علي السباعي
شباك خشبي شاخت ملامحه ، طالها التعب ، تعب الجنوب ، مثلما طال التعب وجوهنا الجنوبية وعلاها حتى صار علامتها الفارقة، مثلنا شباك عبد الرضا عناد ، شباك كدر كدرة حياتنا العراقية ، شباك قديم ، قديم مثل قصص الحب الأولى ، حبنا الأول ، يوم كان الخجل ” المستحه ” حاضراً . شباك خشبي مستطيل أكلته السنون ، يحيطه طابوق أصفر بحمرة الغروب متآكل متهالك عتيق أكلته التعرية الجوية مثلما أكل الزمن من جدران أعمارنا . أنه شباك عبد الرضا عناد حاضراً بكل مناخات حياتنا العراقية بعدسته الرائية.
جدران وشبابيك بيوتنا هي حياتنا ، أعمارنا ، احتضنتها بين أضمامتي عدسته ، ما إن رأيته ، رأيت شباكه ، شباكي ، شباك عبد الرضا عناد حتى وقفت مبهوراً أبكي حياتي الماضية ، مر قطار العمر سريعاً، أنه شباك بيتنا الذي يقع في شارع النصارى ” عكد العصملي ” في مدينة الناصرية. آهٍ . أنه شباك حبيبتي الزباء، زباء علي السباعي ، شباك الغرفة عينها التي ولدتني فيها أمي، يا إلهي . أنه شباك حبيبتي ، شباك الزباء ، يوم كان شاهداً علينا، شاهداً على حبنا ، يوم كان الحب بالنظرات والرسائل ، لطالما احتضنت أضلعه الحديدية رسائلي ، ونظراتي ، وحسراتي مثلما احتضنت رسائل الشاعر الجنوبي رشيد مجيد حبه لليلى اليهودية التي تنتظره في ذهابه وإيابه ، عنده ، عند الشباك ، شباكي ، وكان شاهداً على حسراتهما ، مثله كمثل شباك وفيقة كان شاهداً على حب بدر شاكر السياب لها ، وكان شاهداً أيضا على حياة الزعيم عبد الكريم قاسم فيه ، يوم كان ضابطاً بنجمتين من ذهب محبة الناس في حامية الناصرية العسكرية ، الحياة قصيرة بدورتها ، دارت بنا ودرنا فيها ، تغربنا فيها حتى دارة الدارة (( بيت الشناشيل )) بشباكه الوحيد إلى عناد التت نجي ، والد الرائي الجنوبي عبد الرضا عناد ، وثقها بعينه الرائية ، دون حياتنا بلقطة فذة ، فريدة ، أرخت حياتنا بدموع الحبيبات وحسراتهن على رسائل الحب اللائي لم يقرأنها لأنهن لا يجدن القراءة والكتابة ، لأنهن بنات بيوت.