مؤتمر السرد الثاني وتجاوز الآفاق

(2-2)
علوان السلمان

اخيرا كان بحث الدكتورة نادية هناوي الموسوم(التسريد في الرواية السير ذاتية التخييلية) ..نقتطف منه(ان كتابة الرواية السير ذاتية لصق بالمبدع الذي يرى بعين ناطقة ترصد ما خفي على الآخرين حاملا كاميرا ذاكراتية تلتقط له كل ما هو صغير وتفصيلي قد يعجز غيره عن التقاطه ورصده..ويستلهم التسريد في رواية(ازمنة الدم) التاريخ القديم جنبا الى جنب الواقع المعيش في شكل تخييلي سير ذاتي ينطوي على تجريب قصصي ينتهج واقعيا ايهاميا لتغدو الذاكرة منقسمة على نفسها والذات متشظية نفسيا ومكانيا باستعمال اساليب مختلفة على مستوى الشكل ومستوى الموضوع مثل التنوع في الضمائر والاصوات السردية مع التلاعب بسيرورة الزمن وجعل الفضاء الكتابي منشطرا الى متن وهامش مع التناوب بنائيا ما بين متنين مرويين وعنونة رئيسة وفرعية فضلا عن توظيف التقانات الفنية الملائمة الاخرى كالمشهدية والمنتجة والسيناريو والتداخل الاجناسي ما بين السردية والشعرية والوصفية والحوارية والمسرحية والميتاسردية…) ص152..
اما جلسات اليوم الثاني فقد افتتحتها الطاولة المستديرة المتجاوزة للقوالب الجاهزة للجلسة الصباحية التي ادارها كل من الدكتور هشام عبدالكريم والقاصة والروائية عالية طالب وشارك فيها كل من النقاد(باقر جاسم محمد وعلوان السلمان وعقيل هاشم ومحمد ابو خضير وجمعة مطلك وبشير حاجم وحامد فاضل..) وقد سبق اوراقهم النقدية اربع شهادات اولها للروائي عبدالستار ابراهيم وثانيهما للقاصة والروائية رغد السهيل وثالثها للقاص والروائي سعد محمد رحيم واخيرا شهادة الناقد باسم عبدالحميد حمودي التي جرتنا الى عالم الروائي عبدالمجيد لطفي برسائله الموجهة للمتحدث.. بعدها كانت ورقة الناقد باقر جاسم محمد والتي حملت عنوان(المدخل اللساني في دراسة الايروس في السرد) منها(ان الممارسة الايرويسية تمر بمرحلتين استثنائيتين: الاولى الاتحاد بالآخر(الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل) والثانية هي اتحاد قوى البدن والنفس والعقل في لحظة الذروة القصوى لدى كل من الرجل والمرأة.. انها لحظة التجلي والغياب في آن واحد او النيرفاناnirvana أو لحظة عالم النشوة والغبطة اللحظية..)ويضيف الناقد(ويكشف التمثيل اللساني للتجربة الايروسية في السرد عنصرا مهما من عناصر التكوين الفكري والجمالي للنص السردي سواء أكان قصة قصيرة او رواية..) ص210.. تلاه الناقد علوان السلمان في بحثه(تقنيات الشكل الروائي ـ المسرات والاوجاع ـ انموذجا) مما جاء فيه( يعد عقد الستينيات من القرن العشرين عقد ازدهار الرواية العراقية فنيا .. اذ اتجاهها صوب التجديد والتجريب في البناء السردي.. وفؤاد التكرلي احد اولئك المساهمين الفاعلين في تطوير فن الرواية بما قدمه في تحديثها والقصة العراقية ..حتى صار من المتقدمين على غيره بتواصله الابداعي اولا ومحاولته المستمرة في الابتكار والتجديد ثانيا.. ومن ثم الانتقال بالرواية والقصة من سردها الكلاسيكي الى سياقات التحديث الفني شكلا ومضمونا.. الذي تجلى في رواية (المسرات والاوجاع) الصادرة عام /1998 الرواية التي تقوم في بنيتها السردية على الزمان والمكان والشخصية والحدث واللغة المتفاعلة مع عوالمها.. اضافة الى الزمن المؤثر الفاعل في دلالات السرد الذي يوظف تقانات تبرز تعدد الازمنة ..منها التذكر والحوار الداخلي(المونولوج) والارتداد(الاسترجاع)وهناك تسريع السرد او ابطائه عن طريق الايجاز الذي هو (التلخيص او التكثيف او الاقتضاب او الخلاصة ..) اضافة الى التقانات الفنية كالحذف والوصف والمشهد.. اما المكان بوصفه(شبكة من العلاقات والرؤى ووجهات النظر التي تتضامن مع بعضها لتشييد الفضاء الروائي الذي لا يتحقق الا من خلال حركة الشخصيات فيه وتفاعلها معه..)فقد اتسع فشمل العلاقات بين الامكنة والشخصيات والحوادث.. اضافة الى توظيفه في تطور السرد وبنائه.. ولا يفوتنا ان نذكر ان بنية الزمان والمكان هي التي تولد فضاء النص وتخلق للفعل فيه مسافة ينمو فيها.. اضافة الى اللغة التي تشكل الجمالية في النص من خلال النظام التركيبي اللغوي لها والشخصية التي تكمن اهميتها في الدور الذي تقوم به والمساحة التي تشغلها والرمز الذي تمثله ..أما الراوي فيها فيروي بضمير ال(هو) التقنية البارزة في بنية السرد مرة والتي تنطلق من اسلوب السرد الموضوعي.. كونه العليم بكل شيء.. والذي يبدأ بالسيرة الموضوعية لعائلة (توفيق لام) بطل الرواية .. ابتداء من جده (عبد المولى) ووصفه ( بجسده القصير, المتين , وبخلقته الغريبة , فهو اقرب الى القرد منه الى الانسان..)ص5 ..
ثم ينتقل الراوي بوصف تاريخ تطور عائلة (عبد المولى) وابنائه في خانقين حتى انتقال ولده (سور الدين) الى بغداد وولادة (توفيق لام) الرمز الذي نشأ في ظل ظروف المدينة التي جعلت منه منشقا عن قيم العائلة وعاداتها وتقاليدها بسبب تنويره الفكري وحصوله على شهادة الحقوق.. اضافة الى سعي الرواية الى ان تقدم استقراء لتاريخ العراق السياسي منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى العام الاول للحرب العراقية الايرانية بدلالة التواريخ التي اوردها (توفيق) في يومياته.. اذ مواكبة احداث 1948 و 1952 و1956 و1958 و1963 و1980.. فورقة الناقد عقيل هاشم التي تطرقت للرواية العراقية الجديدة والتي جاء فيها(ان ميلاد رواية عراقية جديدة يعني ان هناك حاجة الى تغيير في بنية السرد وهو ايضا نتيجة حتمية جدلية من التغيرات التاريخية والاجتماعية…) ص226.. تلاه الناقد محمد ابو خضير لتقديم بحثه الموسوم(الخطاب الاشهاري محفلا سرديا) جاء فيه(يحوز الخطاب الاشهاري وحدة شعرية مستدعية لنصوص وافكار واساليب وبنى تواصلية وهيكلية لإنشاء معماريته هادفا التأثير والاتصال والتفعيل الترويحي ونحسب ان شروع الوحدات والعناصر الشعرية تبدأ من مشهدية العرض او البداية حيث طرح الحدث او الحكاية الاطار ومن ثم انتاج حكايات داخلية متوالية في لوح الخطاب ذاته..) ص249..اما الناقد والباحث جمعة مطلك فقد تحدث عن النقد الادبي والرواية الاجتماعية وضرورة تكوين نظرية نقدية ..تلاه الناقد بشير حاجم بورقة نقدية حملت عنوان(البنية الفذة خصيصة التكنيك في الرواية العراقية) مؤكدا فيه على ثيمة النص قائلا(اما في الثيمة فثمة اقناع القارئ بـ النص على دفعتين: اعتيادية ثم استثنائية.. اي تصاعدياx تنازليا بتعلق كلتاهما تراتبيا عند قارئ متأن غير متعجل بمجرى الاحداث ضمن شبكة نص الرواية.. حيث طريقة وصفها= عقلية الرؤيا+ امانة سردها=نقلية الرؤية) ص254.. اخيرا كانت ورقة القاص والناقد حامد فاضل التي وقفت على نتاج محمد خضير سرديا… اما الجلسة المسائية التي ترأس ادارتها الدكتور سلام حربة فكان محورها الرئيس(اتجاهات نقد الرواية العراقية المعاصرة) وقد سبقت بشهادة للقاصة نعيمة مجيد..تلاها بحث الناقد فاضل ثامر الموسوم(اسئلة الرواية الجديدة..انماط البنية الاطارية في الرواية العراقية الجديدة) الذي اشار فيه الناقد الى انه(تكاد تعمد معظم الروايات التاريخية العربية الحديثة الى الاستهلال ببنية اطارية حكائية خارجية تمهد او تبرر المتن الروائي التاريخي او المخطوطة التي تشكل في الغالب المتن النصي الاساسي للعمل الروائي وتحقق هذه البنية الاطارية مجموعة من الاهداف الفنية والاجتماعية والثقافية والتواصلية منها محاولة اقناع القارئ بوجود مسافة فنية بين الروائي والمتن الروائي التاريخي وبأن المؤلف لا يصطنع او يختلق اعتمادا على التخييل الصرف الحدث التاريخي الروائي.. فمثل هذا الايهام يمنح النص التخييلي صدقية اعلى بوصفه جزءا من مدونة تاريخية رسمية او شبه رسمية كما ان هذه الحكاية الاطارية تمنح السرد طابعا موضوعيا مستقلا عن ذات المؤلف وعن الكشوفات او الانثيالات السير ذاتية(الاتوبيوغرافية) المعبرة عن وعي المؤلف او احدى شخصياته الروائية وتتخذ الحكاية الاطارية انماطا مختلفة ومظاهر سردية متنوعة فقد تكون بمثابة مقدمة يعلن فيها الروائي انه لا علاقة له بالمتن الروائي المنشور وانه مجرد وسيط لنشره بعد ان وصله بطريقة ما ..أو من خلال عثوره عليه في عملية تنقيب بحثية مضيئة..) ص288..تلاه الناقد ياسين النصير ببحثه المعنون(الآخر في الرواية الجديدة: الرواية ومحادثات المدينة) منه( محادثة المدينة مختلفة اللغة عن لغة الحوار المديني لان عماد المحادثة المدينية الاسئلة والاجوبة والدوران حول الموضوع لإيضاح بعض ما التبس فيه ومادتها الحياة اليومية وليست المشكلات الفكرية او الفلسفية او الصراعات الايديولوجية الكبيرة الا انها تشكل الارضية التي تقوم عليها حوارات المدينة لذلك لم يعتمد افلاطون المحادثة بل الحوار لان المحادثة ارتبطت بتطور المدينة اليونانية ومؤسساتها والفلسفة المصاحبة لذلك كله..) ص302..
ثم يختصر بحثه بقوله(ان محادثات المدينية تدور حول حدث مشترك بين فئتين مختلفتي الفكر بينما تدور محادثات الريف والعمل بين رأيين يختلفان في التفاصيل..هذا الاساس للمحادثة سيتغير تبعا لتطور المدينة) ص303 ـ ص304..
فالناقد صادق الصكر الذي حمل بحثه عنوان(الارهاب والسرد:من قتل بائع الكتب)..وقد اتخذ من رواية سعد محمد رحيم انموذجا لما يمارسه الارهاب من قتل ووووو..
وفي نهاية الجلسة كان باب النقاش مفتوحا على مصراعيه من اجل خلق معلومة مضافة او ايصالها للاخر..
اخيرا كان البيان الختامي الذي تلاه الصحفي محمد اسماعيل بصوت هاديء ولغة واضحة دغدغت المشاعر واوصلت اهداف المؤتمر ..فتوزيع الشهادات التقديرية بقبل دافئة تحت ظلال(الشيراتون وقاعة الوركاء) والتهنئة بنجاح متفرد بكل مفاصله تنظيما وادارة وتخطيطا مبرمجا ضاهى بل وتجاوز المؤتمرات عربيا وعالميا بفقراته التي عايشها الحضور المتميز بلا ملل فكان اضافة خلاقة يزهو بها الفكر الانساني بكل اوراقه النقدية التي جمعت بين دفتي غلاف حمل علامته السيمائية الدالة على متنه(السارد..رائيا)..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة