جيمس جيفري
هناك الكثير من العمل الذي ينتظر الرئيس الاميركي دونالد ترامب في أول لقاء له مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأسبوع المقبل. وفي حين تعجّ العديد من القضايا جدول أعمالهما، إلا أن الوضع في شمال سوريا سيكون أكثرها صعوبة. ولا تزال التوترات محتدمة بين الولايات المتحدة وتركيا حول دور «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردستاني السوري وجناحه العسكري المتمثّل بـ «وحدات حماية الشعب» في المعركة الدائرة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»)، في أعقاب غارة جوية تركية استهدفت قواعد «وحدات حماية الشعب» على طول الحدود العراقية-السورية في 23 نيسان/أبريل. وشدّد أردوغان، في اجتماع لقمة «المجلس الأطلسي» في 28 نيسان/أبريل، بشكل علني وسري، على أنه مستعد لعمل المزيد للتصدي لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي».
ولكن كما ذكرت مجلة «فورين بوليسي» في الخامس من أيار/مايو وأكّدت ذلك إدارة ترامب في 9 أيار/مايو، تخطّط الولايات المتحدة للتحرك ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة بالإعتماد على «حزب الاتحاد الديمقراطي» وتسليحه. ومن الناحية التكتيكية، تُعد الولايات المتحدة، التي تواجدت قواتها العسكرية على مقربة من الغارات الجوية، ولم تجد بديلاً عسكرياً فورياً لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، صائبة في خياراتها. إلا أنها ليست تماماً على حق، من الناحية الاستراتيجية، إذ يبدو أن الإدارة الاميركية غير متأكدة من القضايا الأكثر أهمية الموضوعة على المحك في سوريا أو غير مُطّلعة عليها. وإذا لم تتم تسوية هذا التوتر بين الرئيسين، فإنه قد يشعل فتيل المواجهة بين أنقرة وواشنطن في اللعبة الجيوستراتيجية المهيبة التي تلوح في الأفق في المنطقة.
وهذه اللعبة التي تحاك داخل سوريا وحولها هي ليست تلك المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة بعزيمة وطيدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في معاقله الأخيرة في الموصل في العراق، والرقة في سوريا، بل إنها العملية الأكبر لتقسيم المشرق بعد النهاية المحتّمة لـ تنظيم «داعش». وتعد الغارة الجوية التركية و الهجوم الإسرائيلي الأخير على مستودعات «حزب الله» في مطار دمشق خطوتين مدروستين تشكلان جزءاً من اللعبة الأكبر، التي تتمثّل في الجهود التي يبذلها الأتراك، والإسرائيليون، والأكراد العراقيون، والأغلبية العربية السنية في المنطقة، [وكذلك] الولايات المتحدة (كما يأمل الجميع) للتصدي للاضطراب الحاصل في النظام الإقليمي الذي يقوده الإيرانيون والروس. وهذا تماماً ما سيسمعه ترامب من الزعماء الإقليميين في إسرائيل والمملكة العربية السعودية في غضون أسبوعين.
ومن وجهة نظر تركيا، يُعد «حزب الاتحاد الديمقراطي» جزءاً من هذا الاضطراب. وتتمثل الصعوبة الاستراتيجية التي تواجهها واشنطن في حقيقة أنه فيما يتخطى العداء العام، إن الولايات المتحدة ليست على يقين من المنحى الذي يجب أن تتخذه سياستها تجاه إيران و«حزب الله» والسوريين الذين يدورون في فلكها – وأنها ليست متأكدة مما يجب أن تكون عليه علاقتها مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» – فور هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية».
