لي جونغ وا
لدى الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية و المحامي السابق في مجال حقوق الإنسان مون جي -ان و الذي يمثل الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) عمل كثير للقيام به فعلى الرغم من ان سلوك كوريا الشمالية الاستفزازي بنحو متزايد ما زال يسيطر على عناوين الصحف الرئيسة إلا أن نجاح رئاسة مون متوقف الى حد كبير على سياساته الاقتصادية.
لقد بدأت تظهر في كل من الاقتصادات العالمية واقتصاد كوريا الجنوبية بوادر الانتعاش و هذا يعد خبراً ساراً بالنسبة لمون جي فقد سجلت الصادرات الكورية وفي طليعتها أشباه الموصلات والبتروكيماويات نمواً إيجابياً للشهر السادس على التوالي حيث ارتفع إجمالي الصادرات في أبريل بنسبة 24 في المائة عن العام السابق و عاد مؤشر سعر الأسهم الرئيسي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.
لقد أثر سلوك كوريا الشمالية بطبيعة الحال على اقتصاد كوريا الجنوبية وبنحو يتجاوز التأثير الأمني المعروف ، إلا أن تخفيف حدة توترات المنطقة و التي يمكن ان تبدأ من خلال لقاءات مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ و ربما يتقدم الأمر و يصل الى استئناف المحادثات مع كوريا الشمالية مما سيؤدي الى إنتعاش معنويات المستهلك و آراء الشركات.
ولكن لابد أن يعوق هذا الإنتعاش مشكلات هيكلية عميقة ما تزال تربك الإقتصاد في كوريا الجنوبية فبعيداً عن تشجيع المشاريع الجديدة والمبتكرة، ما يزال النظام الاقتصادي للبلاد تهيمن عليه تكتلات عملاقة لها نفوذ سياسي وتملكها بعض العائلات والتي تدعى «التشايبول». لقد عرقلت الإنتاجية الراكدة في قطاع الخدمات نمو الإنتاجية بنحو عام ولقد إزداد الوضع سوءا بالنسبة لعدم تطابق المهارات إضافة إلى فشل نظام التعليم في إعداد طلاب يصلحون لسوق العمل الذي يتطور بسرعة.
لم تفعل السياسات الحكومية حتى الآن إلا القليل لزيادة إمكانيات النمو وفرص العمل كما فشل صناع السياسات في تعزيز كفاءة القطاعين العام والمالي أو للتصدي للضغوط الديمغرافية المتزايدة الناجمة عن إنخفاض معدلات المواليد وارتفاع نسبة الشيخوخة للسكان. يأمل مون في تغيير ذلك من خلال استراتيجية من ثلاثة جوانب و التي يطلق عليها اسم «قواعد جي الإقتصادية».
الجانب الأول هو خلق فرص عمل في القطاع العام و ذلك من أجل تقليل نسبة البطالة لدى الشباب التي يبلغ معدلها حاليا 11.2 في المائة لذا يتعهد مون بخلق 000 810 وظيفة في القطاع العام بما في ذلك 174 ألف وظيفة من وظائف الخدمة المدنية في الأمن الوطني والسلامة العامة و 000 340 وظيفة في الخدمات الاجتماعية و ذلك خلال الخمس سنوات القادمة كما وعد بتحويل 300 ألف عامل غير نظامي في القطاع العام إلى موظفين دائمين.
في حين يهدف الجانب الثاني من قواعد جي الإقتصادية إلى توسيع شبكة الأمان الاجتماعي للكوريين من جميع الأعمار و قد تعهد مون بتقديم إعانات شهرية بقيمة 100 ألف ون (88 دولارًا) للآباء الذين لديهم طفل حتى سن الخامسة أما الشباب العاطلون عن العمل (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 سنة) فسوف يحصلون على 300 ألف ون شهرياً، كما سيحصل على المبلغ نفسه أي شخص يبلغ من العمر 65 عاماً أو أكثر والذين ينتمون إلى فئة السبعين بالمائة الأدنى بالنسبة لتوزيع الدخل ويخطط مون أيضا لتوسيع مراكز الرعاية النهارية الحكومية وتمديد إجازة الأبوة أيضا و ذلك لتخفيف عبء رعاية الأطفال على الأسر.
أما الجانب الثالث من قواعد جي الإقتصادية فهو إصلاح التشايبول الذي يهدف إلى الحد من هيمنة التكتلات ولتحقيق هذه الغاية فقد تعهد مون بفصل السياسة عن قطاع الاعمال بما فى ذلك إنهاء الممارسة الطويلة العهد المتمثلة فى منح العفو الحكومي لرؤساء التشايبول المدانين علماً أن هذه الخطوة ستؤثر بنحو مباشر على نائب رئيس مجموعة سامسونج لي جاى يونج والمسجون حاليا والذي يحاكم بتهمتي الرشوة والإختلاس.
