مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
الحلقة 16
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد

المقاتلون الاجانب
الذئاب المنفردة باتت خطر يهدد اوروبا والغرب
كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي يوم 15 يناير 2015 يان “كريستوفر كورنل” تم القاء القيض عليه بتهمة محاولة قتل ضابط اميركي بحسب وثائق المحكمة. واظهرت الوثائق ان” كورنل” نشر تغريدة على موقع تويتر يؤكد دعمه لتنظيم “الدولة الاسلامية. التحقيقات الاولية كشفت بانه احد الخلايا المنفردة او المتوحدة Lone wolves . هذه الحادثة جاءت تماما في اعقاب حادثة “شارلي ابيدو” ـ باريس في 7 يناير 2015 التي لم تزل لم تزل التحقيقات تكشف عن جميع تفاصيلها.
“الذئاب المنفردة” مصطلح ااستخباري يدل على قيام شخص او اشخاص، غير منظمين، اي لا يخضعون الى تنظيم هرمي، يستلمون منه التعليمات للقيام بعمليات ارهابية، بل يقوم الشخص او الاشخاص، بالتخطيط والتنفيذ ضمن امكانياتهم الذاتية. اغلب الاشخاص المنفذين لمثل هذه العمليات، يكونوا من الشخصيات السوية الاعتيادية والتي لا تثير الشك في سلوكها وحركتها اليومية. اغلب هذا النوع من الاشخاص يكونوا من الشباب من اصول عربية واسلامية، ومن الذين يقيمون في اوروبا ودول غربية. لتنتقل العمليات الإرهابية من العمليات الواسعة للتنظيم الى افراد، هذه العمليات ممكن اعتبارها بانها محاولة من التنظيم لمواجهة مشكلة التمويل والنقص في القيادات الميدانية من الجيل الاول للقاعدة، الذين تقدم بهم السن وخرجوا من الخدمة. تقوم عمليات الذئب المنفرد عادة على مبدأ التمويل الذاتي المحدود والاستعانة بالمواد التي تدخل في صناعة المتفجرات والتي يمكن الحصول عليها في الاسواق دون ان تجلب الانتباه والمراقبة. اغلبهم لا يتردد الى المساجد، ولا يرتدي السروال الافغاني واطلاق اللحي ويتقن اكثر من لغة مع اجادة عالم الانترنيت والتقنيات الحديثة. ان المعلومات التي توفرها شبكة الانترنيت، حول كيفية التحول من مواطن عادي الى “جهادي” مفخخ، تعدّ مادة قيمة من وجهة نظر القاعدة و”الجهاديين”. وتقدم المواقع “الجهادية” المعلومات بعدد من اللغات الاجنبية، لتبرهن بانها تستهدف الشباب في المجتمعات الغربية. وان غالبية هذا النوع من العمليات يقوم اصحابها، قبل تنفيذ اي عملية، بإيقاف اتصالاته قبل فترة التنفيذ، وايقاف اتصالات الهاتف وغلق حسابات الفيس بوك او تويتر على شبكات التواصل الاجتماعي، وبعد الذئاب المتوحدة ربما تقوم بالسفر لأغراض سياحية خارج الدولة الهدف من اجل التمويه على اجهزة الاستخبارات.

مخاطر الذئاب المنفردة
عمليات الذئاب المنفردة، ظهرت متأخرة ربما نهاية عام 2009، بوصفها البديل الى عمليات تنظيم القاعدة المركزي. المراقبون يجمعون بان القاعدة لم تعد بعد تنظيم مركزي يعطي التوجيهات والتمويل، بقدر ما اصبح ايدلوجية يمكن تبنيها من قبل الشباب. هذا النوع من العمليات جاءت بديل الى عجز التنظيم المركزي بعد تعرضه الى ضربات قوية من قبل الولايات المتحدة وبعد مطاردة واصطياد اغلب قياداته في وزيرستان واليمن وهذا ما اكده تنظيم فرع القاعدة في اليمن، بانه هو من تبنى العملية وتم الاعداد لها منذ عام 2011.
ان “الخلايا الفردية” او الذئاب الوحيدة كما يسميها مكتب التحقيقات الفيدرالية تكون اكثر صعوبة في متابعتها برغم اجراءات المراقبة البشرية والتقنية. وهي تمثل تحديا الى الاستخبارات اكثر من شبكات العمل على الارض، لان الاخيرة ممكن ان توفر لها بعض المعلومات والحقائق من خلال المراقبة والمتابعة. اما الخلايا الفردية فيعني ان يكون شخص واحد فعالا على الانترنيت بعد ان وفرت شبكة القاعدة طرق ووسائل صنع المتفجرات في مطابخ الامهات وباستعمال مواد غير محظورة. وهنالك احتمالات من تصعيد عمليات الخلايا الفردية في اوروبا والولايات المتحدة بسبب الشحن” الجهادي” على الانترنيت وقنوات التلفزيون. وكانت بداية هذه الخلايا عام 2009 في ساحة التايمز سكوير في نيويورك عندما قام فيصل شاه زاد الباكستاني المولد البريطاني الجنسية بمحاولة تفجير سيارة مفخخة في يوليو 2010 وكذلك في محاولة الشاب النايجيري عمر الفاروق عبد المطلب بتفجير عبوة على متن طائرة اميركية متجهة من امستردام الى الولايات المتحدة عشية اعياد ميلاد عام 2009 وعملية المجند الاميركي من اصل عربي نضال حسن الذي اطلق النار على زملائه في قاعدة فورد العسكرية في الولايات المتحدة عام2009. ان التغيير في نوعية المواجهة والصراع ما بين التنظيمات القاعدية وخصومها، تحول الى مواجهات استخبارية غير تقليدية، تستخدم فيها التكنلوجيا والتقنية الحديثة. لذا شهد جيل القاعدة الثالث سرعة بالحركة ومرونة بالتنقل بعد استغلاله التكنلوجيا الحديثة والعولمة الاتصالات. ان الخلايا الفردية تمثل تحديا الى اجهزة الامن والاستخبارات خاصة في الولايات المتحدة واوروبا، لأنها خلايا غير هرمية وغير تقليدية يمكن التوصل اليها من خلال تورط احد عناصرها. ويجمع الباحثون بان الخطب والمنشورات والصور المروعة التي تتداولها شبكة الانترنيت عن الضحايا او انتهاكات حقوق الانسان تمثل مادة جيدة لشحن مثل هذه الخلايا، باتجاه تنفيذ عمليات انتقامية وانتحارية فردية في مجتمعاتهم.

نماذج من الخلايا المنفردة
محمد مراح

هو فرنسي من اصل جزائري، اشتهر بعد قيامه بعمليات اطلاق نار وقتل جماعي في “ميدي بيرينيه” في 2012 وقتل مراح سبعة اشخاص منهم ثلاثة اطفال يهود وحاخام، مع جرح ستة اخرين. قتل في 22 مارس 2012 بعد محاصرته في بيته لمدة 32 ساعة من قبل قوات الشرطة والجيش من فرقة الراد. وكان لهذه الحادثة وقع كبير في وسائل الاعلام التي خصصت اسابيع للحديث على هذه الواقعة، خاصة لتزامنها مع الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2012.
وكشف رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية السابق” ايف بونيه”عن تفاصيل جديدة في قضية محمد مراح، وفقا لتقرير قناة العربية 28 مارس 2012 حيث اكد، في حوار له مع صحيفة ”لاديباش دو ميدي” ان هناك احتمالا كبيرا لان يكون المتهم محمد قد عمل بصفة مخبر لدى مصالح الامن الفرنسية واشار الى ان ”تصريحات “برنار سكارسيني” رئيس المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية، تفيد بان محمد مراح كان على اتصال بضابط من داخل المديرية، ما يهم ان مراح كان على تواصل مع الاستخبارات الداخلية ولا احد يعرف حدود ومدى هذا التعاون.

امادي كوليبالي
هو “امادي كوليبالي” محتجز الرهائن في متجر يهودي بباريس، قال قبل مقتله يوم 8 يناير 2015، لتلفزيون فرنسي انه وافق تحركه مع الاخوين كواشي، منفذي الهجوم الدامي يوم 7 يناير 2015 على اسبوعية “شارلي ايبدو” بباريس. وهو في منتصف الثلاثينات ومن اصول افريقية من دولة مالي، امضى ست سنوات بالسجن، وهو في العشرينات من عمره، وخرج من السجن عام 2009 بعد انتهاء عقوبته. التحقيقات كشفت، بان “كوليبالي” كان على اتصال مع شريف وسعيد كواشي منفذي هجوم “شارلي ابيدو” وهذا ربما يخرجه من تصنيف الذئاب المتوحدة. تصريحات الاستخبارات الفرنسية كشفت ايضا ان “كوليبالي” عمل عميلا الى الاستخبارات الفرنسية الداخلية وكان معروفاً بعلاقاته مع المافيا من اصول روسية معروفين بتجارة السلاح وسبق ان تعرف خلال عام 2007 على ا”حمد البقال” احد المتطرفين المتهم بمحاولة تفجير السفارة الاميركية في باريس في سجن “لاكاز” حيث كانا يمضيا عقوبة السجن معا.

“كريستوفر كورنل”
ذكر مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي يوم 15 يناير 2015 يان “كريستوفر كورنل” تم القاء القيض عليه بتهمة محاولة قتل ضابط اميركي بحسب وثائق المحكمة. واظهرت الوثائق ان” كورنل” نشر تغريدة على موقع تويتر يؤكد دعمه لتنظيم “الدولة الاسلامية”. وكان ينشر تغريداته باسم مستعار وهو من حساب باسم رحيل محروس عبيدة. وقال “جون باريو”، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي “اف بي اي” المسؤول عن اعتقال كورنل ان “المواطنين الاميركيين لم يكونوا في خطر خلال فترة التحقيقات. وكان كورنل تحت مراقبة “اف بي اي” لفترة طويلة قبل اعتقاله يوم 14 يناير 2015 وشرائه اسلحة نارية. وذكرت قناة العربية في نشراتها الاخبارية بان مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يراقبه عن قرب وسبق ان دفع المكتب الفيدرالي احد عملائه للتعرف عليه بغطاء صداقة، وبحجة مناصرته للجماعات “الجهادية”.

همام البلوي
هو همام خليل البلوي من مواليد 1977ـ الكويت، درس الطب واحد اعضاء وكان وعميل مزدوج للسي اي ايه واستخبارات دولة عربية والى تنظيم القاعدة ـ طالبان. اعتقل عام 2008 من قبل جهاز مخابرات الدولة العربية لنشاطه في الترويج للمنتديات”الجهادية” وقد وافق الجهاز الاستخباراتي على الافراج عنه مقابل تجنيده وتوجهه الى وزيرستان باكستان للعمل مع طالبان باكستان وهو ما وافق عليه همام، عمل مع وكالة المخابرات المركزية الاميركية كعميل لهم في صفوف القاعدة قبل ان يتحول لعميل مزدوج، نفذ عملية انتحارية في مقر وكالة الاستخبارات الاميركية في خوست في 25 ديسمبر 2009 نجم عن التفجير مقل مجموعة من عملاء وكالة المخابرات المركزية الاميركية في ولاية خوست في افغانستان، حيث قتل 7 من افرادها اضافة.
ذكرت الشهادات وكذلك تحقيقات الاجهزة الاستخبارية، ان بعض الخلايا المتوحدة تكون سوية ولا تجلب الانتباه، يشار بان التنظيمات “الجهادية” اعطت تعليماتها عبر الانترنيت ومنتدياتها بضرورة التشبه بالمظهر الغربي، وحلق الذقن وربما لبس اقراط وتقليعات شعر غربية، لكي لا تثير الشكوك حول هذه الخلايا، عكس مظهر الدعاة الذي يكون اسلاموي في المظهر والملبس.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة