ملاحظات على «برامج ومنجزات وزارة النفط بعد التعديل الوزاري الأخير»

احمد موسى جياد

بعث «مكتب الوزير» بتاريخ 23 مايس 2017 رسالة الكترونية بعنوان برامج ومنجزات وزارة النفط بعد التعديل الوزاري الاخير مرفقة بتقرير يحمل العنوان نفسه مكون من خمس صفحات مصورة الى مجموعتين من المرسل اليهم وقد كنت ضمن كلتا المجموعتين.
وفي البدء لابد من القول والتأكيد على ان هكذا تواصل، بين الوزارات التنفيذية من جهة والمعنيين من خبراء واكاديميين وفنيين من ذوي الاختصاص وغيرهم من جهة ثانية، امر مرغوب وضروري ومرحب به وحتمي عملا بمبادئ الحوكمة التشاركية والشفافية وخدمة المصلحة الوطنية. ولكن ذلك يتطلب بالاساس المصداقية؛ صحة واكتمال ودقة المعلومة؛ الموضوعية والوضوح في الطرح وتقديم الادلة القابلة للتحقق من كل ما يرد بشأن الامور المطروحة.
في ضوء ما تقدم وبعد قراءة التقرير يمكن ابداء الملاحظات التالية:
اولا: هناك اكثر من تساؤل حول المسائل الشكلية للتقرير. فالتقرير لم يكتب على ورق يحمل اسم الوزارة ولاشعارها ولاعنوانها ولا ختمها. كذلك ان التقرير غير موقع من قبل أي شخص ولايحمل تاريخ اصداره. وان البريد الالكتروني الذي ارسل التقرير (كيميل) وليس البريد الرسمي للوزارة. تضمن التقرير عنوان الموقع الالكتروني للوزارة وقد حاولت عدة مرات التواصل مع الموقع للتاكد من وجود التقرير فيه وفي كل مرة احصل على رسالة تشيربان الموقع لايجيب. يضاف الى ذلك ان التقرير كان على شكل نسخ مصورة (سكاند كوبي) وليس على شكل (وورد او بي دي اف) بخلاف الصيغة الاعتيادية لما يرسل من اخبار من مكتب الوزير. واغلب الظن ان التقرير قد اعد من قبل شخص من خارج الوزارة وله علاقة مباشرة مع الوزير!!!
كل ماذكر قد يشكل اساسا للشك في مصداقية التقرير وخاصة في الاونة الاخيرة التي كثرت فيها حالات التقارير والاخبار المفبركة. لقد كان من الواجب على «مكتب الوزير» الانتباه لهذه الأمور الشكلية ولكن المهمة ايضا. ومع ذلك سأفترض حسن النية وان التقرير معد ومرسل من قبل مكتب الوزير.
ثانيا: تضمن التقرير الاشارة الى العديد من الامور والوقائع والانجازات والمشاريع السابقة للتغيير الوزاري الاخير؛ ولكنها كتبت بصيغة تعطي الانطباع بأنها انجازات الوزارة/الوزير بعد التغيير الوزاري الاخير. وهذ يشكل غاية في الغبن والاجحاف والتضليل وعدم العدالة في إقرار انجازات الوزارة ونسبها، ضمنيا، الى الوزير الحالي. وعليه من المنطقي التساؤل لماذا لم يركز التقرير، كما يشير عنوانه، على فترة ما بعد التغيير الوزاري فقط؟؟؟؟؟؟
ثالثا: تضمن التقرير العديد من المعلومات غير الدقيقة بغض النظر عن اهمية المعلومة. مثلا يشير التقرير الى «الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للنفط والطاقة،…،والتي صدرت عام 2011» و» قد مرت ست سنوات على اعدادها». ان كل من العنوان والتاريخ غير دقيق حيث ان «الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة 2013-2030 « تم اقرارها من قبل مجلس الوزراء في 16 مايس 2013 ووزعت النسخ المطبوعة بتاريخ حزيران 2013 . يبدوان الوزارة لم تعتمد على تلك الاستراتيجية المعتمدة رسمياً من قبل الحكومة بل اعتمدت على المسودة الاولية للاستراتيجية، علماً ان العقد مع الشركة التي انجزت الاستراتيجية وقع بتاريخ 1 تموز 2010 . وهذا يعني أيضا ان ما تنجزه الوزارة «الان وما خططت له للسنوات المقبلة»، كما يذكر التقرير، قد اعتمد على فهم غير دقيق للاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة 2013-2030.
