لوري بلوتكين بوغارت
وسايمون هندرسون
وماثيو ليفيت
وكاثرين باور
مع تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين قطر والدول الخليجية المجاورة، يكمن التحدي الرئيسي في تحديد أفضل نهج قد تتبعه واشنطن في دور الدوحة المعقد كشريكٍ أمني للولايات المتحدة. وتعد قطر حليفاً استراتيجياً مهماً بالنسبة لواشنطن، ولا سيما بوصفها مضيفة لـ «قاعدة العديد الجوية»، وهي منشأة هامة في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (انظر أدناه لتحليل متعمق للقضية الأساسية). إلا أنها تدعم أيضاً قوى خطيرة في الشرق الأوسط تهدد مصالح الولايات المتحدة والحلفاء. ونتيجة لذلك، ينطوي المناخ الحالي على فرص ومخاطر بالنسبة لواشنطن.
ولدى البحث في كيفية معالجة الأزمة، يجب على المسؤولين الاميركيين اتباع أربعة مبادئ توجيهية عامة، هي: طلب إحاطة كاملة وتحديثات منتظمة عن النوايا الإماراتية والسعودية من أبو ظبي. إنّ واقع قيام كبار الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة باتخاذ إجراءات صارمة ضدّ شريك آخر وثيق من دون استشارة واشنطن هو أمر مثير للقلق. يتعين على كبار المسؤولين في الإدارة الاميركية السعي إلى التوصل إلى فهمٍ كامل لما تسعى دولة الإمارات والسعودية لتحقيقه في هذه الأزمة، وكيف تنويان تحقيقه، والمرحلة النهائية التي تتصورانها لقطر. وقد تكون الإمارات القناة الأكثر فعالية للحصول على مثل هذه المعلومات نظراً لعلاقتها الخاصة مع واشنطن، لكن ينبغي إشراك السعوديين أيضاً. ويجب أن تركّز هذه المشاورات على المجالات ذات المصالح المشتركة، ومجالات الاختلاف، والتحضيرات لمختلف النتائج المحتملة. إن درجة استعداد السعوديين لمناقشة هذه القضايا بالتفصيل ستكون اختباراً جيداً للعلاقات الثنائية بعد زيارة الرئيس ترامب الأخيرة إلى الرياض.
تركيز الجهود الدبلوماسية الاميركية على تقييد الدعم القطري للجهات الفاعلة الإقليمية الخطرة. أثارت بعض سياسات الدوحة مخاوف كبيرة لدى واشنطن على مدى سنوات، لذا يتعين على الإدارة الاميركية أن تستغل الأزمة الراهنة كفرصة للحصول على المزيد من المشاركة الفعّالة حيالها. ويعني ذلك البحث مع الدوحة وأبوظبي والرياض في الخطوات المحددة التي يمكن أن تتخذها قطر لوقف الدعم للجهات الفاعلة المتطرفة أو كبحه. وتشمل المواضيع التي يجب التطرق إليها في هذه المحادثات الدعم السياسي والمالي فضلاً عن الملاذات الآمنة ومنصات التواصل (مثل «الجزيرة»). ويمكن لواشنطن أن تكافئ قطر على إدراج تحسينات في هذه المسائل من خلال إعطائها ضمانات أمنية إضافية، وتقديراً عاماً إذا رغبت في ذلك.
إدراك أنّ بعض الأمور لن تتغير وأنّه لا بأس بذلك. إن رغبة قطر في الحفاظ على علاقات العمل مع إيران هي في الأساس غير قابلة للتفاوض، ويعود ذلك إلى حدّ كبير إلى حقيقة أن البلدين يتشاركان أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم. وعلى غرار الكويت وعُمان، هناك مزايا لعلاقة قطر مع إيران بالنسبة للمصالح الأمنية الاميركية.
*الأخذ في عين الاعتبار أنّ النتيجة الأفضل هي التوصل إلى قطر أكثر اعتدالاً، وليس قطر غير مستقرة. إنّ الإجراءات التي تزعزع استقرار قطر بسرعة أو تجعلها تشعر بأنها مضطرة إلى التعاون مع إيران لا تتناسب مع المصالح الأمنية الاميركية. وسوف ترحب طهران بالنتيجة الأخيرة وتعمل على تحقيقها.
ما العمل في ما يخص «قاعدة العديد الجوية»؟ | بقلم سايمون هندرسون
تُشكل «قاعدة العديد الجوية» الضخمة في الوقت الحالي جزءاً أساسياً من قدرة الولايات المتحدة على نشر قوة عسكرية في المنطقة. وقد تم استخدامها بنحو كبير خلال الحملات على العراق وأفغانستان، وهي اليوم مركز قيادة العمليات ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية». وتضم هذه القاعدة مدرجاً طويلاً قادراً على تحمّل أكبر القاذفات، فضلاً عن «مركز العمليات الجوية المشتركة» (CAOC) المحصّن.
ويتم استخدام «قاعدة العديد» منذ عام 2003، وقد حلّت محل قاعدة جوية سعودية و»مركز العمليات الجوية المشتركة» (CAOC) الذي لم تسمح الرياض بتحصينه ضدّ هجمات العدو. بالإضافة إلى ذلك، كان على الطائرات الاميركية في تلك المنشأة أن تمرّ بالمجال الجوي الكويتي في طريقها إلى أهداف عراقية ليتمكّن السعوديون من الادعاء بنحو لا يصدّق أنهم غير مشاركين. كما استضافت «قاعدة الظفرة الجوية» في دولة الإمارات مجموعة من الطائرات الاميركية الناقلة والاستطلاعية، إلا أنها ليست مجهزة بنحو جيد كـ «قاعدة العديد». وقد استضافت القواعد الجوية في الكويت والبحرين وسلطنة عمان الطائرات الاميركية أيضاً ولكنها تفتقر على نحو مماثل لـ «مركز العمليات الجوية المشتركة».
وتؤمّن حاملات الطائرات الاميركية تقليدياً «أربعة فدانات ونصف من الأراضي السيادية الاميركية» بمنأى عن القيود الأجنبية، بيد أنّ القوات البحرية تركّز حالياً على مواجهة التهديد من كوريا الشمالية. وحتى لدى العمل في الخليج، تعتمد أي حاملة طائرات مكلّفة بضرب أهداف في العراق أو سوريا على إعادة التزود بالوقود في أثناء الطيران تؤمنها الناقلات في القواعد الساحلية مثل «قاعدتَي العديد والظفرة».
وباختصار، في حين أنّ الجيش الاميركي قد يكون قادراً على التخلي عن «قاعدة العديد» في حالة الضرورة القصوى، إلّا أنّ هذا ليس خياراً جيداً على المدى القريب، وسيعني المضي من دون وجود «مركز العمليات الجوية المشتركة» (CAOC) إلى حين إنشاء مركز جديد. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تعمل واشنطن جاهدةً على زيادة عدد المرافق المتاحة في المنطقة وتحسين ترتيبات القيادة والمراقبة مع الحكومات الشريكة. كما ينبغي أن تتابع إمكانية العودة إلى السعودية وربما تخفيف القيود المفروضة في «[قاعدة] العُديد» وغيرها (على سبيل المثال إخطار أقل بتحركات الطائرات والأفراد، وتسهيل الحصول على أُذونات للضربات العسكرية).
في مجال الطاقة
على الرغم من صغر عدد سكان قطر، إلّا أنّها تتمتع بنفوذ إقليمي كبير نظراً لمواردها الضخمة من الغاز الطبيعي. فهي تملك ثالث أكبر احتياطي غاز في العالم (بعد إيران وروسيا)، وكونها المورّد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال فلا تنافسها في ذلك سوى أستراليا. ويمتد عملاء الدوحة من بريطانيا إلى اليابان، كما أنها عضو في «منظمة الدول المصدّرة للبترول» (أوبك) على الرغم من إنتاجها القليل نسبياً من النفط.
ويمكن إيجاد معظم الغاز القطري قبالة الساحل في حقل الشمال الذي يقع تحت مياه الخليج وهو متاخم لحقل فارس الجنوبي الأقل تطوراً في إيران. بيد أنّ الدوحة تفتقر إلى جيش كبير، وبالتالي فإنّ مرافقها البحرية ومحطة رأس لفان الضخمة للغاز الطبيعي المسال غير محمية إلى حدّ كبير. وبعبارة أخرى، تعتمد قطر على حسن النوايا الإيرانية والدعم العسكري الاميركي لحماية أكبر مصادر ثروتها.
وعلى الرغم من الأزمة الحالية، لم يتم الإعلان عن خطة لإغلاق خط أنابيب دولفين الذي ينقل الغاز القطري إلى الإمارات وعُمان. وتشير بعض التكهنات في هذا القطاع إلى أنّ ميناء الفجيرة الإماراتي، وهو مركز أساسي للتزويد بالوقود، سيُغلق أمام السفن التي ترفع العلم القطري، ولكن لن يشكّل ذلك سوى صعوبةً تجارية.
ومن الضروري أن يعكس موقف الولايات المتحدة بشأن حقوق الغاز في قطر التزامها الثابت بضمان حرية مرور إمدادات النفط دولياً. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على واشنطن أن تحاول تحسين علاقات الطاقة داخل دول «مجلس التعاون الخليجي». فعلى سبيل المثال، تعرقل السعودية منذ فترة طويلة تمديد خط أنابيب دولفين إلى الكويت، مما أجبر هذه الأخيرة على استيراد الغاز الطبيعي المسال بواسطة ناقلة من دول بعيدة مثل ترينيداد وتوباغو.
سجل قطر المتباين في محاربة الإرهاب | بقلم ماثيو ليفيت وكاثرين باور
لدى دول «مجلس التعاون الخليجي» مجموعة متنوعة من الشكاوى حول الدوحة، ولكن أبرزها استمرار الدعم القطري للجماعات الإسلامية المتطرفة في المنطقة بما في ذلك تمويل تنظيم «القاعدة» وجهات فاعلة مماثلة. وعلى الرغم من أنّ واشنطن خصّت قطر بالذكر في عام 2014 باعتبارها «سلطة متساهلة في تمويل الإرهاب»، إلا أن المسؤولين الاميركيين أثنوا مؤخراً على الدوحة بصورة متواضعة. وقد أشار متحدّث باسم الولايات المتحدة في حديثٍ له الشهر الماضي عقب اجتماعٍ بين وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون ونظيره القطري إلى أنّ الوزيرين استعرضا «جهود قطر المستمرّة لوقف تمويل الجماعات الإرهابية، بما في ذلك مقاضاة المشتبهين المموّلين، وتجميد الأصول، وإدخال ضوابط صارمة الى نظامها المصرفي». وفي الآونة الأخيرة، أعادت سفيرة الولايات المتحدة في قطر دانا شل سميث تغريد البيانات من عام 2016، وأشارت إلى «التقدم الحقيقي» الذي أحرزته قطر على هذا الصعيد.
وقد اتّخذت قطر بالفعل إجراءات ضدّ الأفراد الذين يموّلون الجماعات الإرهابية، إلا أنها امتنعت عن نشر هذه المعلومات. وقد سعت إلى حلول منهجية على مدى السنوات القليلة الماضية، مثل إنشاء «لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب» مخوّلة تحديد هؤلاء المموِّلين بنحو مستقل عن الأمم المتحدة. واعتمدت تشريعات لتنظيم الجمعيات الخيرية التي تدير أو ترسل الأموال إلى الخارج على نحو أفضل. غير أنها رفضت حتى الآن الاعتراف علناً فيما إذا كان قد تم اتخاذ أية إجراءات في إطار هذه السلطات. وتشكّل تقارير الحكومة الاميركية مصدر المعلومات القليلة المعروفة.
فعلى سبيل المثال، وفقاً لوزارة الخارجية الاميركية، جمّدت قطر أموال المموِّلين الذين حدّدتهم الأمم المتحدة بموجب التزاماتها كدولة عضو وأصدرت حظر سفر بحقهم، كما لاحقت الأفراد المتورطين في تمويل الإرهاب. وأشادت الوزارة بقطر في تقاريرها القِطرية عن الإرهاب “Country Reports on Terrorism” لعام 2014، لقيامها بخطوتين بارزتين هما: إغلاق حملة على الإنترنت يُشتبه في أنها تجمع الأموال للعناصر العنيفة المتطرفة في سوريا، وترحيل مموِّل أردني للإرهاب مقيم في الدوحة.
بيد لم تُتخذ هذه الإجراءات سوى لمرة واحدة فقط استجابةً للضغوط الاميركية الكبيرة. ولم تتّخذ قطر حتى الآن القرار الاستراتيجي بالتصدّي لتمويل الإرهاب بنحو علني كمسألة سياسية، وقد ثبُت أنّ بعض إجراءاتها المعروفة هي تدابير غير مُكتملة (مثل مقاضاة بعض المموّلين الإرهابيين الذين حدّدتهم الولايات المتحدة والأمم المتحدة من دون أن تسجنهم). ويُظهر إحجام الدوحة عن نسب الفضل إليها في الخطوات الإيجابية القليلة التي اتخذتها عدم الجدية في جعل قطر بيئة غير مؤاتية لمثل هؤلاء المموّلين. وتعكس هذه العقلية أيضاً سياسة الدوحة الأوسع المتمثّلة في دعم جماعات مثل حركة «حماس» و «طالبان» وتنظيم «القاعدة في سوريا».
*لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة «باربارا كاي فاميلي» في معهد واشنطن ومحللة سابقة في «وكالة المخابرات المركزية» الاميركية. سايمون هندرسون هو زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد. ماثيو ليفيت هو زميل «فرومر- ويكسلر» ومدير برنامج «ستاين» للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المعهد، ومسؤول سابق بوزارة الخزانة و»مكتب التحقيقات الفدرالي» الاميركيان. كاثرين باور هي زميلة «بلومنستين كاتس» في برنامج مكافحة الإرهاب في المعهد ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة.