يساورني القلق دائماً عندما تكون لدي مراجعة لإحدى الدوائر الحكومية لانجاز معاملة ما ، خوفا من الروتين واجتهادات الموظفين ، لاسيما مع استشراء الفساد ووجود رغبة جامحة لدى البعض من الموظفين في ممارسة عمليات (القط) للمراجعين من خلال اختلاق الصعوبات وعرقلة انجاز المعاملات ، وهنا يضطر المراجع إلى تحريك يده بدلا من القيام برحلات مكوكية بين عدد من الدوائر قد تستغرق اياماً عدة !!.. ولا ابيح سرا، اذا قلت انني كنت قلقاً جدًا عندما توجهت إلى مركز اصدار البطاقة الوطنية الموحدة في شرق بغداد وتحديداً مكتب بغداد الجديدة ، على الرغم من التطمينات التي نقلها لي اصدقاء وأقرباء سبقوني في المراجعة .. المهم ذهبت انا وأفراد اسرتي نحمل جميع ما لدينا من اوراق ثبوتية لكي نفشل أي مؤامرة تستهدفنا !! .. في الساعة الثامنة والربع دخلنا إلى مبنى سوق الثلاثاء الذي لم ادخله منذ ثمانينيات القرن الماضي .. ومباشرة توجهت إلى احد الموظفين وكان يجلس قرب المدخل لأسأله عن الاليات ، اجابني بدماثة خلق : هل انت من الحاجزين ولديك موعد .؟ اجبته نعم .. قال : خذ دورك في الطابور»السرة» .. كان الطابور طويلا إلى حد ما .. شعرت بشيء من الانزعاج لاني مرتبط بعمل وليس لدي سوى 3 ساعات بعدها اكون مضطرا لترك المكان حتى وان لم اكمل المهمة .. لم يكن امامي الا الوقوف في الدور .. فلم يدم وقوفي سوى 15 دقيقة فقط ، لأجد نفسي امام الضابط المعني ، دقق اوراقي ثم ختمها وأرشدني إلى الخطوة التالية .. مباشرة كنت اقف امام ضابط التحقق من شهادة الجنسية واستغرق ذلك نحو 5 دقائق .. بعدها عدت إلى اول موظف سألته عن الالية .. فختم على الاوراق وطلب الي الذهاب إلى المدير الذي وجدته مهذباً جداً فنظر في الاوراق نظرة العارف بعمله ، ثم مهرها بختمه وطلب مني التوجه إلي المدخل رقم 17 ، سلّمت اوراقي إلى الموظفة المعنية وطلبت مني ان انتظر قليلا .. انتظرت نحو 10 دقائق ثم نادتني وجلست قبالتها وراحت تدقق في الاوراق والوثائق بعناية فائقة وتسألني بعض الاسئلة وهذه العملية استغرقت نحو 35 دقيقة جرى خلالها اكمال عمليات بصمات الاصابع والعيون والتقاط الصور لي وأفراد الاسرة .. تحولت بعدها إلى المدقق ثم المحاسب ثم التصريح النهائي .. خرجت من سوق الثلاثاء والساعة لم تتجاوز العاشرة صباحاً .. شعرت بارتياح كبير لأنني وجدت آليات عمل جيدة ومتطورة لا يحتاج معها المراجع إلى واسطة او رشوة ، ولمست معاملة طيبة جداً من الجميع مع الجميع ، وهذا امر يحسب لوزارة الداخلية التي بدأت تخطو خطوات مهمة في تطوير ملاكاتها وتحسين مستوى خدماتها المقدمة للمواطنين على المستويين الامني والخدمي .. ولكن ارتياحي لم يدم طويلا ففي نهاية ذلك النهار نقل لي احد الاصدقاء ان دائرة التسجيل العقاري ترفض التعامل بالبطاقة الوطنية الموحدة وتصر على احضار شهادة الجنسية وهوية الاحوال المدنية ، وان صح هذا الامر فالقضية تحتاج إلى وقفة .. مشكلتنا اننا نعشق المعاملة التي تحمل اوراقاً كثيرة ونعدها معاملة مضبوطة !! وفي مقدمة تلك الاوراق ما يعرف بالمربع الذهبي (الجنسية – الشهادة – بطاقة السكن والبطاقة التموينية) الذي اطيح بثلاثة من اضلاعه ولم يعد ذا قيمة بعد ان اصبحت عندي بطاقة وطنية موحدة.
عبد الزهرة محمد الهنداوي
أصبح الآن.. عندي بطاقة!
التعليقات مغلقة