والمثال الثاني يتعلق بشركة غاز البصرة حيث يشير التقرير الى «توقف العمل فيها منذ عام 2015 «. وهذا امر غريب جداً ومجاف للحقيقة ويتناقض تماماً مع ما اعلنته الوزارة ذاتها. حيث سبق للوزارة ان اعلنت في بداية هذا الشهر ان «مجموع الكميات التي تم تصديرها من قبل شركة غاز البصرة من مادة المكثفات خلال العام 2016 الماضي والتي بلغت (268061) متراً مكعباً كما بلغ مجموع الكميات المصدرة من مادة الغاز السائل الفائض عن حاجة العراق للعام 2016 الماضي (30341) طنا». كذلك يتعارض ما ورد في التقرير مع ما ورد بشأن هذه الشركة في الاتفاقية الموقعة بين العراق وصندوق النقد الدولي في تموز عام 2016. ومن الجدير بالذكر ان العمل في تلك الشركة قد تعثر، ولكن لم يتوقف، في تحقيق الاهداف لأسباب عديدة منها التخصيصات المالية وهذا ما يفسر تخصيص 350 مليون دولار لهذه الشركة ضمن الاتفاقية الموقعة بين العراق وصندوق النقد الدولي هذه.
رابعا: التناقض المنطقي في التقرير. يؤكد التقريران الوزارة اوقفت خلال عام 2016عمليات التطوير الخاصة بجولات التراخيص والحقول العاملة بالجهد الوطني وفي الوقت نفسه يشير الى انه «تم حفر واصلاح ما مجموعه 149 بئرا». والسؤال هنا هل تم حفر هذه الابار في عام 2017 ؟؟ وهل فعلا اوقفت الوزارة عمليات التطوير في عام 2016 ام انها خفضت برنامج العمل لأسباب مالية؟؟ واذا كانت الوزارة قد اوقفت عمليات التطوير في عام 2016 فكيف تمت زيادة الانتاج اليومي للنفط في جنوب العراق خلال الاشهر الثمانية الاولى من عام 2016 (قبل تسلم الوزير الحالي مهامه) بواقع 16.7% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015؟؟
كذلك ذكر التقرير بأنه تم «تقليص العمالة الاجنبية بنسبة اكثر من 30%». جيد ولكن من هي الحقول النفطية التي تم فيها تحقيق مثل هذا التقليص المؤثر؟ وهل تحقق ذلك بعد التعديل الوزاري؟ وهل كان ذلك نتيجة لإيقاف الوزارة عمليات التطوير كما يدعي التقرير؟ وهل تم احلال العمالة العراقية بدلا من العمالة الاجنبية واين؟ الخ!!
ومن الجدير بالذكران وزير النفط دعا خلال الاجتماع الذي عقد في 7 شباط الماضي مع ممثلي الشركات النفطية العاملة في العراق ضمن جولات التراخيص النفطية بحضور مدير عام دائرة العقود والتراخيص البترولية ومدراء شركات القطاع النفطي المعنية والادارات المشتركة للحقول النفطية، الى قيام الشركات الاجنبية بتقليص اعداد العمالة الاجنبية واستبدالهم بالعمالة العراقية واعطائهم فرصة اكبر بالعمل على ان يتم ذلك بأشرافه. فهل تم تقليص ثلث العمالة الاجنبية بفترة ثلاثة اشهر فقط؟ وان كان ذلك صحيحاً وفي حالة عدم احلال العمالة العراقية فان هذا يشير الى وجود بطالة مقنعة في العمالة الاجنبية وبكلف اقتصادية واجتماعية باهظة.
ويذكر التقرير»وضع خطة لتطوير حقول جديدة مستقبلا» ثم يضيف «وقد حققت هذه الخطط نتائج متميزة على صعيد الانتاج..» ويعود ليؤكد «سنحقق طاقة انتاجية…». و الامر نفسه ينطبق على ماذكر بشأن تحسين الادارة المكمنية حيث استعمل التقرير عبارات «تعمل» و»حققت» و»سيطبق». ما هذا التخبط والمزج والتداخل بين ماهو مخطط ومتحقق وسوف يتحقق!!!!!!!

خامسا: تساؤلات إضافية
ذكر التقرير بانه تم الاتفاق مع ايران «على توحيد حقلين لغرض التطوير المشترك» ولكن لم يتم ذكر اسم الحقلين ولا معلومات عن مضامين والاطر القانونية والتعاقدية الحاكمة لهذا التطوير المشترك. يضاف الى ذلك ان مثل هذه الاتفاقيات الدولية (بين دولتين جارتين) يجب ان تخضع، حسب الدستور الحالي، الى موافقة مجلس النواب؛ فهل حصلت موافقة المجلس ومتى؟؟؟؟؟
فيما يتعلق بمصفى ميسان الاستثماري فقد ورد في التقرير بان الوزارة انجزت «خطوات واجراءات بدء العمل،..، وقد ابتدأ العمل فيه بالفعل». وهذا امر مثير للاستغراب؛ حيث ان الوزير نفسه قد صرح في 13 اذار الماضي «ان المقاول لم يبدأ بعد. ولا اعلم لماذا. ولكني اعتقد باننا سننهي العقد (مع المقاول) وسنعيد اعلان المصفى». يضاف الى ذلك ان الشركة المقاولة (ساتاريم) قد اعلن افلاسها قانونيا وصدرت احكام من محاكم اوروبية بحقها وتم انسحاب الشركة المؤتلفة مع ساتاريم من المشاركة في المصفى. ولدي الادلة التي تدعم ماذكر بحق شركة ساتاريم ومديرها التنفيذي وقد سبق ان كتبت الكثير عن هذه الصفقة المشبوهة منذ البداية.
بعد التعديل الوزاري ازدادت نسبة الغاز الطبيعي المصاحب المحروق الى الغاز الطبيعي المصاحب المنتج من 69.9% في شهر تموز 2016 الى 73.9% في شهر اذار 2017. فاين الانجاز؟؟؟؟؟
وفي الفترة نفسها ازداد انتاج المصافي بنسبة 14.9% ولكن الفجوة في الطلب على المنتجات النفطية اصبح في شهر اذار الماضي 20.5% اكثر من انتاج المصافي مما يعني الاستمرار في استيراد المنتجات لسد الحاجة المحلية. واغلب ما ورد في التقرير بشان المصافي قد كتب بصيغة «سوف ونعمل وسنطرح وغيرها من العبارات المستقبلية» والتي لاتشير الى انجاز فعلي لجهد مابعد التغيير الوزاري.
كذلك أشار التقرير الى توقيع «مذكرة تفاهم مع شركة امريكية لانشاء مصفى استثماري في البصرة بطاقة 100 الى 150 الف برميل يوميا» فمتى تم التوقيع على هذه المذكرة؟ ومن هي هذه الشركة؟ وماهي المكونات والشروط الاساسية لمذكرة التفاهم هذه؟ وماهي الجدوى الفنية والاقتصادية لهذا المصفى في ضوء المشاريع المماثلة في البصرة وخاصة مقترح مصفى الفاو(300 الف برميل يوميا) ومشروع نبراس للبتروكيماويات بين وزارة الصناعة والمعادن وشركة شل.
مع الاسف مازال التخبط وفقدان الرؤية الصائبة وانعدام دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية سائداً فيما يتعلق بقطاع التصفية وقد تكثف كل ذلك وبنحو صارخ وخطير بعد التعديل الوزاري الاخير.
اشار التقرير الى «التعاقد مع شركتي اكسون موبيل(الاميركية) وسي ان بي سي (الصينية) على تطوير حقلي نهر عمر وارطاوي واكمال … «. والسؤال هنا هل تم التعاقد فعلا ام ان الوزارة تعمل على ذلك؟ وفي حالة التعاقد الفعلي فما هي شروط وطبيعة العقد ومتى وقع وهل استحصلت موافقة مجلس الوزراء واعلم مجلس النواب؟
سادسا: مالم يذكره التقرير
لم يتضمن التقرير اية اشارة الى الدور المعيب والسلبي فيما يتعلق بتخفيض انتاج العراق ضمن الاوبك ولم يدافع عن حقوقه كما فعلت ايران او ليبيا او نيجيريا بل وحتى اندونيسيا.
كما لم يتضمن التقرير الاشارة الى ما دعا اليه الوزير بتوسيع شركة ناقلات النفط وبعد ان تم الاعلان عن شراء ناقلتين تم ايقاف الموضوع من قبل رئيس الوزراء بعد التداول مع سومو!!!!
ومن الغريب ان التقرير لم يذكر أي شيء عن القانون البائس الخاص بشركة النفط الوطنية العراقية الذي ارسل مؤخراً الى مجلس النواب.
كذلك لم يوضح التقرير مبررات حجب المعلومات الدورية والانحسار الشديد والخطير في الشفافية فيما يتعلق بإنتاج النفط والغاز والاستهلاك الداخلي والغاز المصاحب المحروق وعوائد صادرات المكثفات والغاز البترولي المسال (ال بي جي) وغيرها من الامور المماثلة والتي حصلت منذ التعديل الوزاري الاخير وليومنا هذا.
ان بالإمكان الكتابة اكثر مما ذكر اعلاه وتوفير معلومات اشمل واكثر تفصيلا ولكنني اكتفي بهذا القدر.
واخيراً اود التأكيد وبكل قوة وقناعة صادقة: يجب ان لا يؤخذ ما ذكر بهذا الرد على انه تقليل من جهود كل العاملين في وزارة النفط. مطلقا. بل محاولة للتوضيح وتوفير المعلومات وتفنيد الادعاءات التي تغبن حق وجهود العاملين في الوزارة ذاتها.

*استشارية التنمية والابحاث

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة