لعل لمفهوم التداخل ما بين الافكار الجمالية التي انطلقت من كل صوب للتفاعل، والتحاور الداخلي ما بين دلالات الحاضر في الادراك الشكلي، والوعي الابداعي للمصمم، حين يعنى بتفريد منجزه على ضوء ما شاهد، وفكر، وتفاعل، واستجاب، فيما يصنعه في الشكل التصميمي، الذي غدا متفاعلا بالأفكار، والقيم، والمفاهيم الجديدة، ويترادف التداخل مع موضوع التجنيس الذي يشكل ظاهرة مهمة في حركة تطور الحداثة، وامتداداتها الى عصرنا الراهن، حين يقوم مفهوم التداخل على منظومة الافكار المتفاعلة، داخل بنية التكوين التصميمي في سياق تشترك فيه مقومات، وعوامل التجاور، والاندماج، والتناسق في البنية التصميمية التي تبدو فيها على مستوى واحد، الاثر المادي والفكري لتجسيد التضافر، والانعطاف الجمالي، والتواصل الذي يتمثل بالقوة الدافعة، او الدينامية، التي تجعل من المفاهيم اكثر تجليا، ووضوحا في إطار يتم دفعه عبر مصادر الوعي، والتوسع الضروري في ذلك المفهوم، على ما يحمله من افتراضات، وتقنيات، وأساليب تختلف في بنياتها الأساسية، ثم تتشكل في وحدة تصميمية، تعبر عن مستوى الترسخ في استنطاق الأفكار، وجعلها حيوية في مفهوم يوحد المرئيات الفكرية، ويصبها في بودقة واحدة، والذي ساعد بنحو كبير على إبراز طاقة المصمم في اضمحلال المفاهيم القديمة والتقليدية، واضفاء المفاهيم التي تعتمد على التجربة المباشرة التي تنبئ بتوالد تصميمي، لم يكن مألوفا من قبل، وكان قد تمخض عن الوعي والفهم العقلي الجديد، في صياغة البنية الشكلية التي لابد أن تبدو مهيمنة ومتماسكة
إن العلاقة التي تربط تصميم الازياء والفن ليست وليدة الساعة، فقد بدأت منذ العشرينيات من القرن الماضي، إلا إنها في المواسم الأخيرة أصبحت أكثر ديمقراطية، بعد أن انتقلت من عروض الأزياء إلى شوارع الموضة، هذه المرة لم تقتصر على فنان واحد، بل على مدارس بكاملها، كما لم تتبن مدرسة معاصرة، بقدر ما عادت إلى سحر الماضي، لإعادة رسمه وتشكيله، إذ اتجه تصميم الازياء الى الانفتاح على الفنون الأخرى، كالفن التشكيلي، والموسيقى، والعمارة، والسينما، والمسرح، توافقا مع المبادئ الاساسية لفكرة الجمال، فتسامى تصميم الازياء الى المستوى الذي يقربه من حيث الجوهر والتعبير الفني، من الفنون الأخرى، ولعل تسرب تكنولوجيا ثورة المعلومات، وخاصة استعمالات الإنترنت، بمحركات البحث، ومواقعها المتخصصة، فضلا عن شبكات التواصل الاجتماعي، جعلت من التداخل بين شتى الفنون، أمراً واقعاً لا يمكن الفكاك منه، وأدخلت شيئاً من الحتمية ما بين سعي المبدع، وتطوير عمله، وحاجته للاستعانة بالفنون الأخرى، ووفرت له فرصة التعرف والتعامل مع فنانين من شتى بقاع الأرض، لم يسبق له الالتقاء بهم، أو التعرف عليهم، غير إن الفن والعولمة جعلا فن الاقمشة والازياء أكثر توافقا وانسجاما مع حركة التطور الحضاري، وتقدم الذائقة الانسانية المتأتية من الوعي بجماليات الفنون وأثرها على تهذيب الحياة.
واذا كان التداخل ما بين عالمي الموضة والديكور الداخلي قد بدأ منذ سنوات، فأنه أصبح صارخا في المواسم الماضية، حسبما رأيناه على منصات عروض الأزياء، وفي المعارض العالمية، فالنقوشات المتضاربة، والتصميمات المنحوتة، والهندسية، كلها وجدت طريقها الى محال مصممي الديكور الداخلي، إذ أصبحت طريقة ارتداء الأزياء، وتنسيق البيوت امتدادا للشخصية، ووسيلة لعكسها للآخر، وهذا ما أنتبه إليه العديد من المصممين، ممن استغلوا هذه النقطة، فأسهبوا في اتحافنا بالمنتجات المترفة، فهم من جهة حققوا لأنفسهم أرباحا ضخمة، ومن جهة ثانية غذوا سعينا الى التميز، وقد كان لفنون العمارة أثرها الكبير على تصميم الاقمشة والازياء، بما تمتلكه من إرث كبير في مجال التصميم، وارتباطه بالحياة العامة للإنسان، إذ استعار مصممو الاقمشة والازياء، العديد من الملامح العمرانية التي اتسمت بالزخارف، والافاريز، والاقواس، التي نراها على الجوامع والمعابد والكاتدرائيات.
التداخل بين تصميم الأزياء والفنون الأخرى
التعليقات مغلقة