تطوير الحقول الحدودية واستغلال الغاز الطبيعي في ذي قار
1ـ2
احمد موسى جياد
تم في الايام القليلة الماضية نشر بعض المعلومات عن وزارة النفط تتعلق بموضوعين او مشروعين مهمين كل منهما له تأثير مباشر وفاعل على الاقتصاد العراقي وعلى المصلحة الوطنية؛ حيث يتعلق الاول بالحقول الحدودية مع كل من ايران والكويت، والثاني يتعلق باستغلال الغاز الطبيعي المصاحب من حقلي نفط الناصرية والغراف في محافظة ذي قار. وكانت مصادر هذه المعلومات هي
1-بيانات المكتب الاعلامي للوزارة المتعلقة بزيارة وزير النفط الى محافظة ميسان.
2- مقابلة مدير عام دائرة العقود في الوزارة عبد المهدي العميدي مع تقرير نفط العراق (اى او ار) ونشرت بتاريخ 10 تموز
3- بيان المكتب الاعلامي للوزارة المؤرخ في 11 تموز
4- الاعلان المصحح للمديرية العامة للعقود في الوزارة المؤرخ 12 تموز
5- بيان المكتب الاعلامي للوزارة المؤرخ في 13 تموز المتعلق بموضوع الغاز المصاحب وغيرها من المصادر الرسمية التي يشار اليها في سياق البحث.
بعد الاطلاع وبدقة على ما ورد في المصادر المذكورة اعلاه تم تحليل ما يتعلق بكلي المشروعين وبيان الملاحظات وتشخيص النواقص والعيوب والسلبيات وتقديم المقترحات والبدائل العملية التي امل ان تنال اهتمام الوزارة وخاصة تلك التي تتعلق بالجهد الوطني في تطوير الحقول الحدودية وصيغة العقود ومكوناتها وعملية التعاقد. كما تم تشخيص بوضوح مدى وانعكاسات انعدام التنافسية والشفافية والتي تقود بالضرورة الى التشكيك في نزاهة العملية التعاقدية. ولابد من التذكير ان الدستور العراقي يؤكد على امرين اساسيين لهما علاقة مباشرة بهذين المشروعين: الاول يتعلق بتحقيق «اعلى منفعة للشعب العراقي» و الثاني اعتماد «احدث تقنيات مبادئ السوق»؛ وفي ضوء ما تم عرضه وتحليله في ادناه يتضح ان الوزارة لم تمتثل لهذه المتطلبات الدستورية الملزمة.
الموضوع الأول: تطوير «الرقع الاستكشافية الحدودية «
حسب بيان الوزارة اعلن وزير النفط «اطلاق مشاريع لاستكشاف وتأهيل وتطوير انتاج تسعة من الرقع الاستكشافية والحقول النفطية الحدودية البرية والبحرية في جنوب ووسط العراق. وقال وزير النفط ان عملية التطوير والتأهيل تشمل الرقع الاستكشافية ( خضر الماء وجبل سنام وام قصر) التي تقع على الحدود العراقية الكويتية ، كما ستشمل مشاريع التأهيل الرقع الاستكشافية الواقعة على الحدود العراقية الايرانية وهي (رقع السندباد والحويزة والشهابي وزرباطية ونفط خانة)»،» اما الرقع الاستكشافية البحرية فقد شملت رقع الخليج العربي التي تقع ضمن المياه الاقليمية العراقية في الخليج»
قبل البدء في تقييم المضامين الاساسية في اعلان وتوجهات الوزارة بهذا الشأن ارى من الضروري توفير مقدمة موجزة حول خصوصية واولوية تطوير الحقول الحدودية.
انني ادعم بشدة قيام العراق بتطوير حقوله الحدودية بغض النظر عن «الجدوى الاقتصادية المقارنة» التي تحدد اولويات تطوير الحقول والمفاضلة بينها والتوقيت الزمني لها. والسبب يعود في الاساس الى مبدا او «قاعدة الاستحواذ-رول اف كابتجر» الذي عادة ما يحكم تطوير مثل هذه الحقول (ليس فقط بين الدول بل حتى بين الرقع الاستكشافية والحقول المشتركة في الدولة الواحدة) في حالة عدم وجود او الاتفاق على صيغة «الوحدانية- يونيتايزشن».
