خلال 15 عامًا قضاها في السلطة
ترجمة: سناء علي
كتب الصحفي ديفيد هيرست مقالًا لموقع «ميدل إيست آي» حول الاستفتاء التركي حيث تساءل « متى، بالتحديد، قرر أردوغان، خلال الـ15 عامًا التي قضاها في السلطة، أنه، وحده، من يملك مصير تركيا بين يديه؟ متى بدأ في مقارنة نفسه بأتاتورك والانغلاق على نفسه؟
مضيفا « يملي المنطق علينا أنَّ هذا الأمر قد وقع في تلك الليلة الصيفية الدراماتيكية من شهر (تموز) الماضي، عندما كانت حياته وحياة أسرته على المحك. ويضيف هيرست، أن المنطق يملي أن ذلك قد حدث بسبب صدمة رؤية مقتل 249 شخصًا، وتفجير البرلمان، وتحطيم الدبابات للسيارات. قُتل من الأتراك في ذلك اليوم عدد أكبر ممن قتلتهم داعش في عامين. يملي المنطق أنَّ تلك هي اللحظة التي قرر فيها أردوغان أنَّ عليه أن يحكم بقبضة من حديد كما ليس ثمة أي عنصر آخر في الجدول الدوري بإمكانه وصف مدى حملة التطهير التي حدثت منذ ذلك الوقت: طرد أكثر من 97 ألف موظف حكومي، وإيقاف 37 ألفًا آخرين، وبدء إجراءات قانونية ضد 103 آلاف شخص، منهم 41 ألف شخص رهن الاحتجاز، وفتح 1094 محاكمةً، وإغلاق 158 منفذًا إعلاميًّا، بما في ذلك 60 قناة تلفازية ومحطة إذاعية، و19 صحيفة، و29 دار نشر، وخمس وكالات إخبارية، واعتقال أكثر من 150 صحافيًّا، وفقدان 10 آلاف موظف إعلامي وظائفهم، وانتظار الآلاف للمحاكمة بسبب تغريدات أو منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي.»
هيرست يرى ان ثمة سوابق لهذا التحول لرجل بدأ حياته ديمقراطيًّا يتبنى التعددية، ومحادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني، وحكم القانون، وسيادة البرلمان لينتهي إلى زعيم يتصرف ويتكلم كما لو كان قوميًّا تركيًّا يستمد سلطته وإلهامه من التهليل الشعبوي وحده.»
مضيفا أن « آخر من تحدى أردوغان كان رئيس وزرائه السابق، أحمد داود أوغلو. ويعود تاريخ انقطاع هذه العلاقة إلى شهر (شباط) 2015، عندما حاول رئيس الوزراء تمرير قانون للشفافية يطلب من كل من في السلطة الإعلان عن ممتلكاته. في شهر (أيلول) من ذلك العام، حيث تشاجر الرجلان، وراء الكواليس، شجارًا ضخمًا في أحد المؤتمرات الحزبية حول تشكيل اللجنة التنفيذية المركزية لحزب العدالة والتنمية. «
وبعيدًا عن الخطاب الذي ألقاه داود أوغلو في مدينة ديار بكر، عندما قال إنَّ المسألة الكردية لا يمكن حلها بالوسائل العسكرية وحدها , فقد اشار هيرست ان « خلافات الرجلين لم تكن سياسية. إذ اتفق كلاهما على تفاصيل صفقة اللاجئين مع بروكسل، وشرط رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك، وكان أردوغان على علم بهذا الشرط , وطبعًا لم يفِ الاتحاد الأوروبي بوعوده بخصوص المسألتين (إذ لم تتلق تركيا المال الذي وعدت به بروكسل، ولا حصلت على السفر من دون فيزا) وهو ما صارت تحمَّل مسؤوليته الآن إلى الاتفاقية ذاتها. لكنَّ هذا لم يكن ما أغضب أردوغان وقتها.»
كما بين هيرست ان « داود أوغلو انضم لقائمة متزايدة من الشجعان الذين اختلفوا مع الرئيس. تشمل هذه القائمة عبد الله غول، المؤسس المشارك للحزب، ووزير الخارجية السابق والرئيس السابق، وبوليت أرينك رئيس البرلمان، وفاطمة بستان أونسال العضو المؤسس، ونائبة رئيس البرلمان، وأرطغرل غوناي وزير الثقافة.»
كما اوضح الكاتب ان « التغييرات الدستورية ليست حُلّة مفصلة. ليس الغرض من التعديلات أن تصب لمصلحة حزب واحد، فضلًا عن شخص واحد. إنَّ النتيجة التي لا مهرب منها، بالنظر إلى سلوك أردوغان، أنَّ هذه التعديلات تفصيل على قياسه. إنَّ تركيا ضعيفة، وهذه المؤسسات التي يحركها شخص واحد على وشك أن تصبح أضعف , كما ان هناك مفارقة ضخمة، بالطبع، في هذا الحدث الذي على وشك الحدوث. فقد أرسل المدير الصحافي لرئيس الوزراء، ميميت أكاركا، بمناسبة نهاية العام، بطاقات لصق بكل منها قطعة من الرخام التي سقطت من حائط المجلس القومي الأعلى بعد تفجيره بطائرات إف 16 التي قادها المخططون للانقلاب. تقول هذه البطاقات: «في الخامس عشر من شهر (تموز) 2016، دافع الشعب التركي عن الديمقراطية بحياتهم».وكذلك فعلوا، وكما كتبت في ذلك الوقت، فقد جاء أولئك الناس من كل الأحزاب، ومن كل أجزاء القوات المسلحة، للدفاع عن البرلمان، رمز كفاحهم الذي انتصروا فيه بشق الأنفس على الجيش والدولة العميقة. هذه المؤسسة ذاتها، هذا الرمز، هو ما يجري إضعافه الآن.»
وفي عدة تساؤلات طرحها هيرست حول امكانية ان تصبح تركيا قوية , وهل علينا ان نسأل روسيا التي فعلت الأمر ذاته عام 1993 تحت حكم بوريس يلتسين. حيث أمر يلتسين عشر دبابات بقصف البيت الأبيض الروسي، مقر برلمان الاتحاد السوفيتي القديم, وقتها كانت الصحافة الغربية كلها تؤيد سحق ما عدته صوتًا منشقًا، وإحدى المخلفات السوفيتية. وسمت صحيفة الإيكونوميست الدم المراق في يوم الأحد ذلك «شرًّا لا بد منه». كانت النتيجة أن حصلوا على نظام رئاسي أكثر سلطوية بقليل من يلتسين نفسه، حصلوا على فلاديمير بوتين.»
*عن موقع «ميدل إيست آي» البريطاني