يمثل عدم التدخل في اختصاصات العمل القضائي أو التجاوز على صلاحياته ، من أهم أسس الأنظمة الديمقراطية، وقد كرّس الدستور العراقي هذا التوجه، من خلال التأكيد على الفصل بين السلطات الوارد في المادة (47) منه ونصها «تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات».
وصادف صدور بعض القوانين وفيها نصوص تخالف الدستور من هذا الموضع، الذي يعدّ وفق المادة (13) منه القانون الأسمى في البلاد وملزماً للسلطات كافة ولا يجوز إصدار قانون يتعارض مع أحكامه ، ومن هنا يأتي دور المحكمة الاتحادية العليا في الفصل من ذلك، بعدما تم الطعن بتلك القوانين من أي كان موقفه.
وواحدة من النصوص التشريعية التي قررت المحكمة الاتحادية العليا عدم دستوريتها كونها تمس استقلالية القضاء، هي المادة (176/ أولاً) من قانون الكمارك رقم (23) لسنة 1984 التي نصت على (يمارس موظفو الكمارك لغرض تنفيذ هذا القانون سلطة أعضاء الضبط القضائي في حدود اختصاصهم ولا يجوز إحالتهم على المحاكم بسبب يتعلق بوظائفهم إلا بأذن من الوزير).
وكان قرار المحكمة الاتحادية تضمن أكثر من سند حيث ان المادة تعدُّ تقييداً لصلاحية القضاء في محاكمة المتهم في حال ارتكابه جريمة أثناء تأديته وظيفته، كما رأى القرار أنها تتعارض مع المادة (47) من الدستور وتخالف مبدأ توفير الضمانات من خلال محاكمة عادلة، فضلا عن أنها تناقض الفقرتين الأولى والسادسة من المادة (19) من الدستور، اللتين نصتا على استقلال القضاء وعدم وجود سلطان عليه لغير القانون، وأحقية الفرد بأن يعامل معاملة عادلة في الاجراءات القضائية.
وقد تناغم القرار القضائي الدستور مع توجهات مجلس النواب في إلغائه الفقرة (ب) من المادة (136) الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية التي كانت تشترط موافقة مرجع المتهم على إحالته على المحاكمة في حالة ارتكابه جريمة أثناء أو بسبب تأديته واجبات وظيفته، حيث أكد العديد من المراقبين أن وجود تلك المادة كان سبباً في عدم محاسبة المتهمين بهدر المال العام على وجه الخصوص.
ليس هذا فقط، بل أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قراراً بالرقم (12/ اتحادية/ 2016) بخصوص قرارات لمجلس قيادة الثورة المنحل التي تخول السلطة التنفيذية فرض عقوبات جزائية مثل الحبس والغرامة، فقررت عدم دستوريتها.
ومن المعروف أن مجلس قيادة الثورة المنحل أعطى الضوء الأخضر لأشخاص من غير القضاة صلاحية التوقيف والتحقيق وهي مهام قضائية صرفة فجاء قرار المحكمة الاتحادية على أن تلك الصلاحيات مناطة حصراً بالقضاء.
*كاتب في الشؤون القانونية
إياس حسام الساموك