د. جاسم الصفار
كاتب عراقي
بعد ان قضى دونالد ترامب، بقصفه بالصواريخ لقاعدة الشعيرات في سوريا، على شبهات لاحقته في اميركا من بسبب «اعجابه» بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن وانقياده للخضوع «للتهديد» الروسي بحسب الدوائر الاعلامية الاميركية القريبة من الديمقراطيين. وللحصول على صفة القائد العالمي الحاسم، اقدمت الولايات المتحدة الاميركية على استعمال اقوى قنابلها غير النووية والمسماة (بأم القنابل) في ضرب كهوف كانت قد بنتها بنفسها للمجاهدين من اجل تحرير افغانستان من الاحتلال السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي، بحجة استعمال داعش لهذه الكهوف في توسيع نشاطه الارهابي.
هذا المنعطف الخطير في السياسة الاميركية هو رسالة تهديد لقيادة كوريا الشمالية، التي تعترض الولايات المتحدة الاميركية على برنامجها النووي وسعيها الدؤوب للحصول على صفة دولة نووية، مع ان كوريا الشمالية ما زالت تحتاج لعدة سنوات من اجل تصنيع صواريخ نووية. علماً بأن مدى الصواريخ الكورية الشمالية مازال لا يتجاوز الالفين من الكيلومترات ولا تشكل تهديداً سوى لليابان والقاعدة الاميركية في اوكيناوا. أما التهديد بالوصول الى اراضي الولايات المتحدة الاميركية فهو تهديد غير واقعي في المرحلة الحالية ويحتاج، لكي يكون واقعياً وجاداً، الى تطوير للمنظومة الصاروخية الكورية الشمالية يستغرق اكثر من عشر سنوات.
وتجدر الاشارة هنا الى ان الصواريخ الكورية الشمالية تستعمل الوقود السائل الذي يعبأ لها قبل بضع ساعات من اطلاقها وهذا ما يجعلها صيدا سهلا للصواريخ الاميركية عند الضربة الاستباقية. هذا اذا ما اخذنا التهديدات الاميركية بمحمل الجد، خاصة وان الرئيس الاميركي دونالد ترامب كان قد اطلق تصريحات نارية متوعدة ومهددة يصعب تجاهلها.
وفي جميع الاحوال فان التصرفات والتصريحات الهوجاء الكورية الشمالية وفرت للادارة الاميركية مسوغا قانونياً وموضوعياً لنشر منظومة صواريخها المضادة في المنطقة، والتي من شأنها التصدي ايضا لشبكة الصواريخ الصينية العابرة للقارات والتي يمكنها واقعيا الوصول الى الاراضي الاميركية. وهذا ما يفسر تصرفات القيادة الصينية في استنفارها لقواتها واستعراضها لقدراتها العسكرية في المناطق الحدودية القريبة من شبه الجزيرة الكورية واليابان.
المواجهة العسكرية في المنطقة ليست من مصلحة الصين او الولايات المتحدة الاميركية، الا ان الولايات المتحدة الاميركية راغبة في اجراء يردع طموحات كوريا الشمالية النووية. وقد دعا وزير الخارجية الصيني (فان اي) الى عدم استعمال القوة لحل النزاع القائم في شبه الجزيرة الكورية واكد عل ان بكين لا تسمح باندلاع حروب وفوضى على حدودها.
وعلى العموم فان التصعيد هو سيد الموقف الان، خاصة بعد ان دفعت الولايات المتحدة الاميركية الى الحدود الكورية الشمالية باسطول حربي من حاملات الطائرات المجهزة بصواريخ نووية موجهة. وفي قاعدة اوكيناوا قامت اميركا بنشر منظومة صواريخ مضادة للجو اضافة الى منظومة صواريخ البتريوت الدفاعية التي نشرتها على الاراضي اليابانية لحمايتها من اي هجمة صاروخية تقوم بها كوريا الشمالية.
وفي المقابل صعدت بهينيان من مواجهتها للتهديدات الاميركية ولم تتوقف عن اجراء تجاربها الصاروخية في ظروف التهديد الحالية، كما صرح نائب وزير الخارجية الكوري الشمالي بان كوريا الشمالية «لن تبقى مكتوفة الايدي» اذا ما تعرضت لهجوم صاروخي امريكي، وهذا يعني انها سترد دون ابطاء على اي هجوم صاروخي على اراضيها.
واخيرا فان الخيارات الكورية الشمالية محدودة، ولا يبدو انها ستتخلى عنها مهما كان التصعيد الاميركي، فالعالم يذكر جيدا ان خضوع صدام حسين للاملاءات الاميركية وقبوله بالتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل لم يؤدي سوى الى اضعاف قدراته القتالية ولم ينقذه بالتالي من مصير محتوم كان الاميركان قد رسموه له.
كوريا الشمالية، أمام خيارات التصعيد أم التهدئة؟
التعليقات مغلقة