1ـ3
أحمد موسى جياد
طلب مني بعض الأخوات والأخوة الأكراد الأعضاء في لجنتي المالية والنفط في البرلمان العراقي الاتحادي بيان الرأي بهذا الموضوع. وتلبية لذلك الطلب ولأهمية الموضوع وتأثيره الكبير على المصلحة الوطنية العراقية اعددت هذا الرأي.
وقعت حكومة الإقليم وشركة روزنفط الروسية مجموعة من الاتفاقيات الخاصة بالشأن النفطي وعقد تجهيزات نفطية اضافة الى «مذكرة مفتوحة « وذلك خلال الفترة المحصورة بين شباط وحزيران من هذا العام.
وكالمعتاد لم يتم الأفصاح عن المضامين والمكونات الأساسية لتلك الاتفاقيات ولا عن الشروط والضوابط المالية والاقتصادية الحاكمة لها. وفي الوقت الذي اثارت تلك الاتفاقيات اهتمام واعتراض بعض الكتل السياسية الكردية واعضاء في البرلمان الاتحادي العراقي، التزمت كل من الحكومة الاتحادية ووزارة النفط الصمت وكأن الأمر لا يعنيهما!
وعلى الرغم من شحة المعلومات والسرية المحيطة بتفاصيلها فان مامتوفر منها يشير الى الجوانب الاقتصادية والمالية لحكومة الأقليم من جهة والى الاعتبارات الجيوسياسية للحكومة الروسية من جهة ثانية والى مبررات الربحية والتموضع الاستراتيجي الخارجي لنشاطات شركة روزنفط من جهة ثالثة والى التأثير المهم لكل ذلك على العراق من جهة رابعة.
وهذا يدلل على مدى تعقد الموضوع وتشابك الأمور المتعلقة به وتناقض او توافق المصالح للأطراف المعنية والإجراءات الدستورية والسيادية والقانونية الدولية اللازمة وغيرها. وهذا ما تحاول هذه المساهمة طرحه وتحليله ومناقشته.
سيتم اولا تناول الأطر الحاكمة للاتفاقيات الموقعة ثم عرض التموضع الاستراتيجي والجيوسياسي الروسي ثانيا وبعدها مناقشة كون هذه الاتفاقيات انما تمثل حبل الإنقاذ الأخير لحكومة الإقليم واخيرا التنبيه الى الصمت المريب للحكومة الاتحادية ووزارة النفط عن هذه الاتفاقيات.
الأطر الحاكمة للاتفاقيات الموقعة
في ضوء المعلومات المتوفرة تم الاتفاق على ثلاثة اطر مختلفة من حيث الجوهر والهدف والأفق الزمني وغيرها من المسائل المتعلقة بكل إطار منها وكما موجز بمايلي:
الأطار الأول: عقد التجهيزات النفطية المشروطة بالدفع المسبق
حسب قسم المعلومات لشركة روزنفط فقد تم توقيع العقد في لندن في شهر شباط الماضي حيث حددت فترة العقد بمدة ثلاث سنوات اعتبارا من 2017 حتى 2019؛ يتضمن العقد «الدفع المسبق» ويتم شراء النفط الخام من قبل الشركة التجارية التابعة لروزنفط وسوف يجهز المصافي التابعة للشركة سواء القائمة منها (في المانيا) او التي ستقام مستقبلا.
عدا ذلك لم يحدد قسم المعلومات اويشير الى أي من المكونات ألأساسية وشروط وضوابط هذا العقد مثل: آلية تحديد الأسعار؛ الكميات الواجب تجهيزها؛ المسائل المتعلقة بالدفع المسبق وخاصة فيما اذا كان هناك حد ادنى للتجهيز والغرامات في حالة عدم الامتثال وأسعار الفائدة ..الخ؛ الأمور المتعلقة بالتحكيم الدولي؛ المسائل المصرفية المتعلقة بإيداع وسحب العوائد؛ الاجراءات التنفيذية لعملية تحميل ونقل النفط وغيرها من الامور ألأساسية ذات العلاقة.
من جانبها لم تحدد حكومة الإقليم ايضاً اي من الأمور أعلاه إلا ان مستشار رئيس حكومة الإقليم ، دلشاد شهاب، قال «بأن بنود الاتفاقية مع الشركة الروسية يشمل شراء النفط بحسب الاسعار التي يتم التعامل بها عالمياً». هذا كلام عام حيث ان المستشار لم يفصح عن المعادلة السعرية والمتغيرات التي تتضمنها مثل تحديد نفط الأشارة والحسومات او الإضافات المرتبطة بالجوانب النوعية (كالكثافة النوعية ومحتوى الكبريت وغيرها) وكلف الشحن والتامين وعامل الموقع الجغرافي الخ. اضافة الى ذلك ان المستشار حدد مدة العقد بسنتين في حين ان جميع المصادر التي تناولت الموضوع تشيرالى ثلاث سنوات.
على الرغم من شحة المعلومات وتباينها والسرية المحيطة بهذا العقد وانعدام الشفافية في القطاع النفطي في الإقليم فانه يمكن ان نورد الملاحظات التالية:
اولاً: ان حكومة الإقليم تعاني من ازمة مالية خانقة (لأسباب عديدة ) وهي بحاجة ماسة الى الموارد المالية (توضح لاحقا). لذلك هي في موضع تفاوضي ضعيف لاتستطيع بموجبه فرض شروط تعاقدية مجزية او تحقيق الحد الأدنى. وهذه امور معروفة ومتوقعة؛ وعلى حكومة الإقليم إثبات العكس بالأعلام بكل شفافية عن كل مايتعلق بهذا العقد.
ثانياً: اكدت روزنفط لأكثر من مرة على مبدأ «الربحية» في هذا العقد؛ وفي ظروف الوفرة في سوق النفط الدولية فأن الربحية ترتبط بنحو اساسي بحجم الحسومات اوالخصم من اسعر النفط السائدة اخذين بنظر الاعتبار المواصفات النوعية للنفط المجهز.
وفي هذا المجال لابد من الاشارة الى اعتبارين يدفعان روزنفط لتحقيق اعلى مستوى من الربحية من هذا العقد:
الاعتبار الأول هوان هيكل ملكية شركة روزنفط يشيران الحكومة الروسية تملك 50% زائد سهم واحد من رأسمال الشركة؛ وهذا يعني ان الاعتبارات المالية والاقتصادية (أي الربحية) تحتل اهمية كبيرة للقطاع الخاص الذي يملك بقية ألأسهم وللحكومة الروسية اضافة الى الاعتبارات الجيوسياسية ( التي سنتاولها لاحقاً).
اما الاعتبار الثاني فان روزنفط لايمكن ان تقبل بالتسديد المسبق بشروط لاتعادل ان لم تكن افضل مما قدمته حكومة الإقليم الى الشركات ألأخرى في هذا المجال. ومن التوقع ان تكون اسعار النفط خلال سنوات العقد الثلاث من اهم هذه الشروط التي تسعى الشركة لتكون لصالحها.
ثالثاً: المنافسة مع اوالتعويض عن اواضافة الى ترتيبات الدفع المسبق الحالية.
بدأت حكومة الإقليم عن طريق وزارة الموارد الطبيعية بنشر معلومات عن المبالغ التي سددتها بموجب ترتيبات الدفع المسبق للشركات المعنية وكذلك المبالغ التي تسلمتها من تلك الشركات والتي ستسدد مستقبلاً. وقد بدء بنشرتلك المعلومات في شهرحزيران 2016 ثم تم ايقاف النشر كليا بعد شهرتشرين أول/اكتوبر من العام ذاته ولحد الان. وخلال الخمسة أشهرهذه سددت حكومة الإقليم مايزيد عن 594 مليون دولارمن مستحقات الدفع المسبق وهذا يعادل اكثر من 22% من اجمالي صادرات نفط الإقليم خلال الفترة نفسها. كما واستلمت حكومة الإقليم مايزيد عن 325 مليون دولاركدفع مسبق يتم تسديدها لاحقاً.
ونظراً لإيقاف حكومة الإقليم نشر تلك المعلومات منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016 فليس من الممكن معرفة الرصيد الحالي لترتيبات الدفع المسبق مع الشركات المعنية مثل ترافيكورا وكلنكور وفيتول وبتراكو. وهذايقود الى التساؤلات التالية: هل يكون العقد مع شركة روزنفط منافساً الى اومعوضاً عن او مضافا الى عقود التسديد المسبق التي وقعنها حكومة الإقليم قبل شباط 2017 والتي مازالت سارية المفعول. فاذا كان عقد روزنفط منافساً الى اومعوضاً عن عقود التسديد المسبق فإن عملية الأحلال هذه قد لاتتطلب زيادة كبيرة في كمية النفط المصدربموجب آليات الدفع المسبق. اما إذا كان عقد روزنفط مضافاً فمن أين ستاتي هذه الكميات الكبيرة الإضافية خاصة وان الطاقة الإنتاجية في الإقليم محدودة نتيجة لتأثر نشاطات الشركات النفطية بالأزمة المالية العميقة في الإقليم وخاصة في ألأمدين القصير والمتوسط. أغلب الظن ان جميع او معظم هذه الكميات الإضافية ستاتي من حقول شركة نفط الشمال التابعة للحكومة الاتحادية؛ وهذا يقودنا الى الفقرة التالية.
رابعاً: ضرورة تحرك الحكومة الاتحادية
عديد من الاعتبارات ألأساسية تحتم على الحكومة الاتحادية التحرك وبنحو فاعل وسريع.
الاعتبار الأول يتعلق باحتمالية قيام شركة روزنفط بشراء نفط مستخرج من حقول تابعة للحكومة الاتحادية من دون موافقة هذه الحكومة.
الاعتبار الثاني يتعلق بالإجراءات القانونية التي اتخذتها الحكومة الاتحادية سابقا وعلى المستوى الدولي بشأن عدم دستورية صادرات النفط عن طريق حكومة الإقليم.
الاعتبار الثالث ان الحكومة الروسية تمتلك غالبية اسهم شركة روزنفط مما يجعل عقد هذه الشركة ضمن اطار اللجنة العراقية الروسية المشتركة للتعاون الفني والاقتصادي العاملة وبنحو فاعل منذ ستة عقود. يضاف الى ذلك ان روسيا بحكم كونها عضواً دائماً في مجلس ألأمن الدولي تعلم ان صادرات العراق النفطية (بضمنها النفط المصدرمن الإقليم) لازالت محكومة باستقطاع نسبة 5% لتعويضات حرب الكويت.
والاعتبار الرابع ان البيان المشترك لكتل التغيير والاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية الكردستانية طالب «الحكومة الاتحادية ان تقوم بمسؤولياتها الدستورية والاخلاقية لوقف هذا النزيف النفطي والمالي لإقليم كردستان العراق وعدم الوقوف متفرجا على حياة اكثر من خمسة ملايين مواطن عراقي وجره من قبل فئة سياسية فاشلة وفاسدة نحو الهاوية».
*استشارية التنمية والأبحاث (العراق) في النرويج