نحن وأميركا

بعد توليه خلافة عبد الناصر ايقن الرئيس المصري انور السادات ان بلاده تسير نحو الهاوية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، نتيجة الادارة الخاطئة للصراع، والادارة الخاطئة لملف السياسة الخارجية خلال سنوات الحرب الباردة بالابتعاد عن واشنطن.
ويذكر باحثون ومؤرخون ان جدلا دار بين جمال عبد الناصر ونوري السعيد، بشأن ادارة ملف الصراعات والسياسة الخارجية في المنطقة، فكان نوري السعيد الضابط والسياسي المخضرم يميل الى الانحياز للغرب، عبر تأسيس حلف بغداد الذي ضم إيران وتركيا وباكستان وبريطانيا، لاسباب عدة في مقدمتها قطع الطريق على دعم الغرب لاسرائيل، الا ان جمال عبد الناصر الضابط الثوري يميل الى الشرق او الى عدم الانحياز لايجاد منطقة وسطى بين الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي.
حاول نوري السعيد اقناع مصر بدخول حلف بغداد الذي تم توقيعه سنة 1955 وذلك في اثناء مقابلته لناصر، محاولا اقناعه بتحويل اتفاقية الدفاع العربى المشترك الموقعه في سنة 1950 لصالح الحلف، على ان تدخل فيها اميركا وجامعة الدول العربية، لكن عبد الناصر رفض بنحو قاطع وقاد بلاده الى نكسة حزيران الكارثية.
واثبتت العقود اللاحقة صحة رؤية نوري السعيد ودقة قراءته لبواعث ومغذيات ودوافع الصراع في المنطقة وانتهج الرؤية السعيدية قادة دول عربية وشرق اوسطية مهمة، فقد تعاطى الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك مع (حرب تحرير الكويت)، او (عاصفة الصحراء) التي اطلق عليها الاعلام العراقي يومها (العدوان الثلاثيني) في الطريقة نفسها التي تعاطى بها الراحل نوري السعيد مع ملف ما يعرف بـ(العدوان الثلاثي) على مصر وانتهج السعوديون والقطريون والاماراتيون الرؤية ذاتها.
وبعد انتهاء الحرب الباردة حسم الامر لصالح اميركا وحلفائها وتصدرت دول الخليج ومصر المشهد لتتراجع الحكومات والدول التي راهنت على عدم الانحياز او المواجهة مع الغرب، ومن تداعيات ذلك،
سقوط اهم اضلاع (محور الشر) على يد الجيش الاميركي، وهو صدام حسين، لتدعم نظاماً ديموقراطياً برلمانيا لم ينجح في الاستفادة من دعم واشنطن ولا في بناء دولة قوية، ومن مفارقاته العجيبة ان اغلب مكوناته البرلمانية تبنت خيار عبد الناصر وصدام حسين، في التعامل مع الولايات المتحدة، اي المواجهة والتحدي الى الدرجة التي لم تتمكن فيها القوى السياسية العراقية من تحديد موقفها واضحا الى اليوم وبالتالي قيادة البلاد الى نكسة حزيران الثانية التي افقدتنا الكثير.
وبعد تحرير الموصل وتمكننا من دحر الارهاب والارتباك الخليجي جراء التنافس على التقرب من الولايات المتحدة الاميركية، حري بنا ان نعيد حساباتنا ونحسم امرنا مع الدولة الاكبر والاهم والاقوى في العالم، وان نستفيد من تجارب التاريخ وتجاربنا الفاشلة والناجحة حتى لا تتكرر النكسات نفسها.
عباس عبود سالم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة