مهارة القص وفن التجريب في (روشيرو) حسين رشيد

جاسم خلف الياس

تنهض قصص مجموعة ( روشيرو) القصيرة جدا للقاص حسين رشيد والصادرة حديثا عن دار شهريار البصرة/ الرافدين بيروت على لعبة ذهنية، تؤدي المخيلة دورا فاعلا في اقتراف المفارقات، وفنتازيا الواقع، والعوالم السحرية المدهشة فيها والتي استطاع القاص ان يشكلها بلغة سردية، ارتقت بتوهج المؤثرات الحسية ، والارتباط بالواقع المعيش ، واشتراطات المصاعب التي أسهمت في تمرد الشخوص القصصية، واختيار طريقة عيشها ، او موتها عبر كسر التابوتات وخاصة الدين والجنس التي لم يجرؤ الكثير من الكتاب على الخوض فيها كما جاء في الموازي النصي الذي ثبته الناشر على الغلاف.
لا تتسع هذه الشهادة لمقاربة القصص بشكل تفصيلي؛ لذا سأسعى الى مقاربتها بشكل اجمالي يختصر مهارات القص، واشتغالات القاص الفنية، تاركا مهنية النقد بفرصة أكثر توغلا وتوسعا في عناصرها وتقاناتها. لقد استقطبت هذه القصص كما أسلفنا الواقع بكل التباساته ومعوقاته، وتوظيفه في عوالم متخيلة كان القاص فيها رائيا، يبصر ويتلمس آفاق المستقبل عبر غوصه في الحاضر، في قدرة فائقة على تناول مكابدات الإنسان العراقي، والتمحور على فرط التهميش الذي جعله إرثا خاملا على رفوف المكائد والمصائر المؤجلة. هذا التهميش هو الذي جعل شخوص القصص تفكر بالتمرد والانتحار لتؤكد فعلها الإنساني دون الالتفات إلى معوقات دينية أو اجتماعية او ثقافية، تختار تلك الشخوص تجاوزها.
أما فيما يخص العناصر التي جعلت مهارة التجنيس تتوافق مع الاشتراطات الفنية للقصة القصيرة جدا، فقد كان للحكائية دور التجنيس فاعل فيها، وبما أن الحكائية تقتضي وجود الحدث والشخوص فضلا عن التفاعل الزمكاني الذي اختص به هذا النوع من القص، فقد فعل القاص حسين رشيد تلك العناصر مجتمعة في لغة سردية تتسم بالسلاسة والاشراق، بعيدا عن الغلو في التكثيف الذي يفقد السرد سرديته، بل يتجه بها إلى منطقة الشعر، على الرغم من أن التعالي الشعري/ السردي أصبح سمة طاغية في أغلب القصص القصيرة جدا، وعلى هذا الأساس كان التكثيف متوافقة مع الحدث واللغة في الآن نفسه.
أما التقانات التي يطول الحديث عنها(المفارقة/ التناص/ العنوان) فقد انوجدت الأولى بشكل مهاري حاذق، استطاع القاص عبرها كشف خفايا الواقع، وتجلي مخاتلاته . وتمخض الاشتغال على التقانة الثانية عن تقليد ومغادرة في الآن نفسه، تقليد من حيث امتلاك القصص عنوانا مفردا عدا ثلاث قصص، ومغادرة من حيث تقسيم المجموعة على أربع عنوانات فرعية (تعال لأريك، تمعن بتلك، تحدث معك، تخيل ذلك / ثلاثيات .. والمشاهد القصصية القصيرة جدا) إذ اختص كل عنوان بوحدة قصصية شكلت فضاء سرديا قائما بذاته، ويعد هذه التجريب الأول من نوعه في كتابة القصة القصيرة جدا. فضلا عن التجريب في الثلاثيات التي اختصت بها هذه المجموعة. واما تقانة التناص فقد تعاملت مع الميثيولوجيا أكثر من غيرها وهي محاولة قد تكون متفردة بهذا الجنس السردي الذي لايقوى عضده على التجريب.
وإذا كان اي منجز أدبي يشكل امتحانا للنوع الذي كتب فيه، فهل استطاعت مجموعة (روشيرو) أن تؤكد نجاح هذا النوع وقدرته على التواصل والاستمرار في التغيير النوعي تبعا لتغيير طبيعة الواقع؟ كيف تستطيع هذه المجموعة (روشيرو) أن تتخلص من الكم الهائل من الأسطر التي كتبها الهواة وارباع القصاصين الذين زجوا بأنفسهم في هذا الفضاء الكتابي المتفرد واصابوا القصة القصيرة جدا بحيف وظلم كبيرين. وأسئلة أخرى تنتظر الإجابة وتترقب بتوجس وخوف؛ حرصا على القصة القصيرة جدا لا سيما التي تكتب في العراق من المنزلقات الخطيرة أدت لها أن تصبح ثلاث أو أربع كلمات. الا ان (روشيرو) حسين رشيد تمثل تجربة خاصة وخالصة لهذا الفن القصصي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة