في معرفة التحليل الثقافي

خضير الزيدي

عن سلسلة العلوم الاجتماعية وبتقديم ومراجعة احمد أبو زيد أستاذ الأنثروبولوجيا في كلية الآداب جامعة الإسكندرية صدر كتاب (التحليل الثقافي ) ليعزز المكتبة العربية بإصدار جديد من شأنه أن يضفي مزيداً من الأفكار في حقل النقد الثقافي الذي اشتغل عليه الكثيرين من المختصين بالشأن الإبداعي الكتاب الذي عالج أعمال بيترل بيرجو ويوجين هابرماس وميشيل فوكووماري روجلاس حافظ عليه المقدم أن يكون بنسق واحد من ثوابت النقد والتحليل الثقافي والاهتمام بقضية واحدة لطالما شغلت بال المهتمين في حقول المدارس الانسانية يعرج في أبو زيد في مقدمة الكتاب حول التغيرات الجذرية في مجالات دراسة الثقافة المختلفة وبأهم المناهج والنظريات التي تبناها الغرب في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم.
منوهاً القارئ إلى نظريات تراجعت لعدة أسباب وكان أفولها واضحاً للعيان وبزوغ عهد جديد من تنوع النظريات وامتدادها وضرورتها ولعل الملفت في كل تلك النظريات التي أشار لها المقدم بأنها استندت إلى المجتمع وحقل قضاياه من خلال التحليل الثقافي ومن جملة الأمثلة التي يسوقها ما توفر من فرص لمعالجة الفن واللغة والهوية والتاريخ وتصورات الزمان والمكان وفقا لمنظور نقدي خالص من اجل التوصل إلى خطوات أولية ذات أبعاد تحيط بالمجتمع والاهتمام بالمشاكل الظاهرة فوق سطح الوجود والثقافة مشيرا هنا إلى سياقات متنوعة منها علمية كجوانب العولمة والانترنيت وغزو الفضاء وعالم الاتصالات وقضايا حساسة في السياسة والاقتصاد والنقد ما بعد الكولونيالي للثقافة الغربية حقيقة الكتاب مثلما نفهمها في المقدمة تناولت مؤشرات عديدة خصت مشكلات التغيير والتاريخانية الجديدة والمادية ومتطلبات المستقبل هذه القضايا مثلما يراها أبو زيد قدمت سابقا من قبل فلاسفة تمثلت في أفكار نيتشة وأعمال ميشيل فوكو وجان بوردريار وفرانسوا ليوتار وعليه يؤكد لنا إن في الواقع الكثير من المواد المتاحة للتحليل الثقافي وهي غنية وثرية وعميقة الدلالة والتنوع ولعل الإشارة المهمة التي توقف عندها احمد أبو زيد في المقدمة والترجمة هي أن معظم نظريات التحليل الثقافي المعاصر تعد الثقافة رمزا أو علامة لها معان تحتاج إلى تفسير والمعنى هو الآخر إنما يتم تكوينه وتخليقه عن طريق الأفعال والأشياء والتي تعد بدورها علامات ومن أهم ما توصل إليه الكتاب اعتبار الثقافة نسق من الأفعال يمكن دراستها ويعرج هنا إلى ما ذكره ذات مرة (رولان بارت ) من أن الرجوع إلى الأعمال يعد أمرا ضروريا في الكشف والتحليل وما تميز في هذا المحور من التحليل الثقافي هو اتساع مجاله وتنوعه بحيث يشمل مجالات عدة نقرأ في الفصل الأول من كتاب (التحليل الثقافي )مواضيع توقف عندها المحررون أشاروا فيها بداية إلى تحليل النظريات الأربع بعد تعريجهم إلى نظريات سبقتها توقفوا عند الاتجاه الماركسي وتأثيره البالغ والواضح حيال الاهتمام بالثقافة وتحديد هوية الثقافة باعتبارها نسقا تلقائيا للفعل ومن ثمة تم التأكيد على المنظور الآخر وهو علم النفس الاجتماعي واهتمامه بالظواهر الثقافية والمعتقدات والاتجاهات والجهود التي بذلت للتوصل إلى غاية في حقل هذا العلم لكشف حركات المجتمع والسلوك الجمعي وشبكة العلاقات والروابط بين المجتمع وما جاء في أدبيات هذا المنظور المعرفي من تعريف للثقافة بأنها مظهر التعبير الرمزي للسلوك الإنساني

(بيتر بيرجر والفينومينولوجيا )
في هذا الحقل المعرفي من الكتاب تم التسليط على ما عكسته هذه النظرية من تقليد ثري وعميق منذ هيجل وادموند هوسر ومارتن هايدجر وسارتر وشوتز وآخرين إلى ما تم كشفه من أفكار أخيرة من شأنها الاتجاه الى منظور عميق لفهم الثقافة والمقدم لنا كقراء في هذا الحقل توقفنا عنده لبيرجر من معلومات كرائد في الاتجاه الفينومينولوجيبا بوصفه من المختصين في الثقافة وكتب عدة مواضيع وله مؤلفات كثيرة في هذا السياق منها ما يذكره مقدم الكتاب ( النشأة الاجتماعية الحقيقية ) الصادر عام 1966 والذي عرج فيه على إعادة تكوين القواعد الحقيقية لعلم اجتماع المعرفة والإشارة التي يركز في متنها هذا الكتاب أن العوالم التي يسكنها الناس تتكون اجتماعيا من البشر في حدود البيئة الطبيعية والبيولوجية إضافة إلى مؤثرات الدين

(ماري دوجلاس والأنثروبولوجيا الثقافية )
حقل آخر مهم مما قدم في الكتاب نوقش فيه ما أنجزته ماري من ادوار مهمة حيال الثقافة إذ تعد ممن تولوا ريادة النظريات البريطانية التقليدية في الأنثروبولوجيا الثقافية وتناولت مواضيع عديدة اعتمدت على حد كبير على معلومات خاصة بالجماعات البدائية وانصب جل اشتغالاتها حول الترتيب الاجتماعي وشكلت محاور كثيرة في نقدها وتحليلها لتتوصل إلى منظور الشعائر والانحراف الرمزي في الحدود الاجتماعية ولدت ماري دوجلاس في عام 1921 في دير القلب المقدس في لندن وتعرفت على اغلب علماء الأنثروبولوجيا في جامعة أكسفورد وظهرت بوادر اهتماماتها بإفريقيا فزارت المستعمرات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد جهد شاق حصلت على إدارة مركز بحوث الثقافة في مؤسسة رسل سيج في نيويورك تعد هذه المرأة واحدة من المتميزين في العلوم الاجتماعية مثلما يذكر قي هذا الكتاب الذين أحسوا بالحاجة إلى ( غسل عالم الرمز بطريقة أكثر فعالية ) وسبق لها أن قدمت منظورا متميزا في حقل الدراسات الثقافية تجلى بإلقاء الضوء النقدي على الظروف المعاصرة لها الكثير من الكتب مثل ( الطهارة والخطر دراسة تحليلية لمفاهيم الرئاسة ) وما التفتت إليه من تصورات جريئة اكسبها شهرة في المجمع العلمي وبعدها كتابها الثاني( معنى الأسطورة ) والضبط الاجتماعي للإدراك وكتابها (المخاطرة والثقافة)

(البنائية المعتمدة من قبل
ميشيل فوكو)
يعرج احمد أبو زيد والمحررون لهذا الكتاب حول هذا المفكر الذي تبنى اتجاها مختلفا عن اقرأنه إذ توصف كل من كتابة بيرجر وماري دوجلاس بأنها واضحة وبسيطة وان أعمالهم تبدأ من الوسط الثقافي فان الالتفات إلى فوكو يعكس الأمر من حيث طريقة تحليله ونمط كتابته الغامضة فوكو المولود في فرنسا عام1926 حصل على الدكتوراه عام 1948 تحت تأثير لوى التوسير الذي عالج البنائية الماركسية واهتم بالأسطورة والفن والدين والتحق بالحزب الشيوعي واحتل دورا متميزا ظل لكتابه الأول (الجنون والحضارة )أثرا بالغاً مثلما لكتابه ( نظام الأشياء ) نفس الأثر في التحليل والتفكير والتناول الخاص بالشأن الثقافي وحينما أحس هذا الفيلسوف الفرنسي بالحاجة إلى توضيح طرائقه الخاصة بالبحث والتنسيق نشر كتابه ( اركيولوجيا المعرفة ) ليمد القارئ بالخطوط العريضة والمثيرة حول إعادة توجيه العقل والتحليل الثقافي ويمكن لنا كقراء ومتابعين للشأن الثقافي أن نجد في هذا الكتاب تلخيصا ذكيا وقدرا واسعا من المعلومات التي نحتاج إليها لكشف الأنماط والعلاقات القائمة بين عناصر الخطاب الذي أشار إليه فوكو في كتاباته وكتاب مثل (التحليل الثقافي ) يضعنا أمام عدة عتبات تتشابه في الأسس وتختلف في الرؤى ليجمعها قوة استخدام التفكير في سياق ثقافي واضح المعالم في الفصل الثاني هناك عدة حقول عرج عليها المترجم منها الظاهراتية وما تنطوي محاولات هذه النظرية من أمور تنسب إلى الثقافة والفلسفة ومؤثراتها ومحاولاتها الجادة في الوصول إلى غاية تعتمد في الكشف عن التباسات في الثقافة أو الحقيقة هنا كجانب اخذ في طور التحليل وهو (تفسير الواقع ) وما كان متعلقا منه بعالم الإنسان والتبادل الاجتماعي ومنظور الثقافة لدى بيرجر وانشغاله بالجدل حول اختلاف العلوم الطبيعية والثقافية وفاعلية الجدل بين الذات والجسد واستيعاب العالم الموضوعي داخل الوعي إضافة إلى الترتيب الاجتماعي للثقافة والنظم الاجتماعية التاريخية وهناك من الحقول التي تم التوقف عندها هي مسألة ملامح الثقافة الحديثة ….الكتاب لم ينته عند كل هذه المفاتيح التحليلية والمشار إليها أعلاه بل نواصل قراءتنا في الفصل الثالث عند مدخل الأنثروبولوجيا الثقافية كالتراث الدوركايمي والبنائية والتلوث والنظام الأخلاقي والحدود الرمزية والأوضاع الهامشية والخطر في الأوضاع معرجين هنا إلى مسألة الهامشية في الحياة الاجتماعية ومواضيع كانت غاية في التأكيد على الأسس النظرية التي تعالج قيم الثقافة ووجودها الكتاب الصادر برعاية السيدة (سوزان مبارك ) كان واحدا من أهم الكتب التي أخذت على عاتقها الاهتمام بالتحليل الثقافي وكأنه يريد أن يوصل رسالته إلى القراء باعتبار الثقافة مدخلا لحل الكثير من الموضوعات العالقة بين بني الإنسان والجدير بالذكر أن هذا الكتاب بصفحاته التي تجاوزت الثلاث مائة ورقة ومن القطع الكبير يمكن أن يكون مصدرا مهما لمن غابت عنهم نظرية التحليل الثقافي في الوطن العربي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة