رشيدة محداد
مشهد طفل تكرره الذاكرة، يجلس بغرفة خالية من الدفء..خالية من وجه رسمه برحم والدته، قبل أن تنزل أحلامه دفعة واحدة، بدنيا غاب فيها جسد والده، و حضر اسمه بالأعياد على لسان والدته: سير عند باباك يشري لك سروال ولا صباط ! إنه اليوم الثالث، الذي احتوته فيه هذه الغرفة الباردة، قبل أيام من حلول العيد، ينتظر قدوم والده. وبداخله طفل يرتعش يرتب عبارات الترجي، كصور لعبة التركيب..يقدم كلمة ويعيد تركيبها، بطريقة أجمل، علها تروق والده، فيلين قلبه، ويقتني له سروالا، كالذي رآه على تلك الدمية العارضة. كم كان يبدو جميلا، وهو يتخيل نفسه مكان تلك الدمية المبتسمة! شاهق حلمه، حين يختاره عداد الساعة، طفلا بمكتب عمل، رئيسه يصفق الباب بوجهه، و يرمي بعده بشهاداته بقمامة جائعة . – احم ..جئت يا وجه النحس..شنو بغيت مازال..ماماك لبستك قميجة مشروطة وصيفطاتك لي ؟ – لا بابا، ماما معندهاش باش تشريلي هاد العام حوايج العيد ……. لعبة تركيب الكلمات، ضاعت وهي ترتعد أمام هيبة أب، لا تلتقي عيناه بعيني «حليم»، ولاترى تلك الغيمة من الضباب، التي حملت له صورة والده، وهو يتنقل بالحجرة، كقطعة ثلج تصل برودتها لفرائص حليم، فترتعد و ترتعش كدجاجة بللها مطر مارس! مرت ساعات، وحليم يراقب يد والده، مرة يحمل آلة تحكم التلفاز، وتارة يراها تمتد لمفتاح خزانته، تزهر مخيلته فيعلوها حذاء يضيء ردهتها، كمصباح بقلب فكرة ! وتترنح الخيبات،جثثا هامدة، لا يسعفها غير صوت زوجة أبيه، بصينية شاي، وقطع حلوى العيد، يضع واحدة بفمه، ويخفي أخرى بجيبه، على غفلة من والده، الذي انشغل بقص حشيش فوق قطعة خشبية.. مذاق الحلوى، كان كتذكرة سفر بالدرجة الثالثة، حين أضاع تذكرة حذاء، لم تسع قاطرة الدرجة الأولى حلمه، فاكتفى بالسفر في الزحام ، وجيوبه مليئة بحلوى مسروقة ! – كليت الحلوى ؟ اوا يلاه سير باركة عليك دابا دير لك «سريسرة».. سير قل لماماك تجبد ذاك الذهب لي كنت شاريه ليها تبيعو ..ولا باقية طامعة تلبسو ف شي زواج ؟ كيف يتحول الجليد إلى فرن يشوي الأجساد، ويكوي الأكباد.. لقد حوله والده لثوان إلى ثور ثائر، تهيجه حروفه الحمراء…ذنبه أن تلك الحالة المدنية، حملت اسمه العائلي، ونسيت أن تسجل حرارة قلبه جنبا إلى جنب، أمام إسم عار من الدفء.. ذنبه أنه سقط سهوا نطفة لجليد بفرن !