الجزء الرابع
د. علاء الدين الظاهر
عبدالكريم قاسم كان يُعد لانتخابات رئاسية وبرلمانية في عام 1963 وكان فوزه فيها مؤكدا وساحقا. هذا بحدد ذاته كان مرعبا للبعثيين مما ادى الى انقلابهم الدموي. لكن ماذا كان سيحتوي برنامجهم الانتخابي لو قرروا الدخول في الانتخابات؟ هل سيحتوي وضع مقدرات العراق بيد عبدالناصر وتسليم الجزء الاكبر من نفط العراق الى مصر وكلاهما نتيجة حتمية لأي وحدة اندماجية؟ في هذا الحال لن يحصلوا على مقعد نيابي واحد.
في معظم الدول المتقدمة يقوم مدير المدرسة بتعيين المدرسين في مدرسته وتقوم ادارة التعليم في المقاطعة بالمصادقة على التعيين. لو اعطيت صلاحية التعيين في البلاد العربية لمدير اي مدرسة لقام بتعيين اقاربه واصدقائه وجيرانه في مدرسته ولما استطاع ان يقاوم الضغوط عليه من اقاربه وجيرانه. بعد غزو 2003 للعراق قامت السلطات البريطانية المحتلة بتدريب الشرطة العراقية في البصرة. بعدها قال احد الجنود البريطانيين ان الديمقراطية لا تصلح للعراق. عندما طلب هذا الجندي البريطاني اعتقال احد المطلوبين، رفض الشرطي البصري الجديد اعتقال المطلوب لأنه من ابناء عشيرته. نحن جسديا في القرن الواحد والعشرين لكن ولاءاتنا ما تزال في القرن الصفر.
مذكرات، قيض من فيض
برامج تلفزيوناتنا مليئة بالمقابلات العروبية ورفوفنا مليئة بكتب البعثيين والقوميين التي تبرر فشل الوحدة ولو تابعتها وقرأتها فستجد ان كل طرف يلقي باللوم على طرف آخر من دون ان يدرك إن عقيدته وهما وأنه يلاحق سرابا .
في الواقع ستجد في هذه المذكرات هزالة كل الادعاءات عن الايمان بالوحدة العربية. فبعد اكثر من عامين كوزراء وحدويين في عهد عبدالسلام عارف وإدراكهم التام بمعارضة عبدالسلام عارف لأي اتفاق وحدوي او اتحادي، لم يقدم اي منهم استقالته. وعندما قدم صبحي عبدالحميد استقالته وشاركه فيها اربع وزراء وحدويين لم تكن بسبب موقف عبدالسلام عارف من الوحدة وإنما تضامنا مع عبدالكريم فرحان الذي استقال بسبب تدخل مرافق عبدالسلام عارف في شؤون وزارته. ووفقا لمذكرات صبحي عبدالحميد فإنه ما كان سيستقيل لو عرف ان عبدالكريم فرحان وجه كتابا شديد اللهجة مع نسخة الى ديوان رئاسة الجمهورية مما دفع عبدالسلام عارف الى شتم عبدالكريم فرحان واستقالة الاخير. محاولة عارف عبدالرزاق الانقلابية في ايلول 1965 لم تكن من اجل اقامة الوحدة مع مصر وإنما بسبب ضغوط كتلة الضباط الحركيين لرفض طلب عبدالسلام عارف بنقل بعض الضباط الحركيين الى وحدات عسكرية خارج بغداد وتنفيذ هذا الرفض لم يمكن ممكنا من دون الانقلاب العسكري على عبدالسلام عارف.
ستجد في هذه المقابلات والمذكرات امورا تصيبك بالتقيؤ. صبحي عبد الحميد يكتب فصلا يشرح فيه مشكلة الحدود مع الكويت. هل كانت هناك مشكلة اصلا لو لم يقم البعثيون بإنقلابهم على عبدالكريم قاسم وبمساندة القوميين ومنهم صبحي عبد الحميد نفسه؟ وجد دواعش 1963 على مكتب عبدالكريم قاسم اتفاقا اتحاديا بين العراق والكويت جاهزا للتوقيع يحتفظ فيه امير الكويت بصلاحية ابرام الاتفاقيات النفطية بينما تؤول نصف العائدات النفطية الى العراق وكذلك سلطة التمثيل الدبلوماسي والدفاع والتعليم. بل الاسوأ، يبرر صبحي عبدالحميد اقناع عبدالناصر لعلي صالح السعدي بالاعتراف بالكويت بسبب مصالح اميركا النفطية في الخليج! هل يقود عبدالناصر الامة العربية ام هو قنصل اميركا في بغداد؟ ما لا يدركه صبحي عبدالحميد ولا يريد ادراكه ان عبدالناصر ما كان ليسمح ان يصبح العراق دولة قوية قد تنافس زعامته العربية. بعد ثورة 14 تموز جمع عبدالناصر ضباطه الاحرار وحذرهم من ان ثورة حقيقية حدثت في العراق وان في العراق بترول. والحر تكفيه الاشارة.
