معركتنا في مكان آخر

مساء امس الاول كان رئيس الوزراء حيدر العبادي يتحدث لنا (مجموعة من الاعلاميين) وفي جزء من حديثه، عما يجري بين دول الخليج بالقول، في نهاية المطاف «انها ليست معركتنا» وذلك في معرض رده ، او مناقشته، لدعوات محلية بالانخراط في هذا الصراع ضمن فريق ضد فريق آخر، وكان دقيقا في التذكير (وربما التمني) ان يبتعد العراق عن المحاور المتصارعة في المنطقة او العالم، وان لا «يعارك» بالنيابة عن أحد، ثم نستنتج ان معركتنا في مكان آخر.
وفي هذا الحديث توقف عند موضوع العلاقات العراقية السعودية، وخلاصة مطالعته في هذا الملف القول ان مصلحة العراق تتمثل في اقامة هذه العلاقات على اساس المصالح المشتركة «وعدم التدخل» واستوقفتني اشارته (وهي في غاية الدقة) الى ان ثمة تيار في السعودية (وآخر في العراق) يدفعان الى عكس خيار التهدئة واستقرار الجسور بين البلدين، وهو الامر الذي يحتاج الى المزيد من الحذر.
ومن مقتطفات الحديث ثمة ما يحمل المراقب على القلق من وجود انعدام وحدة في الموقف حيال الدول او المجموعات الدولية، وبداهات التعبير عنه، في الحلقات التنفيذية والتشريعية والاعلامية،وهي دستوريا (يفترض) انها تتحمل مسؤولية «ادارة سياسة الدولة» وقد طرح الحضور اكثر من استفسار عن دلالة وآثار هذا التناقض، وثمة اسئلة عن معنى ان لا تنعكس هذه «المخرجات الوطنية» في الاداء الاعلامي «الوطني» التابع للدولة او احزابها النافذة، الامر الذي يؤثر سلبا على معركة المصير بمواجهة فلول داعش الاجرامية.
وفي ما بين طيات حديث العبادي نتعرف الى ان العراق يحقق انتصارات معترف بها على مستوى العالم، لكن ثمة عبارات واشارات (ربما سريعة وغير مباشرة) اظهرت ان المعركة ليست سهلة اذا ما نظر اليها من زاوية العلاقة بين العمل العسكري والامني وبين اعادة اعمار ما دمرته الحرب واستئناف عملية التنمية، وما اسماه العبادي «بناء دولة المواطنة» حيث لا يتوزع المواطنون الى درجات، ومرة اخرى نتتبع، من الجانب الثاني، ضعف التعبير (والاداء) على هذا الخيار، بل ومحاولات تزويق الصورة واختزالها الى «انتصارات محاور المعركة» والحال، فان المعركة، بهذا المعنى، شائكة وطويلة.
المشكلة، ان المنطق القائم على اعطاء الرأي العام صورة وردية عن معارك تحرير الارض من الارهابيين بعيدا عن ارتباطها باعادة بناء الدولة (دولة المواطنة) قد انتهى في العديد من التجارب الى كوارث وخذلانات عندما استيقظت الجماهير على حقائق مغايرة، ضاعت معها اراض ودماء وثروات وكرامات، وكانت النتائج، على المستوى الاعلامي، ان احدًا لم يعد يصدق ما يقال، لكن النتائج الاكثر ضررا تتمثل في ان الصورة الوردية المبالغ فيها تضعف عمليات التعبئة الوطنية لسد ثغرات المواجهة مثلها مثل المبالغة بالصعوبات والانكسارات والخسائر التي تدمر جذوة الحماسة للقتال.
معركة تحريرالموصل، من حيث هي تطهير الارض من بؤر داعش المسلحة واعادة البناء وترشيد الوحدة الوطنية، طويلة ووعرة.. انها في جوهرها وترابطها معركة سياسية وليست استثماراً في السياسة
********
الشافعي:
«إذا ذكرت لكم ما لا تقبله عقولكم فلا تقبلوه، فان العقل مضطر الى قبول الحق».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة