طارق حرب
ان الحِسبة كنظام اداري في بغداد يماثل عمل البلدية في هذه الايام مع اختلاف وهو ان الحسبة تقترب من عمل القضاء طالما ان الحسبة يدخل تحت باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي مؤسسة ادارية او نظام لتطبيق هذا المبدأ المقرر شرعاً ،لذا نجد ان القاضي البغدادي الماوردي المتوفي عام٤٥٠ هجرية اوردها في كتابة الاحكام السلطانية والولايات الدينية شأنها شأن الوزارة والامارة والقضاء وولاية المظالم ذلك ان الحسبة بين المظالم وبين القضاء اذ يجوز المحتسب سماع دعوى ببخس وتطفيف في كيل ووزن او غش او تدليس وللمحتسب من سلاطة السلطنة واستطالة الحماة والحسبة وظيفة تتعلق بالنظام الا العام والآداب .
وقد وردت اول اشارة صريحة الى الحسبة ترجع الى بداية بناء بغداد فقد كان عاصم بن سليمان الاحول محتسب بغداد في زمن الخليفة المنصور ومسؤول عن الحسبة في المكاييل والاوزان كما ولى المنصور ابا زكريا بن عبد الله حسبة بغداد ويرى البعض ان بداية الحسبة في بغداد ابتدأت بالشكل المطلوب في زمن الخليفة المهدي الذي حكم بغداد بعد المنصور ويقول بن بسام وكان يشغل وظيفة المحتسب ووضع كتاب في الحسبة ان الحسبة كوظيفة يجب ان تشمل النظر في الاسواق والطرقات ،وعمل الخبازين ،والسقائين ،والعاملين في البيع بالسوق ،والجزارين والشوائين والرواسين( اي الپاچه چيه) ،والطباخين ،والحلوانين والسماكين، وقلائي السمك ،وصيادي الطيور والعصافير ،والطحانين والفرانين ،والحطابين والقصابين والجيارين ،والغزالين والقطانين ،والندافين والخياطين ،والغسالين والقصارين والبزازين ،والمطرزين، والرفائين ،والصيادلة ،والعقاقير ،والاسربة والصيارفة والصاغة ،والاطباء والكحالين ،والبياطرة والحدادين ،والنجارين والوكلاء بأبواب القضاة اي المحامين والزجاجين ،والوراقين واصلاح الجوامع والمساجد ،وغسالين الموتى والموازين والمكاييل ،والدباغين ،وما يماثل ذلك من الاعمال والمهن.
وقد تطورت مهنة المحتسب حتى وصلت الى ان الخليفة المعتضد طلب من الفيلسوف الطبيب سنان بن ثابت اجراء امتحان لجميع اطباء بغداد لمعرفة مدى اتقانهم لمهنتهم.
وكان المحتسب يطلب نظافة الطرقات ومنع مضايقة المارة ويمنع الناس من الجلوس في الطرقات ويهتم بنظافة المساجد ويتفقد احوال المرضى وللمحتسب تعزير من يخالف قواعد الحسبة اي انه يعاقب المخالف بعقوبة تعزيرية اي ليس عقوبة قِصاص او عقوبة حدود ويشترط في المحتسب ان يكون مسلما حراً بالغاً وعالماً مجرباً وان يكون عفيفاً عن اموال الناس وذا خشونة وعارفا بالموازين وفطنا وقائماً على الحق وله ان يتخذ اعوانًا ومن اعوانه ان يتخذ العريف من اهل كل صنعة.
وكان المحتسب يستعمل السوط احياناً واختلف راتب المحتسب من ثلاثين دينار الى مائة دينار ومن محتسبي بغداد محمد بن احمد بن مخلد الجوهري ٢٦٤ هجرية وهارون بن ابراهيم الهاشمي ٢٧١ هجرية، وعبيد الله بن علي الهاشمي ٢٨٤ هجرية، ومحمد بن عبيد الله الهاشمي ٣٠٠ هجرية.
وكانت الحسبة من اعمال القضاة احيانًا اذ تضاف لعمل القاضي فالقاضي احمد بن محمد الصباغ ولي الحسبة والقضاء بالكرخ والقاضي بن التقيب الشهرستاني، وكان شديدا في الحسبة ٥٣٧ هجرية والقاضي علاء الدين بن الزينبي.
والحسبة قد تكون على جميع بغداد كالمحتسب ابو الفرج النفيس الهاشمي٥٩١ هجرية وابو محمد يوسف بن الجوزي٥٩٣ هجرية والمظفر بن مبارك البغدادي٦٢١ هجرية وقد يكون عمل المحتسب على منطقة معينة كما ذكرنا بالنسبة للكرخ فقط او ان المحتسب محمد بن احمد البغدادي كان على باب الازج اي باب الشيخ وكان للمحتسب ببغداد مكان معلوم.
الحِسبة والمحتسبون في بغداد
التعليقات مغلقة