وبالنسبة لأردوغان والجيش التركي، فإن «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الذي يشكّل امتداداً جغرافياً لمنظمته الأم – «حزب العمال الكردستاني» التركي المتمرد – هو الذي يهدّد سلامة تركيا الإقليمية على مستويين. وتجدر الإشارة إلى أن أنقرة و«حزب العمال الكردستاني» في حالة حرب في جنوب شرق تركيا منذ أكثر من 30 عاماً. ويدّعي «حزب العمال الكردستاني» أنه يمثّل ما يقرب من 15 مليون كردي في تركيا، أي نحو خمس عدد السكان. ولا تستطيع أنقرة إلحاق هزيمة عسكرية بـ «حزب العمال الكردستاني»، إلا أنها عرقلته فعلياً عن توحيد الشعب الكردي، المنقسم حالياً إلى عدة معسكرات أساسية: فهناك عنصر مؤيد لـ «حزب العمال الكردستاني» ؛ وهناك المتدينون الأكراد في جنوب شرق البلاد الذين غالباً ما يصوّتون لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي ينتمي إليه أردوغان؛ كما هناك أقليّة كبيرة مدمجة مع الأتراك الأصليين عن طريق اللغة والعائلة والجغرافيا. والنتيجة من كل ذلك هي مأزق دموي تتخلله اتفاقات مؤقتة لوقف إطلاق النار في ظل غياب أي قرار فعلي حاسم، لأن النواة الماركسية لـ «حزب العمال الكردستاني» – الموالية للزعيم المسجون عبد الله أوجلان – تسعى في النهاية إلى قيام دولة كردية تُقتطع من الكثير من [أراضي] تركيا.
وبالتالي، فإن هذا ما يدفع أردوغان إلى الإفراط في القلق إزاء تسليح الولايات المتحدة للأكراد في سوريا. وإذا ما أقدم «حزب الاتحاد الديمقراطي» على إقامة دولة متصلة الأراضي على طول الحدود الجنوبية لتركيا، فسيزداد بنحو كبير نطاق الأراضي التي سيصل إليها «حزب العمال الكردستاني»، مما سيجبر تركيا على التعامل مع تمرد «حزب العمال الكردستاني» داخل البلاد ودولة متحالفة مع «حزب العمال الكردستاني» في جنوبها في آن واحد. وحتى لو استمرت الهدنة غير المستقرة مع «حزب الاتحاد الديمقراطي»، فإن الوضع الاستراتيجي التركي سيزداد سوءاً، وسيدفع بالعديد من الأكراد الأتراك إلى الاصطفاف وراء إحدى الفرقاء.
ولطالما حذّرت أنقرة مما تعده خطوة ساذجة من جانب واشنطن بعدم دعم «حزب الاتحاد الديمقراطي» ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، إذ تخشى أن يسهّل هذا الأمر فرض «حزب الاتحاد الديمقراطي» هيمنته على شمال سوريا بعد هزيمة تنظيم «داعش». بيد، لا تُحبذ وزارة الدفاع الاميركية البديل التركي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو قوة سنية سورية مدربة من قبل تركيا.
ويتمثّل الأسوأ من ذلك كلّه في قابلية «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الذي له علاقات تجارية وثيقة مع النظام السوري، على خلق قضية مشتركة مع بشار الأسد والإيرانيين وروسيا لتطويق تركيا، وفتح ممر إيراني عبر شمال العراق وأراضي «حزب الاتحاد الديمقراطي» باتجاه دمشق. وحفّزت هذه المخاوف التدخل التركي في سوريا في آب/أغسطس الماضي، بقدر ما دفعت للتصدي لكل من تنظيم «الدولة الإسلامية» وعرقلة مشروع إقامة منطقة كردية متصلة الأراضي. وكانت الهجمات التي شُنت في نيسان/أبريل ضد أهداف «حزب الاتحاد الديمقراطي»/«حزب العمال الكردستاني» في شمال شرق سوريا وفي سنجار [شمال] العراق – على طول الممر المذكور آنفاً، حيث كانت قوات «حزب العمال الكردستاني» تقف ضد [قوات] مسعود بارزاني، الحليف الكردي العراقي لتركيا – قد أكّدت مجدداً هذا الاستعداد لاستعمال القوة لتعزيز مخاوف تركيا الإقليمية.
وبدورها، يبدو أن واشنطن جاهلة وغاضبة على أردوغان، لا سيما فيما يتعلق بالتفجير الأخير. (فكلام أردوغان الطنان، وحكمه الاستبدادي، ونبذه المخاوف الاميركية تولّد ردود فعل قوية، وخصوصاً بعد أن هنأه ترامب على فوزه في الاستفتاء المثير للجدل ودعاه إلى واشنطن). وتحتاج واشنطن إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» وحلفائه العرب لقيادة الهجوم على الرقة، عاصمة تنظيم «الدولة الإسلامية»: ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الولايات المتحدة نفسها لن تُرسل قوات برية [للمشاركة في العمليات القتالية]، كما يعود جزئياً إلى أن مقاتلي «حزب الاتحاد الديمقراطي» هم من بين أفضل المحاربين في المنطقة. ومن الناحية التكتيكية، فمن أجل القضاء على التهديد الأكثر إلحاحاً بل الأقل استراتيجية وهو تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن قيام تحالف مؤقت مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» يبدو منطقياً. إلّا أنّ الجيش الاميركي يزيد من غضب تركيا من خلال تأكيده في كثير من الأحيان على أنه يمكن تمييز «حزب الاتحاد الديمقراطي» عن «حزب العمال الكردستاني» (على الرغم من الشهادة التي أدلى بها وزير الدفاع الاميركي السابق آش كارتر في مجلس الشيوخ الاميركي في نيسان/أبريل الماضي، والتقرير المفصل الذي أصدرته «مجموعة الأزمات الدولية» في 4 أيار/مايو والذي أوثق هيمنة «حزب العمال الكردستاني» على «حزب الاتحاد الديمقراطي»، والقوات الديمقراطية السورية، وهي مجموعة مظلة للتمردين. ويغذّي ذلك الشكوك التركية بأن الولايات المتحدة تخطط، استراتيجياً، لاستخدام «حزب الاتحاد الديمقراطي» ضد تركيا، وهو قلق تركي قائم منذ مدة طويلة وإن كان لا أساس له من الصحة.
ولكن إدارة ترامب ككل تعزز هذا القلق بتجاهلها المخاطر في المنطقة فيما يتخطى هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». فجميع الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة يشعرون بأنفسهم بأنهم عرضة للتهديد من إيران، بينما ترى تركيا تهديداً ثانياً من حليف إيران المحتمل، أي «حزب العمال الكردستاني»/«حزب الاتحاد الديمقراطي».
وفي حين أن إدارة ترامب تقرّ مبدئياً – على النقيض من إدارة الرئيس باراك أوباما – بتهديد طهران للنظام الإقليمي، إلّا أنّه من الواضح أنها لم تضع استراتيجية لاحتوائه. ومن الصعب وضع مثل هذه الاستراتيجية، لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، تعتبر الحملة العسكرية ضد تنظيم «داعش»، والوفاء بما تعهّد به ترامب في حملته، «حرباً مجدية» تحصد عددا قليلا من الخسائر البشرية، وتحظى بدعم شعبي واسع، وتضمن انتصاراً يلوح في الأفق. ولأسباب وجيهة، يولى هذا الأمر الأولوية بلا منازع. إلا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يعجز عن قلب النظام السائد في الشرق الأوسط، في حين تستطيع إيران وأصدقاؤها القيام بذلك. وبالتالي، وكما هو الحال في الكثير من الأحيان، تركّز واشنطن على الانتصارات التكتيكية التي تغمرها بالغبطة، بينما تتجاهل السياسات التي تخلّف فوضى عارمة مما يهدد بتعرّضها لخسائر على المدى الطويل. ويقف ترامب حالياً أمام مواجهة محتملة مع تركيا حليفة منظمة «حلف شمال الأطلسي» – التي هي أقوى دولة في المنطقة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، ولا يمكن الاستغناء عنها في أي استراتيجية لاحتواء إيران.
وتتيح زيارة أردوغان فرصة لنزع فتيل هذه الأزمة الوشيكة. وليس هناك شيء مؤكد مع الرئيس التركي الذي يزداد غموضاً بحيث لا يمكن التكهّن بتصرفاته. ولكن إذا أقنعه ترامب بأنه يمتلك استراتيجية احتواء إقليمية مناهضة لما أطلق عليه أردوغان مؤخراً «النزعة التوسعية الفارسية»، وأن تعاون إدارته مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» محدود من حيث الوقت والمهمة والنوعية؛ وأن تركيا ستضطلع بدور في تحرير الرقة، كما ترغب القبائل المحلية، فعندئذ يمكن تجنّب قيام أزمة مع أنقرة والشروع في بذل جهود مشتركة للتصدي للتهديد الإقليمي الأكبر.
*زميل متميز في زمالة «فيليب سولوندز» في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق.