الماضي المستمر

في بواكير تعلمنا الانجليزية في المدارس فوجئنا بوجود افعال انجليزية مختلفة عن العربية التي تحتوي الماضي والمضارع والامر، في الانجليزية هناك المضارع المستمر، والمستقبل البسيط، والماضي التام، الى الحد الذي تكتشف ان الانجليز شغوفون بالحاضر والمستقبل اكثر من الماضي.. الذي نبنيه نحن على الفتح، ونفتح له ابواب عقولنا وقلوبنا ليتحكم في حاضرنا ومستقبلنا المبني على الضم.
للماضي في حياتنا شأن اكبر بكثير من الحاضر في لغتنا وفي حياتنا، ابتداء من الشغف بالانساب والاصول وتاريخ العائلات، وليس انتهاء بتأثير الاحداث الماضية على قراراتنا الحالية والمستقبلية، وهذا يأتي من تربيتنا البدوية والريفية التي تطورت ظاهريا ولم تتطور جوهريا بما يتناسب مع جوهر ديننا وقيمنا الاخلاقية.
الماضي كل مافي حياتنا، فاذا كانت الامم العظيمة تعيد صناعة الماضي لتجميل الحاضر المضارع المستمر والمستقبل بكل اشكاله وصيغه، فاننا نطوع الحاضر لتناقضات الماضي المستمر.
الكثير منا لايستمتع الا بالحديث عن الماضي الذي يسميه الناس بالزمن الجميل وزمن الطيبين وايام الخير، واكثرنا لايكلف نفسه التقدم خطوة للامام او تزيين الحاضر بمكارم الاخلاق او صفاء النوايا او العمل من اجل حياة جميلة.
في السياسة لاتتخذ القرارات بناء على حاجة المستقبل ودواعي الحاضر بل تنطلق من مغذيات الماضي، هذا كان كذا وهذا ابن كذا وجاء من نسل كذا، والغريب انها تنطلق من باب الحرص على حاضر مثالي ولكن النتائج تكون مخيبة للامال اذ انها تصنع حاضراً ملتهباً متورماً بالكراهية متلطخاً بالدماء.
كل مانعيشه من صراعات ومآس ناتج عن سوء فهمنا للماضي، ابتداء من التراث الاسلامي او فهمنا للتاريخ او الصراعات السياسية والحروب الدينية التي انتهت قبل ألف عام، لم يكلف اي منا نفسه بوضع نهاية لكارثة تطويع الحاضر للماضي وافناء المستقبل بنار تناقضات الامس.
الحكم المسبق على الاشخاص والاحداث والابتعاد عن العقل والمنطق والارداة بصناعة مستقبل يتناسب مع حاجاتنا وحجم تطلعاتنا هو التحدي الاكبر امام النخب العراقية التي عليها ان تعيد النظر بمناهج تفكيرها التي مازالت عالقة بسياجات الماضي المحصنة.
عباس عبود سالم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة