مشروع مقترح
أ.د. نادية هناوي سعدون:
كانت النية التقدم بهذا المشروع إلى جهات داعمة للثقافة وحريصة عليها وزارات أو مراكز أو ماشاكل ذلك حتى تمت مفاتحة بعضها وها قد مرت خمسة أشهر وأنا بانتظار ما ذهب أدراج المكاتب حتى أعلمني حدسي أن غودو لن يأتي من أدراج أحد..
ولكي لا يضيع مسعاي مع الريح ها أنا أعلن عن المشروع الذي يخص النقد الأدبي في العراق، مشروع يهم من له خشية من أن تضيع جهود النقاد أو تختلط.. واحساس بضرورة أن يجمع هذا النقد ويوثق ويصبح جاهزا للعيان والتباصر حاضرا امام اي باحث يطرق بابه.
وليس ذلك بكثير على نقد شمر عن ساعديه منذ تباشير النهضة الادبية حتى صار علامة مميزة في سماء النقدية العربية المعاصرة.
وخلاصة المشروع تقوم على إحصاء وأرشفة ما كتب في ميدان النقد الأدبي من مقالات ودراسات وبحوث وكتب ورسائل وأطاريح جامعية منذ البواكير مع تحليل واستقصاء للظواهر والمسارات والتيارات التي شهدها النقد العراقي طيلة مسيرته الطويلة ، ليتم وضع أرشيف كبير ودقيق لهذا النقد هو بمثابة مرجع ريادي يخدم الباحثين ويضع أمام الدارسين العراقيين والعرب معينا مهما للدراسة يعطي للنقد العراقي حضوره ويثبت جدارته.
والهدف تقديم صورة بانورامية ذات أبعاد تاريخية وأدبية وثقافية تبين المسيرة الطويلة التي قطعها النقد العراقي ومراحل التطور والاجيال التي مرت به والاثر الذي تركه على المشهدية الابداعية والادبية العراقية والعربية.
ومعلوم أن النقد العراقي كان قد شهد قيام محاولات قريبة من توصيف هذا المشروع لكنها ظلت في حدود العمل الفردي الأحادي الضيق النطاق.
وأهمية المشروع المقترح تتأتى من الحاجة الماسة للإحاطة بالنقد العراقي من حيث النشأة تاريخا وأشخاصا ومعطيات تأثرا بالبيئة الثقافية والاجتماعية وتأثيرا فيها، والبحث في المكونات والتكوينات مما تقتضيه الفهرسة للنقاد بأنماطهم محترفين وغير محترفين، وما نشروه من نقود سواء أكانت على شكل دراسات في مجلات أم مقالات في صحف أم متابعات.
ومن الممكن تحديد فترة زمنية لهذه البدايات أو البواكير ولتكن مثلا من العقد الثاني من القرن العشرين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم يتم الانتقال الى المرحلة اللاحقة خلال وبعد الحرب العالمية حتى نهاية العقد الخمسيني وتحديدا عند قيام العهد الجمهوري.
ويتم التفاعل مع هذه المرحلة كما في المرحلة السابقة من خلال الخوض في المسارات والاتجاهات وأرشفة الأعمال والأشخاص وبيان صلة هذه المعطيات بالواقع السياسي والاجتماعي والثقافي، والكشف عن التفاعل مع التيارات الفكرية والنقدية الوافدة مع هذه المرحلة ثم الانتقال إلى المرحلة الأخرى وهي مرحلة انتقالية شهدت بوادر تحولات وتوجهات نحو آفاق جديدة وكانت مرحلة وسطى بين ما سبقها وبين ما تلاها وتبدأ هذه من نهاية العقد الستيني حتى منتصف الثمانينيات حيث بواكير النقد على وفق المناهج الجديدة وثورتها الانفجارية في الغرب ووصولا إلى المرحلة الراهنة وكل ذلك مشفوع بالأرشفة والتوثيق.
وسيكون هذا المشروع محاولة جادة وصميمية لمحاورة مختلف الأجيال النقدية التي مرت في مسيرة النقد العراقي الحديث والمعاصر والراهن وما حفل به من أزمات وما اعترته من إشكاليات وما اكتنفه من تأخر أو اضطراب وما مرَّ به من معارك ومساجلات أسهمت في تذبذبه أو تطوره أو قطيعته..
اما الغايات التي سيحققها هذا المشروع اذا ما كتبت له الولادة والصيرورة وفيما اذا تم انجازه باكتمال وتمام فتتمثل في :
1. ببيان موقع النقد العراقي من النقد العربي عموما..
2. وضع بانوراما شاقولية أفقية لواقع لنقد الأدبي في العراق ننفض بها عن أنفسنا بوصفنا نقادا تهمة التقصير عن وضع ارشفة لنقدنا فضلا عن تعريف العرب والعالم بالصورة الحقيقبة التي عليها النقدية العراقية.
3. تحشيد طاقات النقاد الكبار باتجاه جماعي تسوده روح التكاتف الوطني وبما يوسع دائرة نقد النقد العراقي أيضا.
4. بيان مقاييس التنظير والممارسة وحركية النقدية العراقية ومدى تأثرها بالنقدية العربية والغربية.
5. معرفة أثر النقد في مراحله المختلفة على حركية المشهد الأدبي والثقافي والإبداعي في العراق.
6. توثيق العلامات الفارقة وتشخيصها في تاريخ النقدية العراقية أشخاصا وتيارات ومنظمات ومؤسسات.
ولعل أهم متطلبات هذا المشروع تظافر الجهود الجماعية عبر التحلي بروح الفريق الواحد الذي يملك امكانات متميزة أولها الدراية الدقيقة والرصينة بموضوعة المشروع ومضامينه وثانيها المعرفة الكافية بتشعبات النقد العربي والنقد العالمي وتفريعاته.
ولكي ينجز المشروع ضمن المدة الزمنية التي ستخصص لإتمامه، لا بد من توفير الامكانيات المادية والفنية الملائمة لانجازه ولعل في مقدمتها استحصال الموافقات التي تسمح للفريق البحثي من ولوج المكتبات وبالشكل الذي يجعل موظفي تلك المكتبات في خدمة الفريق البحثي للقيام بمهمته في البحث والفحص والتوثيق.
ومن المهم أن يتمتع فرسان هذا المشروع بباعهم الطويل في حقل النقد الأدبي تنظيرا وتطبيقيا وأن يكونوا من ذوي المتابعة الدائمة للحركة النقدية والمشهدية الثقافية العراقية ولهم نشاطاتهم المعروفة في الندوات والجلسات والملتقيات والمؤتمرات داخل العراق وخارجه ومؤلفاتهم وكتاباتهم الغزيرة والثرية في حقل النقد ونقد النقد متمتعين بالمكانة النقدية المشهود لها محليا وعربيا.
وسنطلق على هذا المشروع اسم (مشروع علي جواد الطاهر) بوصفه الشخصية النقدية الريادية التي اخلصت للنقد الادبي المعاصر في العراق وبنت صرحه المشيد على قواعد أسسها وكرس رحمه الله حياته من أجلها..
وتتحدد المدة الزمنية المقترحة للمشروع بعام واحد عبر خطة مفصلة تتحدد باليوم والشهر وذلك بعد إنشاء الفريق البحثي والاتفاق على خطة العمل وحيثيات التحرك وآليات الاشتغال.
وتتوزع مهام الفريق بين هيأتين: هيأة الجمع وهيأة البحث، فأما الأولى فإن مهمتها جمع المواد من المقالات والدراسات والكتب وأرشفتها وإيداعها في مكان العمل مبوبة ومؤرشفة على وفق آلية للإحصاء والتبويب بحسب الاسماء أو بحسب التواريخ ويكون أعضاء هذه الهيأة من ذوي المستويات البحثية المتوسطة كأن يكونوا نقادا شبابا أو من طلبة الدراسات العليا المميزين في الجامعات العراقية.
وأما الهيأة الثانية فتتشكل من فريق بحثي متقدم من أساتذة لهم باعهم في الكتابة والنقد من الذين يقدّرون حجم مهمتهم الثقافية ومردودها الوطني على الثقافة العراقية لكي يعطوا من وقتهم وجهدهم وهم مدركون للأهمية التاريخية للمشروع وفائدته المستقبلية وقيمة عوائده الفكرية وجدوى ثماره ومنافعه العلمية والفكرية.
وستكون مهمة هذا الفريق الرصد والفحص والمعاينة بحثا ودرسا، على وفق ما يتمتع به هذا الفريق من احتراف نقدي وبحثي في التمحيص والتقويم وتحديد المسارات بحسب المراحل المدروسة.
وتكتمل مهمة الفريقين البحثيين عند تقديم المشروع منضدا وكاملا للطبع والنشر ليكون نواة أو مركزا أرشيفيا يفيد الادب العربي وكوثائق مجموعة أو مودعة ومؤرشفة في مراكز بحثية معلومة يرجع إليها الباحثون ويفيدوا منها في التقصي والدرس على وفق صيغة مناسبة تنظم كيفيات الإعارة وشروطها.