعض المفاصل الحساسة بالدرجة الاساس لحين ترتيب الاوراق والبدء بخطة جديدة تعيد الهيبة للبلد ، ومع بدء الحشد الشعبي لفعالياته القتالية ، الدفاعية بدأت الاصوات تعلو هنا وهناك من خلال ماكنة اعلامية هائلة مهمتها تشويه صورة هذا الفعل العراقي الخالص وبناء صورة ذهنية لدى الناس بأن هؤلاء المتطوعين هم عبارة عن ميليشيات جاءت بهدف الانتقام من خلال القتل والتدمير والسرقة !!، وهم ليسوا سوى عصابات مسلحة خارجة على القانون وليس بإمكان الحكومة ضبطها او السيطرة عليها !! .. ولكن بمرور الزمن تمكنت فصائل الحشد الشعبي من اظهار الصورة الحقيقية للفعل ومحو الصورة السلبية التي رسمها المرجفون ، اذ لمس الناس في المناطق التي يتم تحريرها التعامل الانساني الذي يطبع افعال هؤلاء المتطوعين ، .. ثم جاء بعد ذك القانون رقم 40 لسنة 2016 الذي قضى بان تكون هيئة الحشد الشعبي جزءاً من القوات المسلحة العراقية وترتبط بالقائد العام، وبهذا قُطع الطريق امام الذين يتحدثون بعدم شرعية الحشد وقانونيته .. وإذ انطلقت معارك التحرير ابتداء من جرف الصخر وصلاح الدين والانبار وصولا إلى نينوى كان الحشد الشعبي لاعبا اساسيا وجهدا حاسما في سير المعارك، الامر الذي اعطى القوات الامنية الاخرى زخما معنويا كبيرا اسهم في هزيمة داعش في وقت ومدة زمنية لم يكن يتوقعها حتى خبراء قوات الدول المتحالفة ضد الارهاب ومنها الولايات المتحدة الاميركية.
اليوم ، ونحن على اعتاب مرحلة جديدة تفصل بين زمنين ، الاول ظهور داعش واحتلالها للأرض وتدمير البنى التحتية ثم التحرير ، والثاني مرحلة اعادة البناء التي تتضمن اعمار المناطق المحررة والعمل على شيوع الاستقرار ومحاربة الفساد ، فما هو دور الحشد الشعبي في المرحلة المقبلة ؟ لاسيما انه اصبح مؤسسة حكومية ، فمرحلة القتال انتهت والأرض تحررت والحرب وضعت اوزارها ، بفضل بطولات ودماء ابناء الحشد وجميع قواتنا الامنية الاخرى ، فهل سيتم تسريح المقاتلين الذين انضموا إلى الحشد ؟ .. ام سيجري العمل على الاستفادة من تلك الطاقات الشبابية الكبيرة ، .. اعتقد انه ليس من المناسب تسريحهم في ظل الظروف الحالية ، لذلك، ينبغي العمل على زجهم في عملية البناء والأعمار وهم على استعداد للقيام بهذه المهمة ، فمن ضحّى بدمه من اجل التحرير من المؤكد انه مستعد لبذل عرقه من اجل البناء .. القضية تحتاج إلى العمل بجدية لأن يكون الحشد الشعبي رقما ايجابيا في معادلة البناء، كما كان رقما مؤثرا في معادلة التحرير وتحقيق النصر الكبير.
عبدالزهرة محمد الهنداوي
الحشد .. بين معادلتي التحرير والبناء
التعليقات مغلقة