ومن الممارسات المعروفة دوليا ان الجهة التي تقوم بتطوير الحقل المشترك قبل (او بدون التعاون مع) غيرها فان عملية التطوير تستند على استراتيجية تعاظم الانتاج (ماكسمايزيشن) باقصر فترة زمنية مما يضمن استخراج اكبر كمية من الاحتياطي المؤكد (بروفن رزيرف) دون اعتبار لمبادئ «نسبة الكفاءة القصوى-ام اي ار» و»الادارة الحكيمة للمكامن البترولية» او تعزيز «معامل الاستخلاص- ركوفري فاكتر» في المديين المتوسط والبعيد. كما يتم اضافة الى ذلك اللجوء الى اسلوب الحفر المائل والحفر الافقي للتوغل اكثر في المكمن لتسريع وتائر الانتاج وزيادته. ومن المنطقي ان تقود هذه الاستراتيجية الى نتائج سلبية على المكمن البترولي وخاصة ظاهرة «النضوب غير الناجز او المبكر – بري متجور دبليشن» مما يعني بقاء كميات كبيرة من الاحتياطي في المكمن ولكن لا يمكن استخراجها الا باستخدام تكنولوجيا متقدمة وبتكاليف عالية جدا مما قد يلغي الجدوى من استخراجها.
ولتجنب الخسائر او النتائج المترتبة على التطوير احادي الجانب للحقول المشتركة يتم اللجوء عادة الى البدائل التالية:
التطوير التنافسي المتبادل؛ اي تطوير احادي الجانب المتبادل (من قبل الطرف او الاطراف المعنية بالحقل المشترك او الرقع المتجاورة ذات التراكيب او الطبقات الجيولوجية المشتركة). وبموجب هذا البديل فان كل طرف يتبنى استراتيجية تنافسية وما يترتب من نتائج على المكمن البترولي (كما ذكر اعلاه). وعادة ما تكون الحقول الحدودية المشتركة اساسا للخلافات الدولية والامثلة على ذلك عديدة ومنها ما حصل بين العراق وايران والكويت. وفي حالة الرقع المتجاورة ضمن البلد الواحد يتم عادة اللجوء الى الاجراءات القانونية لمعالجة التجاوزات كما حصل في الهند في شهر تشرين الثاني 2016؛ حيث طلبت الحكومة الهندية من الشركات التي تطور احدى الرقع البحرية مبلغ 1.55 بليون دولار عن «الغاز الطبيعي الذي هاجر الى هذه الرقعة من الرقع المجاورة».
التطوير التعاوني المشترك؛ اي موافقة الاطراف المعنية على التطوير المشترك وخاصة من خلال تبني صيغة «الوحدانية- يونيتايزشن» والتي يعهد بهى الى شركة نفطية متخصصة يتفق عليها من الطرفين ووفق عقد ثلاثي (على الاقل) الاطراف. بموجب هذا البديل يكون تطوير الحقل (فرضيا ومنطقيا) اكثر تناغما مع الممارسات السليمة في الصناعة الاستخراجية. وفي حالة كون الحقل المشترك بين دول (متجاورة) يكون عقد التطوير بصيغة «الوحدانية- يونيتايزشن» معقدا وطويلا ويتطلب تغطية ثلاثة اعتبارات و متطلبات اساسية: الاول يتضمن اعتبارات القانون الدولي العام والمتعلقة بالمسائل السيادية والمعاهدات والعلاقات الدولية (الثنائية ومتعددة الاطراف)؛ الثاني يتضمن نوعية ومجمل الجوانب التعاقدية والمالية والاقتصادية والتنظيمية والعملياتية؛ اما الثالث فيتضمن الجوانب الفنية وخاصة الجيولوجية المتعلقة بمختلف الابعاد والخصائص الجيولوجية للحقل المعني وتراكيبه. وقد يتطلب التوصل الى العقد النهائي جهود ومهارات تفاوضية متكاملة ويستغرق وقتا طويلا. فمثلا استغرقت المفاوضات الروسية النرويجية اكثر من 40 عاما قبل ان تتوصلا ( في 2010) الى اتفاق بشان البحث عن النفط والغاز وحفر الابار على حدودهما المشتركة في القطب الشمالي. ومن الجدير بالذكر ان مكاتب الخبرة والمحاماة الدولية قد طورت نماذج عقود متخصصة بصيغة «الوحدانية- يونيتايزشن».
وبعد التقديم الموجز اعلاه وفي ضوء ما تقدم اعود لمناقشة اعلان الوزارة المتعلق بتطوير الرقع الاستكشافية الحدودية
اولا: رقع استكشافية ام حقول مكتشفة
من الغريب ان يتم تشخص هذه المواقع على انها «رقع استكشافية» وهي ليست كذلك ويحدد عددها بتسعة وهي ليست كذلك ايضا. فجميع «الرقع الاستكشافية» باستثناء «الرقعة البحرية» هي حقول مكتشفة ومنذ سنوات بل وبعضها منذ عقود عديدة وقسم منها كان منتجا ً.
وفي ضوء المعلومات الرسمية لوزارة النفط الخاصة بالاحتياطيات النفطية التي تم نشرها في شهر تشرين اول 2010 نورد الامثلة التالية التي تدحض تماما ما طرح في الاعلان. فحقل نفط خانة من الحقول المنتجة في منتصف القرن الماضي بحيث اصبح الاحتياطي المتبقي فيه يشكل نسبة 1.5% من الاحتياطي المؤكد (بروفن رزيرف) وبمعامل استخلاص قدره 49.3%.
اما حقل الحويزة فقد بوشر بحفر اول بئر في نهاية السبعينيات من القرن الماضي ولم يتم اكمال الحفر بسبب الحرب الايرانية العراقية. وحسب المعلومات التي قدمها مدير عام شركة نفط ميسان عدنان نوشي ساجن (حسب موقع وزارة النفط بتاريخ 5 كانون اول 2016) ان الاحتياطي المؤكد للحقل يقدر بحدود 219 مليون برميل مما يؤهل الحقل لانتاج ما بين 20 الى 30 الف برميل يوميا بعد استكمال عمليات التطوير.(علما ان معلومات الوزارة تشير الى ان الاحتياطي المتبقي يقدر بحدود 480 مليون برميل ويشكل نسبة 100% من الاحتياطي المؤكد (بروفن رزيرف) وبمعامل استخلاص قدره 20.9% حيث لازال الحقل بكرا (كرين فيلد) لم يتم تطويره بعد.
ونفس الامر ينطبق على حقل السندباد. فحسب ما صرح به خالد حمزة عباس معاون مدير عام شؤون الحقول في شركة نفط الجنوب (البصرة) في شهر شباط الماضي بانه تم حفر بئرين من مجموع خمسة ابار نفطية واشار الى بدء الانتاج بين 3 الى 6 اشهر. (علما ان معلومات الوزارة لعام 2010 المشار اليها اعلاه لم تتضمن هذا الحقل).
وفبما يتعلق بعدد «الرقع» فهو غير دقيق ايضا. حيث تشير معلومات دائرة العقود في الوزارة مثلا ان «رقعة» الحويزة تتضمن حقل الحويزة وتركيب الحويزة الجنوبي؛ و»رقعة» نفط خانة تتضمن تركيب نفط خانة الجنوبي وحقول نفط خانة، ناودومان وتل غزال.(علما ان كل من حقلي ناودومان وتل غزال هي من الحقول البكر حيث يقدر الاحتياطي المؤكد للاول 100 مليون برميل والثاني 10 مليون برميل وبمعامل استخلاص قدره 15% لكل منهما).
ما يهم في هذا الامر ليس فقط عدم دقة المعلومات باطلاق صفة «رقع استكشافية» على «حقول مكتشفة» اوعددها بل الاخطر هو التبعات المادية (القانونية للعقود حيث كما هو معروف ان عقود الرقع الاستكشافية تصاغ على اساس ارتفاع مخاطر الاعمال (بزنس رسكس) ومعامل اللايقين (انسرتنسي)) والمعنوية (التي تعطي الانطباع بان الذين لا يستطيعون التمييز بين الرقعة الاستكشافية والحقل المكتشف لا يمكنهم فهم العقود المعقدة والتي يتم صياغتها من قبل تلك الشركات بشكل قانوني يضمن المصلحة القصوى للشركة الاجنبية) خاصة بعد ان تطلع الشركات المعنية على حقيبة المعلومات التي ستهيئها المديرية العامة للعقود.