يعد مون أيضا بتطبيق أنظمة أكثر صرامة و ذلك لمنع التشايبول من الدخول إلى الشركات المالية والتوسع بنحو متهور في قطاعات قد تكون ملائمة أكثر للشركات الصغيرة ومن أجل إعطاء المساهمين الجدد المزيد من النفوذ يخطط مون لإدخال نظام التصويت التراكمي لإنتخاب مجالس إدارة الشركات.
لكن بعد تسع سنوات من الحكم المحافظ لن يكون مون قادرا ببساطة على تنفيذ برنامج عمله فهو لا يملك في الواقع مع حزبه الديمقراطي سوى 40% من 299 مقعدا في الجمعية الوطنية لذا سيكون عليه الحصول على الدعم من الأحزاب الوسطية و حتى المعارضة المحافظة إضافة إلى ذلك سوف يحتاج إلى دعم أوسع من عامة الناس.
سيتعين على مون إعادة النظر بعناية في فعالية و قابلية تنفيذ وعوده الإنتخابية و ذلك لتحقيق النجاح المطلوب و يجب عليه أن يحدد أكثر التدابير الواعدة و أن يتجنب العوائق الأكثر وضوحا فمثلا عندما يتعلق الأمربخلق فرص عمل في القطاع العام فإن المشكلة الرئيسة التي يجب مراعاتها هي العبء المالي الطويل الأجل الذي ينشأ عن هذا التوظيف الواسع النطاق.
يجب على الحكومة إتباع نهج أفضل و هو خلق عدد أقل من الوظائف في القطاع العام والعمل بجد لتشجيع الشركات الخاصة على توظيف المزيد من الشباب و ذلك من خلال توفير حوافز مالية على سبيل المثال كما يمكن أن تسهم حكومة مون في خلق فرص العمل في القطاع الخاص عن طريق التخفيف من اللوائح والإنظمة ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على الازدهار و ضمان سوق عمل مرن بحيث لا تتم حماية التوظيف بدوام كامل بنحو مفرط إضافة الى تطبيق زيادات في الأجور على أساس الأداء في العمل.
على الرغم من ذلك لا تعد بطالة الشباب من أكبر تحديات العمل في كوريا الجنوبية علما أن من المتوقع أن ينخفض عدد الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 20-29) و ذلك بغضون ست سنوات فقط في كوريا الجنوبية بنحو حاد بمقدار 390،000. إن التحدي الأكبر هو النقص في اليد العاملة الذي سيظهر عندما يتقاعد المولودون في السنوات التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية في غضون سنوات قليلة . لذا ستحتاج كوريا الجنوبية للتغلب على هذه المشكلة إلى خطة شاملة لمواصلة تنمية مواردها البشرية، بما في ذلك توسيع نطاق التعليم المهني والتدريب للشباب الباحثين عن عمل. وستحتاج أيضا إلى استراتيجية لرفع معدل المواليد، بما في ذلك عن طريق تعزيز بيئات عمل أكثر مرونة، ورعاية الأطفال بأسعار معقولة وبجودة عالية وإجازة الأبوة المدفوعة.
أما فيما يتعلق بتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي فليس من الواضح جدا طبقا لقواعد جي الإقتصادية كيفية تمويلها فقد قررت الحكومة أن ترفع المعدل الأعلى لضريبة الدخل الشخصي والحد من معظم الاستقطاعات، وخاصة بالنسبة للمؤسسات الكبيرة؛ وربما زيادة معدل الضريبة على الشركات. ولكن من المتوقع أن تواجه مثل هذه الإصلاحات الضريبية مقاومة قوية لأن نحو نصف الأسر والشركات الكورية الجنوبية لم تدفع أي ضريبة على الدخل أو ضريبة على الشركات في عام 2014.
وأخيرا، هناك شكوك حقيقية حول المدى الذي يمكن أن يذهب اليه مون في إصلاح التشايبول فقد فشلت الإدارات السابقة في إصلاح هياكل الملكية للتشايبول أو كبح قوتها السوقية ومع عدم تمتع حزبه بالأغلبية في الجمعية الوطنية فإن هذا يعني أن مون سيواجه وقتاً عصيباً من أجل التغيير.
و بعد الفضيحة السياسية التي أدت إلى خلع سلف مون من منصبها ، هناك زخم شعبي متزايد للإصلاح في كوريا الجنوبية حيث نأمل أن يحقق مون أكبر الإستفادة من ذلك.