ينتقد صبحي عبد الحميد سياسة اميركا وادعاءاتها عن حقوق الانسان ويعطي مثلا عن انه استلم شخصيا من اميركا بعد انقلاب دواعش 1963 شحنة كبيرة من قنابل النابالم التي استخدمت في الحرب ضد الاكراد ويتساءل اين كانت حقوق الانسان في حينها. ماذا يفعل القارئ امام هذه الدعاية الركيكة؟ اذا لم تملك اميركا حقوقا للانسان لماذا لم يمتلكها صبحي عبدالحميد؟ اين كانت انسانيته ومهنته التي وُجدت اصلا لحماية شعبه؟ اين هي اخلاقه العربية « الحميدة » ووفائه لمن دعم انقلابه الداعشي؟ من الذي اجبره على استخدام النابالم ضد الاكراد؟ منو صخّم وجهه؟ سياسة حقوق الانسان الاميركية اخذت بعدا حقيقيا بعد اربعة عشر عام من انقلاب دواعش 1963 عندما تسلّم جيمي كارتر الرئاسة الاميركية وبرغم ذلك بقيت هذه السياسة تتناسب عكسيا مع مصالح الولايات المتحدة وإلا كيف نفسر دعم الولايات المتحدة لحكم بربري مثل الحكم السعودي. سياسة حقوق الانسان الاميركية في مد وجزر حسب من يجلس في البيت الابيض. هذه امور يدركها الرجل البسيط فكيف بوزير سابق للخارجية تخرج من اركان كمبرلي البريطانية؟ ما يريد صبحي عبدالحميد اخفائه من خلال هذه الدعاية الساذجة هو ان نظام دواعش 1963 كان حليفا اساسيا للولايات المتحدة في محاربة الشيوعية وبالتالي لم تُقم الولايات المتحدة اي اعتبار لحقوق الانسان. كل ادعاءات صبحي عبدالحميد (وهو جزء من نظام دواعش 1963) بأن اميركا كانت معادية للعروبيين هي هراء في هراء لأن اميركا لم تخطط لاغتيال اي زعيم عروبي او للانقلاب عليه بل ان الزعيم العربي الوحيد الذي حاولت اغتياله وخططت للانقلاب عليه هو عبدالكريم قاسم وإن العروبيين كانوا ادواتها ضده سواءً عن جهل او دراية.
وينهي صبحي عبدالحميد مذكراته من دون اعتذار للشعب العراقي عما اقترفه صبحي عبدالحميد وجماعته بحق العراق بتآمرهم المستمر ضد عبدالكريم قاسم ومن دون اي اعتراف حتى بإرتكاب اي خطأ عندما قاموا بتلك النشاطات ولا حتى شكر عبدالكريم قاسم الذي عفا عنه وعن جماعته عدة مرات واعادهم الى وظائفهم التي مكنتهم من الانقلاب عليه، بل على العكس لم يكف عن كتابة سمومه ضد عبدالكريم قاسم. وبعد خراب البصرة وضياع 50 عام من مسيرة تقدم للعراق تجده يعترف بأن الديمقراطية الحقيقية وحل المشكلة الكردية هي ما يحتاجه العراق. وستجد في مذكرات حازم جواد سموم الكراهية والحقد ضد عبدالكريم قاسم. كان هتافات حازم جواد معادية في عهد قاسم مثل (ماكو زعيم، الله كريم). وحازم جواد كان جارا لعائلة شقيقة الزعيم في منطقة المهدية. لم تنفع الجيرة مع دواعش 1963 كما لم تنفع الجيرة مع دواعش 2014 فقد تم قتل الملازم الاول الطيار طارق محمد صالح القيسي ابن شقيقة الزعيم ومن دون محاكمة وبخسة كما سيرد ذكره. وبالطبع تجد دواعش 1963 يلعبون دائما دور الضحية بسبب اعتقالهم في زمن عبدالكريم قاسم وكأن سبب اعتقالهم يعود لكونهم يشربون الشاي في بيوتهم. وفي الوقت نفسه يتباهون بمحاولاتهم الانقلابية العديدة والتي تبدأ بإغتيال عبد الكريم قاسم.
ستجد ايضا في مذكرات هؤلاء اتهامات فساد ضد حامد قاسم الذي يدعون انه استفاد من تجارة الحبوب مستغلا موقع اخيه. تمت مصادرة ممتلكات حامد قاسم (وهي ممتلكات تعود له قبل ثورة 14 تموز) ولم تعاد له. اُفرج عنه بعد سنتين من الاعتقال لعدم ثبوت اي تهمة ضده وبالذات تهمة استغلاله لمنصب اخيه وهذا امر يقر به حسن العلوي. دعني انقل ما ذكره لي صديقي وزميل دراستي الدكتور استبرق الايوبي الاسلامي النزعة ومخطئ من يتصوره انه من انصار عبدالكريم قاسم. عرض وكيل شركة مرسيدس عشرة سيارات بسعر منخفض. اشترى حامد قاسم احداها. عندما علم عبدالكريم قاسم بهذا أمرَ شقيقه الاكبر حامد بإعادتها فورا وهذا ما حصل. يضيف الصديق استبرق الايوبي « بالنسبة الى سيارة حامد قاسم فإن الذي حكى القصة هو محاسب شركة فائق عبيدة والتي كانت في ذلك الوقت هي الوكيل الوحيد لشركة مارسيدس في العراق حيث حدثت القصة معه شخصيا ». فما بالك بصفقات حبوب يقيمها حامد قاسم بعلم الحكومة العراقية.