جديد شيخ مخرجي المسرح العراقي
عرض عبد العليم البناء:
«مقاربات ومقارنات لمشاهير المخرجين» تحت هذا العنوان جاء الكتاب الجديد، لشيخ المخرجين المسرحيين العراقيين الفنان القدير الأستاذ الدكتور سامي عبد الحميد، بعد سلسلة من الاصدارات المسرحية، التي توقف فيها عند عديد النظريات، والظواهر، والعطاءات، والانتاجات المسرحية، عراقيا، وعربيا، وأجنبيا، تأليفا، وترجمة، واعدادا، بما فيها تلك التي عرض فيها لتجاربه الشخصية الثرة، التي شكلت «الإصدارات» إضافات نوعية للمكتبة المسرحية، أغنت الدارسين، والباحثين، والمعنيين بفن المسرح من نقاد، واكاديميين، وفنانين، ومثقفين، وطلبة .
الكتاب الذي صدر عن تجمع (فنانو العراق) ،في مائة وثمان وعشرين صفحة من القطع الكبير، يعد خطوة لافتة تهدف الى «تجسير العلاقات ما بين الفنانين الرواد، والشباب، والعمل على دعم الفن بنحو عام، وإبراز النتاجات، ونشرها في كل انحاء العالم، والسعي المتواصل والحثيث لوضع خطط، ومناهج تهدف الى نشر، وتطوير البحوث، والدراسات، وكل ما يهم القارئ، والباحث، من إصدارات، وندوات فنية، تهدف الى دعم الفن والفنانين، وإنتاج جيل مثقف وواع، يواكب التطورات والإنجازات، الحاصلة في شتى العلوم، وتعدد المعارف والتخصصات في عالمنا» كما أكد رئيس التجمع محمد عباس اللامي في مقدمة الكتاب .
في مدخل الكتاب يستعرض المؤلف تعدد معنى كلمة Director) )،التي ترجمت الى (مخرج)، وكيف تبلورت صفة ومهمة المخرج المسرحي، بعد أن تعددت التوصيفات والآراء حول أصناف المخرجين المسرحيين، في معالجاتهم لعناصر الإنتاج المسرحي، مستذكرا آراء الكساندر دين مرورا بألكسي بوبوف، وصولا الى الراحل جاسم العبودي، وجون دولمان، في كتابه (فن الانتاج المسرحي)، وأونيل وبورتر في كتابهما (المخرج فنانا)، موضحا المهام الكثيرة التي تقع على عاتق المخرج المسرحي، كما يقع على عاتقه ايضا نجاح او فشل المسرحية فنيا وجماهيريا، حيث يجمع خيوط اللعبة المسرحية كما يسميها البعض.
ومن هنا يرى سامي عبد الحميد، أن (المخرج) الذي هو الشخص الموسوعي والمبدع المسرحي له: افكاره ورؤاه غذتها معرفته وتجربته وخياله»، قد يدخل الى اية مسرحية يتصدى لإخراجها مدخلا، قد يختلف بنسبة وبنسبة اخرى عن مدخل مؤلفها، حيث تتحكم في المدخل الجديد عوامل عدة، منها مدى تقبل الجمهور في مرحلة تختلف عن مرحلة كتابة النص المسرحي، حيث تختلف الاذواق باختلاف المعتادين على مشاهدة المسرحيات، وباختلاف مستوى ثقافة افراد الجمهور المسرحي، فلا غرابة اذن بتعدد الرؤى، والأساليب، والمقاربات الفنية للمخرجين المسرحيين.
ومن هذا المنطلق، اختار المؤلف عددا من المخرجين المشهورين في العالم، ومن بلدنا العراق، ليتطرق في كتابه الى «مقارباتهم المبتكرة في اخراجهم للمسرحيات، والتي اصبحت من الاعراف الجديدة التي سار عليها مخرجون آخرون من بعدهم».
ومن اجل الوصول الى هذه الحقيقة، قدم في القسم الاول (مقاربات المخرجين المشهورين عالميا ..ومقارنتها مع اعمال المخرجين العراقيين)، مبتدئا بالمخرج الفرنسي (اندريه انطوان) وجداره الرابع والذي عرف باهتمامه بالعرض المسرحي الواقعي، مستعرضا تجاربه في هذا المجال وخصوصا في تحقيق الايهام بالواقع والتطرف، في تحقيق الطبيعية في العرض المسرحي بكل عناصره، الامر الذي بات يعد بطلا من ابطال المسرح الواقعي والطبيعي، مقدما في ذلك إنموذجا لمقاربته هو عندما كان يدرس في جمعة اوريغون الاميركية، حين أقدم على اخراج مسرحية (الدب) ذات الفصل الواحد، والواقعية في شكلها ومضمونها، ولإثبات وجود الجدار الرابع.
وهكذا يتواصل في تقديم مقاربة ومقارنة الابداعات المسرحية لستانسلافسكي، مشيرا الى كل من الراحلين جاسم العبودي وبهنام ميخائيل، اللذين حاولا تطبيق طريقته في تدريسهما لفن التمثيل في معهد الفنون الجميلة، ليستمر في التوقف عند اسماء مسرحية مهمة اخرى، امثال ماكس راينهارت، ومير هولد ،وجسنر، وافرينوف، وفاختانغوف، وبيسكاتور، وبريخت، وارتو، وبارو، وليتلود، وزفيريللي، وبروك وويلسون.
اما في القسم الثاني، فقدم مقاربات ومقارنات اخرى لمخرجين عراقيين، الذين عند استعراض تجاربهم في هذا المجال، يقدم عادة سيرتهم الإبداعية، كما فعل مع كبار المخرجين الاجانب، وكان أولهم الراحل ابراهيم جلال، وعلاقته بالمسرح البريختي الملحمي، لاسيما مسرحية (بونتيلا وتابعه ماتي)، و(رحلة الصحون الطائرة)، او (درب التبانة)، وبدري حسون فريد والتزامه بالمسرح الواقعي في معالجاته المسرحية، لاسيما مسرحية (جسر ارتا ) التي اشترك المؤلف في لعب دور البطولة فيها .
ولا يفوت سامي عبد الحميد أن يتوقف عند تجربته الذاتية، عبر محطات عدة منها: دخوله فرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة، وفرقة المسرح الحديث، وعمله في معهد الفنون الجميلة، ودائرة السينما والمسرح، والجمعية البغدادية، وغيرها، مستعرضا تجاربه ومقارباته عبر تعامله مع مسرحيات شكسبير.
لينتقل الى الراحل قاسم محمد وتعامله مع التراث الادبي العربي، ومحسن العزاوي والمسرح داخل المسرح، والراحل عوني كرومي والمسرح البريختي، وفاضل خليل والانتقائية والاحتفالية، وصلاح القصب والسريالية، وعزيز خيون والدقة الاخراجية وكتاب التلقين، وتطول القائمة لتشمل عقيل مهدي، وجواد الاسدي، وعواطف نعيم، ورياض شهيد، وغانم حميد، وحيدر منعثر، وعادل كاظم، وهيثم عبد الرزاق، ومناضل داوود، واحمد حسن موسى، وكريم خنجر، ومهند هادي، وعماد محمد.
ونتفق مع محمد عباس اللامي – كما ورد في مقدمة الكتاب -في أن سامي عبد الحميد، قد سعى في دراسته الوصفية الى تحديد المساحة الجامعة والمشتركة، بين النتاج المسرحي الغربي لكبار المسرحيين الغربيين وبين المنتج المسرحي العراقي، مع بيان العلاقة الجدلية بين المسرحيين من حيث التأثير والتأثر، مستفيدا من المقارنة المنهجية التي لا غنى عنها، كما في كتابه، لأي دارس وباحث لفن المسرح.