احلام يوسف
صدر كتاب جديد ضمن سلسلة عالم المعرفة في شهر مارس اذار، بعنوان «الثورة بلا قيادات-كيف سيبادر الناس الاعتياديون الى تولي السلطة وتغيير السياسة في القرن الحادي والعشرين. والسلسلة هي عبارة عن كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت.
يقول كارل روس مؤلف الكتاب في المقدمة: آن اوان اعتماد صيغة جديدة للسياسة، فالصيغ القديمة اخفقت اخفاقاً شنيعاً، في الغرب الديمقراطية في ازمة، في الصين وروسيا يترسخ نوع من الحكم الاستبدادي المرتبط بهيمنة الشركات واصحاب المصالح، وفي الشرق الاوسط تسود ألوان من الفوضى والعنف والقمع، في سوريا تحول الامر الى حرب شاملة، الانقسامات في المجتمعات، مكان بين الاديان والمعتقدات كما بين النخب والشعب، انه زمن قدر هائل من المعاناة وليست ثمة رؤية لمستقبل أفضل.
ثم يختتم مقدمته بشرح مختصر عن الغاية من هذا الكتاب فيقول: ليس المقصود من هذا الكتاب ان يشكل مشروع تصميم لمدينة الاحلام الفاضلة، او يوتوبيا، هو يطرح افكاراً وتفسيرات واقتراحات حول التحرك والفعل وبعض الالهام كما أمل، لا يجوز لأي كاتب او سياسي ان يعظ الناس عن كيفية التحرك في التعامل مع اقتناعاتهم، هم احرار في تحركاتهم، بالتنسيق مع الاخرين المعنيين المتضررين انها سياسة افعال لا اقوال، غير ان الأفعال هي من صنعك انت، اقرارًا، وتنفيذاً.
احتوى الكتاب على ثمانية فصول ، حيث تناول الكاتب في الفصل الاول «الموجة المكسيكية والتفجير الانتحاري»، يقول فيه: برغم ان البعض يراه جديرًا بالازدراء فان التفجير الانتحاري ربما كان الأسلوب السياسي العسكري الأكثر فاعلية، والأقوى تأثيرا أواخر القرن العشرين، وأوائل القرن الحادي والعشرين، ففي نزاعات ما بين أيدولوجيات، وبلدان، واديان متعددة، اقدم المقاتلون على اعتماد هذا الأسلوب من دون انحياز، وبما ينطوي عليه من رعب، يوفر التفجير الانتحاري رؤية مخترقة لأمر مهم امر ذو علاقة بكيفية حصول التغيير، كما بالأسلوب الذي نتبعه نحن البشر في العمل، وصولا الى تسليط الضوء على مدى امكان تغير الأوضاع، الى ما هو افضل، ولكن من دون قتل الناس.
الفصل الثاني كان بعنوان «الميثاق»، حيث يقول فيه: لا يكاد يولد طفل في أي دولة من الدول المتطورة، حتى يصبح الأبوان ملزمين وجوبا بتسجيل الولادة، وليس ثمة تفسير لهذه الضرورة، ولأنها الزامية حقوقياً، وسؤال «لماذا» ليس وارداً، ومع ذلك فهم يخبرونك بانك مؤهل لحصول وبالمجان على شهادة ولادة وجيزة، والاخفاق في تسجيل الولادة، يشكل مخالفة جنائية، ومن شأنه ان يستتبع عقوبة جسيمة.
واختار الكاتب للفصل الثالث موضوع الفوضى= الشواش، اما الفصل الرابع فكان عن اهمية الالتقاء بالناس، كتب فيه: في مكان ما على الطريق، بات تعليق القواعد الأخلاقية الطبيعية لدى تمثيل دولة معينة امرًا مقبولا، ففي ظل شعار حق الدولة القائم على الاعفاء من كل مستلزمات الاخلاق، ثمة رسميون يتحركون باسم الدولة، بل باسم أنظمة الحكم الديمقراطية الملتزمة بالقانون، مثل بريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية، متمتعين بحق تجاوز الضوابط والقيود الأخلاقية الاعتيادية، مثل تلك التي تحظر القتل والحاق الأذى بالآخرين، اذا كانت مثل هذه التصرفات مبررة بحاجات الدولة، فإنها ليست مغتفرة فقط، بل ومتاحة على نحو مكشوف، وبالفعل فان الدبلوماسي الناجح ينصح بنبذ اخلاق الضعف المميزة للناس الاعتياديين، اذا كان راغباً في ممارسة مهنته كما ينبغي ان تمارس سياسة واقعية، على الرغم من ان موت الآخرين ومعاناتهم هما النتيجة، فان هذا هو الثمن الضروري لحماية حياتنا نحن. يقول الكاتب انه لم يصل الى هذا الموقف النقدي عبر أي دراسة اكاديمية، او بحث تاريخي، بل يعرف الامر لأنه مارسه ذات يوم: ذات يوم أسهمت في الحاق الأذى بآخرين أبرياء، تحت غطاء الدولة الأخلاقي الصريح، آمنا ليقيني بأنني لم اكن لأحاسب ابداً، ومتنعماً بترف الحصانة، سبق لي ذات يوم ان مارست العنف باسم الدولة.
كان «الرجل في المعطف الابيض» عنواناً للفصل الخامس في الكتاب، وقد تحدث خلاله عن أستاذ علم النفس بجامعة ستانلي ميلغرام، والتجارب التي اجراها أوائل ستينيات القرن العشرين، حيث اثبتت مدى قدرة السلطة على دفع الناس الى ارتكاب أفعال شنيعة، واظهرت تجربة ميلغرام التي كانت بعيد محاكمة النازي ادولف ايكمان في العام 1961 مدى إمكانية توجيه افراد اعتياديين، الى اقتراف ممارسات راعبة، بما فيها التعذيب والقتل اذا ما أصدرت اليهم الأوامر من قبل شخص يتمتع بسلطة، او مرجعية، ولو مصطنعة.
وتحدث في الفصل السادس عن لعبة الشطرنج كونها ليست مجازاً للتعبير عن العلاقات الدولية، يقول في هذا الفصل: تبقى لعبة الشطرنج مجازاً متكرراً، دالا على شؤون العلاقات الدولية، تزين الصورة الملتقطة فنيا لملوك وفرسان «شاهات وبيادق»، العديد من الكتب والمقالات البحثية خصوصاً تلك المتعلقة بنظرية العلاقات الدولية، ولعبة الشطرنج جذابة للمقارنة، لكنها معقدة ومنطوية على غريمين محددين بوضوح، ولأنها قابلة قبل كل شيء للفهم في النهاية، على الرغم من كونها لعبة بالغة الصعوبة.
الوسائل هي نفسها الغايات، ذلك هو العنوان الذي اختاره الكاتب كي يكون عنواناً للفصل السابع، اما الفصل الثامن «ما قبل الأخير» والذي وضع له عنواناً يوحي بانه مكمل لما قبله حيث عنونه بـ «كش ملك»-تسعة مبادئ لريادة التحرك، فاقترح خلاله بعض المبادئ الجوهرية التي يمكن لأي فرد، او فريق راغب في رفع راية القضية ان يسترشد بها، انها سياسة توفر إمكانية حصائل ومخرجات غير مسبوقة التصور، لا تلك المحددة بهياكلنا، وأساليب عملنا. واختتم الكتاب بالفصل التاسع، وكان خلاصة-رؤية ما هو انساني. حيث يقول: في مكان ما على الطريق، مخدرين بسياسة فارغة، ولكنها مستمرة بإعلانات سائدة، وشاشات مضيئة متراقصة، نسينا ان نكون في احسن احوالنا، ونحن في المغامرة، في تعاطفنا مع الآخرين، وفي الحلم بشيء اكبر واعظم، ولدى تعرضنا لخطر وتحديات غير قابلة للروز، كما هو حاصل، عندئذ فقط نكون احياء فعلا، كلمات مثل معنى، وهدف، وتضامن، لا تحتل الا حيزاً صغيراً في هذا الثراء الرحب، ولكنها تعني ما هو اكبر بكثير، ليس الامر اقل من مشروع انساني يعاش من الفه الى يائه، لم تعد الحياة قبول صامت فقط، بل غدت حياة تصور، وبناء لصرح ديمقراطية حقيقية مباشرة تخص الشعب، حياة اقتصاد مفعم بالحياة ويكون عادل، وجنبا الى جنب مع هذه الجوائز والهدايا، عالم افضل حتى الإخفاق افضل من الإذعان والخضوع.