ملاحظات بشأن بعض التصريحات الأخيرة لوزير النفط

القسم الثاني
احمد موسى جياد

ثالثاً: عقود جولات التراخيص وكلف الإنتاج
قال الوزير بأنه يعلم بكل تفاصيل العقود. ولكنه من جهة يقول «انه وضع الشركات المتعاقدة على المسار الصحيح» من دون ان يوضح ذلك وكيف، ثم يعود ويقول «فرضنا عليهم غرامات عالية» من دون توضيح أيضاً! ثم ماهي هذه الغرامات والوزير السابق عبد الكريم اللعيبي قد تنازل عن الشروط التعاقدية المتعلقة ب»مؤشر الأداء».
كذلك لم يشير الوزير بوضوح الى المواد الواضحة في العقود الموقعة مع تلك الشركات والتي تعطي للوزارة (والشركة النفطية العراقية المعنية) الحق في مراجعة وتعديل برنامج العمل السنوي وموازنته المالية لكل عقد وكذلك في تقليص الإنتاج (كورتيلمنت) على وفق ضوابط معينة.
وعلى الرغم من تأكيده على «الزيادة التدريجية في الإنتاج»، وهي مسألة أؤيدها وأدعو الى تبنيها بنحو مدروس فنيا واقتصاديا، فأنه يؤكد على توقيع عقد جديد قبل نهاية العام مع شركة أكسون موبل تتعلق بحقلي أرطاوي ونهر بن عمر(كما سنناقشه ادناه)
ولكن من اكثر الامور غرابة قول الوزير أن كلفة انتاج البرميل تبلغ 30 دولار في كل من حقلي بدرة والأحدب و 18 دولاراً في حقل مجنون، إلا انه لم يوضح اسس احتسابه لهذه الكلف غير الواقعية ولا اسبابها. واغلب الظن ان هناك خطأ منهجي في احتساب كلف الإنتاج على وفق شروط عقود الخدمة المعنية.
فلو اخذنا حقل الأحدب مثلا وفي ضوء المعلومات المتاحة وشروط هذا العقد فان تقديراتي الأولية تشير الى ان معدل كلفة انتاج البرميل خلال مدة 20 سنة تكون في حدها الأعلى 9.04 دولارات (كلفة رأسمالية وكلفة تشغيلية وكلفة اجور الخدمة بعد استقطاع حصة الشريك الحكومي وضريبة الدخل التعاقدية وقيمة (معامل أر) تعادل او اقل من 1) وحدها ألأدنى 6.64 دولار(كلفة رأسمالية وكلفة تشغيلية وكلفة اجور الخدمة بعد استقطاع حصة الشريك الحكومي وضريبة الدخل المعدلة وقيمة معامل أر تعادل اكثر من 1). وان كلفة الإنتاج المحتسبة هذه تأثرت بأربعة عوامل تتعلق بعقد ألأحدب وهي كلفة اجور الخدمة وهيكلة معامل أر والتباين الكبير في ضريبة الدخل واقتصاديات السعة (حجم الإنتاج).
وفي ضوء التقديرات اعلاه فإنني أجزم باستحالة وصول كلفة الإنتاج في حقل مجنون العملاق وفي بدرة الى المستويات التي ذكرها الوزير. وفي هذا المجال اقترح على الوزير ان يكون حذراً ومتأكداً في تصريحاته وخاصة في هذه المسائل لأن في ذلك اضرار واضح بالمصلحة الوطنية.

رابعاً: العقد المبهم
لمشروع حقن الماء
فيما يتعلق بمشروع حقن الماء يقول الوزير انه درس الموضوع بدقة وقرر تخفيض سعة المشروع الى النصف تقريبا. وفي هذا المجال نود التذكير بالدراسات الاستشارية الاجنبية التي اعدت حول المشروع وبطلب من وزارة النفط قبل استيزار الوزير. ومن المنطقي ان طاقة مشروع حقن الماء ترتبط بمستويات انتاج النفط للحقول المعنية؛ ونظرا لتعديل العقود المعنية حيث تم خفض مجمل انتاج الذروة من 12 مليون برميل يوميا الى نحو النصف فان ذلك يعني بالضرورة تخفيض متطلبات حقن الماء؛ علما ان المعطيات الفنية والجيولوجية تشير الى ان انتاج كل برميل من النفط يحتاج الى مابين برميل و برميل ونصف من الماء.
إلا ان المهم والأخطر في الأمر هنا هو اصرار الوزير، كما ذكر اعلاه، على ربط هذا المشروع بتطوير حقلي أرطاوي ونهر بن عمر (مجموع الاحتياطيات النفطية المؤكدة تزيد عن 8.8 بليون برميل) من دون ان يذكر بعض الأمور الأساسية مثل:
1- ماهي طبيعة وشروط العقد الذي سيوقعه؟
2- ماهي المبررات القانونية والاقتصادية والسيادية لمثل هذا الربط؟
3- هل يشكل هذا الربط سابقة قانونية خطرة وسيئة تترتب عليها تبعات ذات اثار سلبية؟
4- ألا تتعارض هذه الاحالة مع ادعاء الوزير بانه يدعم الجهد الوطني في تطوير الحقول. 5- اليست هذه الشركة ممنوعة من المشاركة في تطوير أي حقل منذ توقيعها عقود مع اقليم كردستان من دون موافقة الحكومة الفدرالية؟
في ضوء ما تقدم فإنني ارى ان هذا الربط المقترح لتطوير حقلي أرطاوي ونهر بن عمر يشكل من الناحيتين الفعلية والقانونية إرتهان الثروة النفطية وهذا انتهاك صارخ للدستور. وعليه أدعو كل من الحكومة ومجلس شورى الدولة والبرلمان الاتحادي الى منع الوزير فورا من الاستمرار في اي عقد يربط اي حقل نفطي بمشروع حقن الماء.

خامساً: الموقف من القضايا النفطية مع الإقليم
اتسم موقف الوزير بالاستسلام التام لما تقوم به حكومة الإقليم وكأنه أمر واقع ونهائي ومحسوم، من دون ان يشير الى ما على الوزارة القيام به بوجه هذه التجاوزات.
فلم يشر الوزير الى المخالفات الدستورية ولا الى قضية التحكيم التي رفعتها الوزارة في غرفة التجارة الدولية في باريس ولا الى القضايا التي رفعت في المحاكم الأميركية بشأن شحنات النفط من الإقليم ولا الى جهود سومو بشأن الناقلات التي تنقل النفط من الإقليم. كما لم يتطرق الوزير الى الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الإقليم مع شركة روزنفط الروسية (والتي تناولتها حديثا).
وبهذه المناسبة فأنا أدعم بقوة توجيهات رئيس الوزراء الأخيرة والقاضية بقيام وزارة النفط باتخاذ ومتابعة الاجراءات القانونية الخاصة بناقلة النفط (نفرلاند) والتي تحمل نفط من الإقليم والمتوجهة الى امريكا.

سادساً: موقف الوزير في الاجتماع الأخير لهيئة الرأي في وزارة النفط
حسب تصريح المكتب الإعلامي للوزارة فقد قال الوزير عند ترأسه لهذا الاجتماع «إن هيئة الرأي في الوزارة قررت عدم القبول بوجود شركات نفطية خاسرة تحت اية اعذار او مبررات في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية والمالية الصعبة التي تواجه بلدنا، وأن الوزارة حثت الشركات التي تعاني من انخفاض في ايراداتها المالية وهي «شركة الناقلات النفطية، شركة المعدات الهندسية، شركة الحفر العراقية، شركة المشاريع النفطية، شركة توزيع المنتجات النفطية، شركة تعبئة الغاز، وشركة تسويق النفط» على العمل لمعالجة ذلك في مدة أقصاها نهاية العام الجاري 2017 ودعا تلك الشركات «الخاسرة» الى «عقد اتفاقيات او عقود شراكة»
ومع اقراري وتأييدي لضرورة تبني واعتماد معايير الكفاءة والإنتاجية والربحية في جميع الشركات الحكومية وعلى وفق ضوابط ومؤشرات ومعايير قياس محددة ومقبولة فأنني أرى ما يلي:
أ-على وزارة النفط الطلب من جميع الشركات «الخاسرة» المذكورة تقديم حساباتها السنوية وبكل شفافية لمعرفة حجم واسباب الخسائر المتحقٌقة؛ تقييم دور الدعم الحكومي في تحديد العوائد المالية لبعض الشركات مثل شركة توزيع المنتجات النفطية وشركة تعبئة الغاز.
ب-على وزير النفط أن يبين بالأدلة والتحليل كيف يمكن للجهات الأجنبية ان «تعقد اتفاقيات اوعقود شراكة» مع الشركات خاسرة؟ ماهي الشروط والضوابط الحاكمة لهذه الشراكات ؟ وماهي الجوانب الاقتصادية والأطر القانونية الحاكمة لمثل هذه الشراكات؟ وهل ان فترة الستة اشهر كافية لتجاوز هذه الشركات خسائرها؟ وماذا سيحل بالشركة ان لم تتمكن من تحقيق ذلك؟ هل سيتم تصفيتها ام خصخصتها؟ وهل هذا سيكون من مصلحة القطاع النفطي حيث ان جميع الشركات المذكورة تلعب دورا اساسيا في كل من القطاع والأقتصاد الوطني ومنذ عقود؟ ماهي الشواهد والأدلة التي تدعم ان «عقد اتفاقيات او عقود شراكة» سيحول الشركة (الحكومية) الخاسرة الى رابحة؛ اليس لشركة الحفر العراقية اتفاقية مع شركة شلمبرجر منذ عدة سنوات ومع ذلك صنفت شركة خاسرة؟ ما هو معيار تقييم سومو كشركة خاسرة وأسعار تصدير النفط تتحدد من قبل لجنة يترأسها الوزير؟ وما هي الضمانات ضد مختلف اشكال الفساد المحتملة في مثل هذه المشاركات؟ ألخ
انني ارى خطورة في هذا التوجيه والتوجه على ركائز القطاع النفطي ومضر بالاقتصاد العراقي وخاصةً في هذا الظرف الاستثنائي الصعب ويحتم على جميع المعنيين ابتداء من مجلس الوزراء ومجلس النواب اتخاذ موقف حازم وحذر ضد هذه التوجهات غير المدروسة ؛ وادعو المدراء العامين لهذه الشركات المذكورة بيان الموقف الحقيقي قبل ان تحل الكارثة.
وختاماً إن اخطر ما قاله الوزير في نهاية المقابلة مع ألشرقية «إنني ماضٍ بهذا بغض النظر عن الذي يقبل او لا يقبل»!!!!!!
يبدو ان الوزير يتصرف وكأن الثروة النفطية ملكه الخاص يتصرف بها حسبما يشاء من دون اعتبار للدستور او البرلمان او الحكومة او أية جهة أخرى.
أرجو ان تنال هذه المذكرة اهتمام الجهات المعنية والتحرك الفعال قبل فوات الأوان.

*استشارية التنمية و الأبحاث النرويج

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة