لماذا نبني اقتصادات شاملة ماليا؟

مارك سوزمان
الرئيس التنفيذي للاستراتيجية في مؤسسة بيل وميليندا غيتس
سياتل –تطرق موضوع قمة المجموعة 20 المنعقد خلال الأسبوع الجاري في هامبورج بألمانيا إلى كيفية خلق عالم مترابط. وعندما يلتقي الزعماء تبرز إلى السطح موضوعات كبرى مثل – تغير المناخ ومكافحة الإرهاب والتجارة، لكن اعمام المجال الرقمي لعالم الأموال لا يقل أهمية لضمان الرخاء العالمي.
واليوم، ما يزال هناك نحو بليوني شخص بالغ عاجزين عن الحصول على أبسط الخدمات المالية الأساسية. ووظيفة المجال الرقمي هي توسيع فرص الوصول إلى الاقتصاد الرسمي بجعل الأدوات المالية الإلكترونية – مثل الحسابات المدينة – في متناول الناس حيث يمكن استعمالها عبر الهواتف المحمولة بأسعار معقولة ومتاحة لشرائح واسعة من الأشخاص.
وعندما يبدأ الفقراء في استعمال هذه الخدمات، يحدث أمرين. أولا تدار الأموال بشكل أكثر فعالية وبطرق جديدة للحفظ أوإجراء الدفعات أو الحصول على الائتمان أو التأمين. ثانيا، يوفر وقتا كثيرا يضيع في معاملات مالية بسيطة، ومن ثم يعطى وقتا أكثر للعمل المنتج أو إدارة أعمال صغيرة. وعلاوة على ذلك، فإن الإيرادات والمدخرات الإضافية تعزز قدرة الفقراء على الصمود أمام الأزمات المالية التي قد تنجم مثلا عن نفقات طبية غير متوقعة أو فشل محصول موسمي.
والأدلة متوفرة بنحو كبير على الأثر التحويلي لاعمام المجال الرقمي على اقتصاد الدول. ففي كينيا، على سبيل المثال، ساعدت «الأموال المتنقلة» أي تحويل الأموال عن طريق الرسائل النصية، ما يقدر بنحو 194.000 أسرة للخروج من الفقر المدقع. ويعود هذا الاختراق إلى تغييرات في سلوك الادخار وزيادة الاختيار المهني، ولاسيما بالنسبة للنساء.
ومع اكتساب المزيد من البلدان لهذه التقنيات، زاد تحسن آفاق النمو الاقتصادي الدائم بنحو كبير. وتوقعت دراسة حديثة أن توسيع نطاق الوصول إلى أدوات التمويل الرقمي يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية بما يقدر ب 3.7 تريليون دولار بحلول عام 2025.
لكن من أجل تحقيق هذه الاستفادة و زيادة الإدماج المالي، هناك حاجة إلى سياسات فعالة على الصعيد الوطني. ففي العام الماضي، نشرت المجموعة 20 «المبادئ الرفيعة المستوى للإدماج المالي الرقمي»، التي تركز على ثمانية من أنجح الاستراتيجيات التي اعتمدتها الحكومات الوطنية في جميع أنحاء العالم. وقد نشر تقرير جديد للمجموعة 20 في ربيع هذا العام لاستكشاف هذه الاستراتيجيات بنحو أكبر، وتوضيح كيفية تحويل المبادئ إلى أعمال.
كانت الصين رائدة في هذا الصدد، مبررة بذلك كيف يمكن تحقيق التوازن بين الابتكار والمخاطرة. عندما ظهرت خدمات الدفع عبر الإنترنت، مثل «ألباي أليبابا»، لأول مرة، واجه المنظمون نوعا جديدا تماما من المزودات المالية. وبدلا من فرض مجموعة من القواعد الاستباقية، تتبعوا المستجدات وتعرفوا على أنواع القواعد المطلوبة. وقد أتاح ذلك لمقدمي الخدمات فرصة التطور تدريجيا، وساعد هذا النهج «أليباي» لتصبح أكبر برنامج للدفع عبر الإنترنت في العالم.
وفي أماكن أخرى تصدت الابتكارات التنظيمية لتحدي رئيسي آخر: عدم وجود هوية شخصية لأصحاب الحسابات الجديدة، وهي مشكلة شائعة في العديد من البلدان النامية، منعت مئات الملايين من الناس من الاشتراك في الخدمات المالية. وللتغلب على هذه العقبة، نفذت تنزانيا والمكسيك أنظمة لا تتطلب أكثر من مجرد رقم هاتف للتسجيل في أبسط الحسابات. وقد نجحت هذه البرامج في كلا البلدين؛ ففي المكسيك، على سبيل المثال، تم فتح أكثر من تسعة ملايين حساب جديد في العامين الأولين.
وفي الوقت نفسه، تطلق الهند برنامجا هائلا لتحديد الهوية الرقمية يجمع بصمات الأصابع والبيانات البيومترية الأخرى. وقد تم إنشاء أكثر من مليار ملف رقمي منذ بدء البرنامج قبل ست سنوات؛ واليوم، يرتبط أكثر من ثلث هذه الملفات الشخصية بالحسابات المصرفية.
ومع ذلك، فإن آخر تقرير للمجموعة 20 يسلط الضوء على تحديات أخرى. على سبيل المثال، فإن «قابلية التشغيل البيني» – أي قدرة العملاء على التعامل مع بعضهم البعض حتى لو كانوا يستعملون برامج مختلفة – هو المعيار في عدد قليل من الأسواق اليوم. ومن شأن الإجراءات الحكومیة لمعالجة ھذا الأمر أن تساعد علی زیادة راحة العملاء وتخفيض تكالیف التشغیل لمقدمي الخدمات. وسيستفيد المستعملون الذين لديهم خبرة قليلة أو معدومة في التنقل في أنظمة الدفع عبر الإنترنت من اعتماد سياسات تحسن محو الأمية المالية.
وبنحو عام، توضح تقارير المجموعة 20 : تعميم المجال الرقمي لدنيا الأموال أداة قوية لمعالجة الفقر. ويمكن للبلدان الأكثر ثراء الاستفادة أيضا، لأن اعمام المجال الرقمي في تسيير الأموال بنحو جيد يزيد من نشاط المستهلك وينشط الحركة التجارية.
وفي العام الماضي، وتحت رئاسة الصين، جعلت المجموعة 20 من تحسين فرص الحصول على الخدمات المالية الرقمية أولوية عالمية، وسيظل الأمر كذلك تحت ولاية ألمانيا. ويساعد هذا التركيز على تحسين فرص ولوج ملايين الناس، ولاسيما الفقراء والمسنين والنساء في البلدان النامية، أي الذين هم في أشد الحاجة إلى المال، إلى الاقتصاد العالمي.
لقد تحسن فهم العالم لآليات الإدماج المالي والطرق التي يمكن أن توظف بها التكنولوجيا الرقمية. هذا نبأ عظيم بالنسبة للأشخاص الذين لا يتوفرون على حسابات بنكية. لكن وضع هذا الموضوع على جدول أعمال القمة ليس كافيا. الاحتفاظ على استمرارية الابتكار يحتاج إلى حلول محلية فى وجه التحديات العالمية. وكما اكتشف القادة في الصين وكينيا والمكسيك والعديد من البلدان الأخرى هذه الحقيقة ، فإن الاقتصاد الذي يضم الجميع يستفيد منه الجميع.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة