كثرة العيادات الصحية يضر البلدان النامية

صمويل كارغبو
مدير السياسات والتخطيط في سيراليون
فريتاون، سيرا ليون – غالبا ما يحث المانحون مثل البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية البلدان النامية على الاستثمار في النظم الصحية الوطنية. لكن من الخطأ التسرع في بناء العيادات والمستشفيات وغيرها من المرافق الطبية حتى في المناطق النائية والذي يبدو وكأنه نهج واضح لضمان التغطية الصحية الشاملة.
وقد أبرز وباء إيبولا الأخير في غرب أفريقيا الحاجة الماسة إلى وجود نظم رعاية صحية أقوى وأكثر كفاءة ومرونة في البلدان النامية. لكن عندما تتسارع البلدان في بناء المزيد من العيادات، فإن المرافق الناتجة أحيانا ما تكون مبنية بسرعة كما تفتقر إلى المعدات والإمدادات والموظفين المطلوبين لتقديم الخدمات الصحية الحيوية بفعالية.
وفي زياراتي المتكررة إلى المناطق الريفية في بلدي الأم سيراليون، رأيت عددا كبيرا من المرافق الصحية تم بناؤها من دون المعدات المطلوبة. فالمرفق الذي تم تجديده حديثا في ماسونثو، على سبيل المثال، يتوفر على معدات ضئيلة ولا توجد مياه في الصنابير. وكانت لدى المرافق الموجودة بالقرب من ماسيله وكاثيري جدران مشقوقة، وسقوف راشحة، وعدد قليل جدا من الخزائن حيث كانت بعض اللوازم مثل المحاقن والسجلات الطبية مكدسة على الأرض.
وهذه الحالة هي نتيجة مباشرة لنهج مجزأ وسريع للاستثمار في الهياكل الأساسية للرعاية الصحية. وفي نهاية الحرب الأهلية في عام 2002، كان لدى سيراليون أقل من 700 مرفق صحي، وفقا لدليل الرعاية الصحية الأولية لعام 2004. وفي عام 2003 قررت الحكومة التي تعانى من ضائقة مالية «تحقيق اللامركزية» في مختلف الخدمات العامة على مستوى المحافظة مما أثار منافسة شرسة على الموارد المحدودة.
وبدأت المجالس المحلية، التي تسعى إلى الحصول على أكبر قسمة ممكنة من الكعكة، بخلق مشاريع جديدة، مما أدى إلى التوسع السريع وغير المنضبط للنظام الصحي. واليوم، يوجد في سيراليون – التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة – ما يقرب من 300 1 مرفق صحي. ولم تتمكن وزارة الصحة من تجهيز جميع هذه المرافق الجديدة وتغطية تكاليف الموظفين والتكاليف التشغيلية، حيث لم ترتفع ميزانيتها لمواكبة توسع النظام. والواقع أن قلة قليلة (إن وجدت) من البلدان الأفريقية التي وقعت على إعلان أبوجا لعام 2001 لتخصيص 15 في المائة من ميزانيتها للصحة تمكنت من القيام بذلك.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أجرت سيراليون تقييما لتوزيع مرافق الصحة العامة والعاملين الصحيين في البلد، من أجل توجيه المناقشات بشأن استراتيجية الموارد البشرية من أجل الصحة للمدة ما بين 2017 و 2021. وكانت النتائج صادمة: إذ أن 47 في المائة فقط من المرافق الصحية في البلد تستعمل أكثر من موظفين صحيين، بمن فيهم العمال والمتطوعون من دون أجر. ولم يكن لدى سبعة في المائة من المرافق الصحية عاملون موظفون مخصصون لها على الإطلاق – وهو وعد فارغ في شكل ملموس.
وهذه الحالة ليست خاصة بسيراليون – أو أفريقيا. في إندونيسيا، استثمرت الحكومة عائدات النفط في التوسع الهائل والسريع في الخدمات الاجتماعية الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية. ولكن اليوم لا يوجد عدد كاف من الأطباء في هذه المرافق، ولاسيما في المناطق النائية، حيث الغياب مرتفع للغاية. هناك العديد من الممرضات، لكن معظمهن غير مدربات تدريبا كافيا. ومع ذلك، فهن يشغلن المرافق عن بعد من تلقاء أنفسهن.
وبعيدا عن الموظفين، تفتقر المرافق الصحية النائية في إندونيسيا إلى البنية التحتية الداعمة الكافية: المياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء والأدوية والمعدات الأساسية. لا يمكن للحكومات المحلية اللامركزية، التي لا تتمتع بأي سلطة تذكر على العيادات النائية، أن تشرف على أنشطتها. ولا عجب أن يكون لإندونيسيا واحدة من أعلى المعدلات لوفيات الأمهات في شرق آسيا.
فالفائض من المرافق الصحية غير المجهزة تجهيزا جيدا ليس غير فعال فحسب؛ يمكن أن يزيد الأمر سوءا، بسبب عوامل مثل سوء المرافق الصحية وضعف نظم الإحالة في حالات الطوارئ. وأثناء أزمة الإيبولا الأخيرة، تسببت المرافق غير المؤهلة في المزيد من الوفيات، ليس فقط بين المرضى، ولكن أيضا بين العاملين الصحيين الملتزمين بمساعدتهم.
وبدلا من مواصلة السعي إلى الانتشار المطلق لمرافق الرعاية الصحية غير المجهزة تجهيزا جيدا، ينبغي أن ينظر صانعوا السياسات في نهج أكثر اعتدالا. وبطبيعة الحال، يحتاج الناس الذين يعيشون في المناطق النائية إلى الحصول على الرعاية الصحية الجيدة، دون الحاجة إلى التنقل في الطرق الوعرة والخطيرة التي قد تصبح غير ممكنة في بعض الفترات من السنة. غير أن خدمات التوعية والعاملين الصحيين المجتمعيين يمكن أن يغطوا هذه المجالات بفعالية أكبر. وقد تم مؤخرا إثبات قيمة هذا النهج في إثيوبيا، حيث تحسنت النتائج الصحية.
وفي حين أن معظم مرافق سيراليون بُنيت بأموال من قبل المانحين، فإن الحكومة قد دعمت خططا لتسريع عملية البناء. وتتحمل الحكومة والجهات المانحة مسؤولية مشتركة عن إتباع نهج أكثر حذرا يضمن تقديم خدمات عالية الجودة.
وخلال مؤتمر الصحة العالمية لمنظمة الصحة العالمية هذا الشهر، ينبغي للمشاركين تسليط الأضواء على هذه المسؤولية والبدء في إعادة النظر في الاستراتيجيات الحالية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة. مع نهج أكثر قياسا، وسوف يستغرق وقتا أطول لبناء نفس العدد من العيادات. لكن سيتم إنقاذ المزيد من الأرواح. وهذا هو المؤشر الوحيد الذي ينبغي الاعتماد عليه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة