الحفاظ على النصر، والانتصار على النفس أصعب من الانتصار على العدو

عادل عبد المهدي
وزير عراقي سابق
لا يشوش على النصر بقاء العديد من المناطق الاخرى المطلوب تحريرها.. ولا العمليات الارهابية المتوقعة، ناهيك عن ملفات سياسية واقتصادية وخدمية واجتماعية وادارية وفي العلاقات الوطنية والخارجية، تمثل جميعها تحديات كبرى امام الحكومة والقوى السياسية والشعب، وهو ما يتطلب التصدي لها بجدية معارك نينوى ذاتها. فالحرب موازين قوى وشروط نجاح، فعندما يميل ميزان القوة لصالح الانتصار، وتسقط عاصمة العدو ونستعيد زمام المبادرة والثقة بالنفس ونوفر شروط النجاح، فان الطريق يسمح بانتصارات ناجزة وحاسمة، إن احسنا ادارة المعركة، ليس على الصعيد الامني فقط، بل على الصعد الاخرى ايضاً. فالنصر في ستالينغراد والذي عدّ نقطة فاصلة في الحرب العالمية الثانية تحقق في شباط 1943، بينما حسمت الحرب في ايلول 1945.
خطأن يمكن ان نقع فيهما.. 1) ان نصاب بالغرور وننسى ايام الهزائم والانتكاسات، او ننسى ان تعزيز شروط النجاح تتطلب استكمالها وتعزيزها والاطمئنان الى استمراريتها. فلا نسارع بتصوير ان الطريق بات معبداً بالزهور، وان كل شيء بات سهلاً. بل قد نكون بدأنا الان مرحلة اصعب، فالانتصار على النفس اصعب من الانتصار على العدو. لذلك نؤكد على اهمية حسن ادارة المعركة.. و2) التقليل من شأن الانتصار باثارة موضوعات جانبية والبحث عن السفسفات والاثارات اللئيمة التي هدفها ليس المحاسبة المسؤولة، بل اثارة الفتنة. فإن اصابنا الغرور فسننسى ان الوحدة الوطنية كانت احدى عوامل النجاح في الموصل.. وإن اصابنا الغرور فسيعتقد كل منا انه هو، وهو وحده من حقق النصر، فننسى ان التعاون بين الجميع، واحترام التراتبيات والمسؤوليات، وجمع المتضادات في وحدة اهداف ونشاط وعمل، وعدم الانشغال عن الهدف الاساس باهداف ثانوية كانت من ابرز عوامل النجاح. وان اصابنا الغرور فسنبدأ بارتكاب الاخطاء معتقدين ان الانجاز الكبير الذي تحقق سيمنحنا حصانات في ارتكاب اخطاء فردية وجماعية من دون مبالاة لا لمصالح الشعب، ولا توفير المستلزمات لانجاز المهام الامنية ولتعزيزها بخطوات واضحة جريئة وشجاعة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخدمية والادارية والعمرانية وفي العلاقات الداخلية والخارجية، والتي كانت شرطاً من شروط النجاح. اما التقليل من شأن الانتصار فسيعني التضحية بدماء الشهداء وبكل الخسائر والتضحيات والمعاناة التي لولاها ما تحقق هذا النصر الكبير. سيعني التقليل من شأن فتوى المرجعية والتعبئة الشعبية الكبيرة التي تحققت، ومن الالتفاف الاقليمي والدولي حول العراق، ومن عزلة الارهاب وانجاز ملفات كانت تبدو مستحيلة قبل فترة قليلة من الوقت. فلقد قيل ان معركة الموصل تهدد حياة ملايين السكان.. وقيل ان اعداد النازحين ستكون بحجم يصعب احتوائه.. بل قالت دول وقيادات عالمية كبرى ان المعركة ستتطلب وقتاً اطول بكثير من المتحقق فعلاً.. صحيح ان تصريحات كثيرة صدرت بان تحرير الموصل سيتم قبل نهاية عام 2016، لكن هذا امر جزئي يجب عدم الوقوف عنده. بل الوقوف عند السياسات والسياقات الحقيقية التي قادت للنصر، وليس التقديرات الميدانية التي قد تصيب وتخطىء حسب الظروف، فلا تكون بالدقة الحرفية التي تم الكلام بها.
اننا اليوم في حالة معنوية جيدة، والفرحة والتعبئة الشعبية في افضل مستوياتها.. وعدونا مرتبك ومتراجع ويفقد الارض، واعداد كبيرة من قياديه ومقاتليه يتساقطون بين قتيل واسير وهارب، وعدد كبير من منظوماته تتفكك، لذلك يجب عدم السماح له بالتقاط انفاسه واعادة تنظيم نفسه.. وعلينا استثمار زخم الانتصار لتسهيل النصر في الجبهات المتبقية. فهذا رأسمال عظيم يجب عدم بعثرته او التفريط به او التشويش عليه بامور اخرى مفتعلة او حقيقية لكنها تطرح خارج ظروفها.. وان وجود مشاكل وعراقيل وتحديات وتقصيرات لا يشكل عذراً لاضاعة هذا الرأسمال.. على العكس لابد من استثماره للمساعدة في حل الاشكالات وتجاوز التحديات ومعالجة التقصيرات، ليس على الصعيد العسكري فحسب، بل في المجالات الاخرى ايضاً، الضرورية للحفاظ على زخم النصر وترصينه وحمايته والاستفادة منه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة